الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٧ - الجمعة ٢ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٩ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


عمالة مترهلة وكمبيوترات متعطلة





كشفت دراسات أجرتها جامعة ايسيكس البريطانية ان نحو ٦٠ في المائة من القوى العاملة في بريطانيا، لا تتقيد بمواعيد العمل المتعارف عليها من التاسعة صباحا إلى الخامسة عصرا، بعد ان أصبحت معظم الشركات والادارات الحكومية، لا تمانع في ان يؤدي الموظفون أعمالهم وهم في منازلهم، فطالما العمل يتطلب فقط استخدام الكمبيوتر، وطالما هناك في مواقع العمل كمبيوترات مركزية ترصد الانتاجية وجودتها أو رداءتها فلا معنى لتعريض الموظفين للتلتلة والانتقال من وإلى أماكن العمل.. وأريد من القارئ الذي يعمل في دائرة حكومية في دولة عربية ان يتذكر كيف كانت أساليب العمل قبل ١٥ سنة، وكيف هي اليوم: ما من موقع عمل حكومي في عالمنا العربي المعاصر إلا والكمبيوتر يتولى فيه تصريف معظم الأعباء، ولكنني أتحداكم جميعا ان تذكروا لي اسم وزارة أو إدارة حكومية واحدة تقلصت فيها العمالة نتيجة لاستخدام الكمبيوتر! بالعكس من المؤكد ان العمالة تضاعفت خلال سنوات التوسع في استخدام الكمبيوتر، وليس ذلك فقط لأن حكوماتنا تحل مشكلة العطالة بتكديس أجهزتها بعطالة مقنعة، مما يؤدي إلى تعطيل مصالح العباد والبلاد، ولكن ايضا لان هناك نوعية المدير الذي يعتقد انه يستمد أهميته من عدد مرؤوسيه، ويعمد في بداية كل سنة مالية إلى المطالبة بالمزيد من الوظائف، ليتباهى بأن «تحته» كذا مائة أو عشرة موظفين، أما السلالة النادرة من المديرين، والتي يقرر الواحد منهم إنهاء خدمات بعض الموظفين لان حجم العمل لا يتطلب وجود عدد كبير من العاملين، فانه يوصف بالقسوة والغطرسة، مع ان واجبه الاول هو ضمان مصلحة العمل ومن خلال ذلك مصالح العمالة المنتجة وليس الطفيلية التي تحول المكاتب إلى مقاه لشرب الساخن والبارد واجراء مكالمات هاتفية بلوشية. (بسبب حراس الفضيلة فشلت ذات عام في الحصول على قبول لولدي في ثلاث جامعات بريطانية هي ويسكس وساسكس وإسكس، لأنني فشلت في دخول مواقعها على الإنترنت لتقديم طلبات الالتحاق بها، والسبب في ذلك ان شركات الاتصالات العربية التي تقدم خدمات الإنترنت، وضعت تلك الجامعات في القوائم السوداء لأن أسماءها مريبة بل غير شريفة لأنها تنتهي بـ«سكس»، وحاشا لعيالنا ان يلتحقوا بجامعات يكون السكس - وبكل بجاحة ووقاحة - جزءا أساسيا من اسمها.. وربما مناهجها).

وهل من الوارد ان تسمح جهة ما في العالم العربي لموظفيها بأداء أعبائهم الوظيفية من بيوتهم من منطلق ان العبرة بالنتائج والناتج والانتاجية؟ لن يحدث ذلك حتى يشيب الغراب، لسبب بسيط وهو ان بيئة العمل عندنا ترضي النزعات السادية عند قادة العمل من مديرين ورؤساء يعتقدون ان مهمتهم الأساسية هي ممارسة «السلطة» بجميع ملحقاتها من عنجهية ومجالس تأديب ولفت نظر وخصم راتب وتأجيل علاوة وحرمان من الإجازة! ولهذا كنا أول من التقط بدعة البصمات الإلكترونية لتسجيل الحضور والغياب، فعندنا لا يحس المدير بأنه مدير طالما انه لا يجد أمامه موظفين يصيح في وجوههم لإثبات وجوده، وليثبت لزواره انه «خطير»، لذا تجد عندنا ان من يحظى بالترقية والتفرغ للدراسة والمهام الخارجية هو من يحمل حقيبة المدير إلى سيارته وينقل إليه الوشايات ويخصص حتى ساعات ما بعد العمل لممارسة البكش معه، وفي مناخات كهذه ستواصل العمالة ترهلها والكمبيوترات تبطلها.. مع فارق أساسي هو ان الكمبيوتر المتبطل لا يتعرض للإهانة والبهدلة، بل يتلقى الشكر يإيكال امره إلى شخص لا يحسن حتى استخدام الحاسبة العادية!! والبركة في ألعاب سوليتير والمزرعة ليملأ الموظفون وقتهم خلال ساعات الدوام المملة بتمارين تنشط العقل عوضا عن روتين يعطل العقل ويشله.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة