الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٥ - السبت ١٠ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


الأمــــــــــــم المتحدة والأزمة السورية





لو اتبع قلبي لطالبت حكومتنا في إسرائيل بإرسال جيشنا إلى سوريا وطرد عصابة الأسد من دمشق وتسليم مقاليد الحكم إلى المعارضة السورية أو إلى منظمة الأمم المتحدة لنعود بعدها إلى الديار.

لن يكون ذلك صعبا البتة على إسرائيل.

دمشق تقع على بعد بضع عشرات من الكيلومترات فقط من مواقف الجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان.

الجيش النظام السوري قام بتعبئة كل موارده وقواته لمقاتلة شعبه. لذلك إذا ما فتحنا جبهة عسكرية ضد الجيش السوري فإن المعارضين سوف يزحفون على العاصمة دمشق وينجزون المهمة بأنفسهم.

في كلتا الحالتين نكون قد تخلصنا من هذا الوحش الكاسر.

ألن يكون ذلك أمرا رائعا؟

نعم سيكون الأمر رائعا لكن للأسف تبقى فكرة التدخل العسكري في سوريا مجنونة.

أولا: الشعب السوري، بمن في ذلك المعارضون الذين يقاتلون نظام بشار الأسد، ربما يكرهوننا أكثر حتى من بشار الأسد وبقية عصابة دمشق.

إذا ما اجتاز الجنود الإسرائيليون الحدود فإن ذلك سيوحد السوريين خلف جيشهم النظامي وربما يؤدي ذلك إلى توقف الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد.

تظل إسرائيل في نظر العالم العربي رديف الشيطان، إن لم تكن إبليس نفسه، حتى تلك الدول العربية التي تدعم الجيش السوري الحر بالسلاح ستفكر مرتين.

إن الدعم الإسرائيلي لأي فصيلي سوري معارض ؟ تقدميا كان أم وطنيا ؟ سيكون بمثابة قبلة الموت للانتفاضة السورية المنادية بإسقاط نظام بشار الأسد.

لهذا السبب يجب على إسرائيل ألا تبدي تأييدها ؟ ولو بالكلام ؟ للمعارضة السورية لأن ذلك قد يصيبها في مقتل.

بعض الأطراف يريد من الحكومة الإسرائيلية أن تطالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومنظمة الأمم المتحدة بالتدخل في سوريا. إن مثل هذه العواقب قد تكون وخيمة على أصحاب القضية أنفسهم ؟ المعارضة السورية ؟ كما أنها قد توفر طوق النجاة لنظام بشار الأسد علما أن نظامه المتآكل ربما يكون قد بلغ الحشاشة، أي أنه في النزع الأخير قبل أن ينهار. إن نظام الأسد وبقية زمرته سوف يستخدمون مثل هذا الموقف الإسرائيلي كي يشوهوا المعارضين ويعتبروهم مجرد عملاء للولايات المتحدة الأمريكية والصهاينة.

إذاً ما الذي يمكن لإسرائيل أن تفعله حتى تخفف من معاناة الشعب السوري قدر الإمكان؟

لا شيء، لا شيء البتة.

لا التدخل العسكري ولا الجهود الدبلوماسية ولا حتى التعبير عن التضامن مع الشعب السوري.

يجب بالمقابل أن نتمعن جديا في الأسباب التي جعلتنا اليوم في هذا الموقف المزري غير القادر على اتخاذ أي موقف.

لقد مر علينا زمن كان فيه العالم العربي يكره إسرائيل غير أنه يصدق ما تقوله إسرائيل. فرغم أنهم يكرهون البيانات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي فإنهم يصدقونها ويجدون فيها بعض الحقيقة، إن لم تكن الحقيقة كلها.

لقد ولت تلك الأيام

لو أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم أنه سيدخل الأراضي السورية للتخلص من الدكتاتور ثم ينسحب فور إنجاز المهمة لضحك العرب ملء أشداقهم ؟ ماذا؟ إسرائيل تنسحب؟

لقد دخلت إسرائيل الأراضي اللبنانية سنة ١٩٨٢ من أجل «تحرير شريط حدودي بطول ٤٠ كلم واستخدامه كمنطقة عازلة ضد الارهابيين الفلسطينيين»، غير أننا لم ننسحب إلا بعد مرور ثمانية عشر عاما وبعد أن خضنا حربا مريرة هناك كدنا نتكبد فيها هزيمة مذلة. لقد ظلت إسرائيل أيضا تحتل مرتفعات الجولان السورية منذ حرب يونيو ١٩٦٧ ولم تبد منذ ذلك الوقت أي نية في الانسحاب.

إذا ما فعلت إسرائيل أي شيء بخصوص الأزمة السورية المجاورة فإن كل العالم - وليس العرب وحدهم ؟ سيتساءل عما قد تكون الدولة العربية تخطط له.

من هو المجنون الذي يتوقع أن تقوم دولة - يتولى فيها شخص مثل أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية وشخص مثل إيهود باراك وزارة الدفاع من دون أن ننسى رئيس الوزراء نفسه بنيامين نتنياهو ؟ بعمل لفائدة الآخرين ينم عن الإيثار وروح الإنسانية؟

لهذا دعونا ننسى هذه الفكرة برمتها ونخوض في حديث غيره.

لكن كيف يمكنني أن أتخذ مثل هذا الموقف اللامبالي فيما ترتكب مجازر حقيقية على بعد أقل من ٣٠٠ كلم مني، أي أن سوريا أقرب من مدينة إيلات نفسها؟

هذا السؤال لا يهم إسرائيل وحدها بل يهم الإنسانية جمعاء في مختلف مناطق العالم.

فسواء كنا إسرائيليين أو نرويجيين أو برازيليين أو باكستانيين، فنحن - المواطنين العالميين - نجلس كل يوم أما أجهزتنا التلفزيونية ونشاهد المجازر الفظيعة التي يرتكبها نظام بشار الأسد في حق شعبه، صور فظيعة تلك التي تأتينا من مدينة حمص تجعلنا نتساءل في يأس متزايد: هل المجتمع الدولي عاجز إلى هذا الحد؟

هناك حقيقة بسيطة لكنها شديدة المرارة، ففي بداية هذه الألفية الثالثة وفي عصر العولمة الاقتصادية والثورة المعلوماتية التي فجرت فيض المعرفة والاتصالات لايزال النظام السياسي العالمي يتخلف عن الركب قرونا من الزمن.

عقب الحرب العالمية الأولى التي بلغت ذروة الفظاعة تأسست عصبة الأمم في محاولة لبناء نظام عالمي غير أن صلف وعنجهية الدول المنتصرة ونزعاتها الثأرية قد جعلتها تنشئ نظاما عالميا مختلا انهار في أول امتحان حقيقي وضعه على المحك.

عقب الحرب العالمية الثانية، حاولت الدول المنتصرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن تبني نظاما عالميا أكثر واقعية غير أن المؤسسة التي أنشأتها: منظمة الأمم المتحدة يشوبها أيضا الكثير من مواطن الخلل وهو ما كشفته بكل وضوح وجلاء الأزمة السورية الراهنة.

إن حق الفيتو - الذي تحتكره خمس دول في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا - يمثل أسوأ ما بنيت عليه منظمة الأمم المتحدة، ذلك أنه كثيرا ما يتسبب لمنظمة الأمم المتحدة في حالة من الشلل والعجز.

من غير المنطق توجيه سهام النقد إلى روسيا والصين اليوم لاستخدامهما حق الفيتو لمنع صدور أي قرار عن مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري، فالصين وروسيا لا تختلفان في شيء عن بقية القوى العظمى الأخرى التي تملك حق الفيتو. لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو أكثر بكثير من روسيا والصين وهي تفعل ذلك خاصة لحماية إسرائيل من إدانة المجتمع الدولي. إن روسيا والصين إنما تستخدمان الفيتو في مجلس الأمن الدولي حماية لمصالحهما.. وليذهب الضحايا السوريون إلى الجحيم.

قد يكون هذا الموقف الروسي والصيني مثيرا للاشمئزاز غير أنه لا يمثل سابقة، فالتاريخ مليء بمثل هذه الأمثلة على غرار اتفاقية ميونيخ والمعاهدة المبرمة ما بين أدولف هتلر وجوزيف ستالين.

لكن هل الفيتو الروسي ضد قرار بلا أسنان يصدر عن مجلس الأمن الدولي يخدم حقا المصالح الروسية؟

أعتقد أن روسيا هي أفضل من يجيب عن هذا السؤال.

في الحقيقة فإن المبيعات الروسية من السلاح إلى سوريا لا تعتبر من أول الاعتبارات التي تضعها موسكو في قائمة أولوياتها. يبدو أن روسيا لم تتخلص من الإرث السوفيتي، أي أن كل شيء تؤيده الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من ورائها هو بالضرورة أمر سيئ.

لعل الروس والصينيين يخشون إرساء سابقة أخرى للتدخل الأجنبي في الشئون الداخلية، مثل المذابح الجماعية والاستبداد وجرائم الإبادة الصغيرة. لكن على المدى البعيد فإنه لن يكون من مصلحة روسيا سجن نفسها وراء جدار من اللامبالاة.

إن بشار الأسد قد جعلنا ندرك مدى الحاجة إلى القيام بعملية إصلاح شاملة في ميثاق منظمة الأمم المتحدة على أن تكون ضربة البداية مع حق الفيتو المثير للجدل.

إن النظام الذي قامت عليه منظمة الأمم المتحدة قد عفى عليه الزمن، فلماذا تتمتع الصين بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وتحرم الهند؟ ولماذا تتمتع فرنسا بحق الفيتو فيما تحرم ألمانيا؟

هذه مجرد مسألة ثانوية في حقيقة الأمر.

أما المسألة الأكثر أهمية فهي تتعلق بتقرير دولة كبرى أو دول كبرى عدة تقويض إرادة المجتمع الدولي. لقد تحولت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم إلى «فيتوستان».

إذا لم يتسن التخلص من حق الفيتو بشكل كامل فإنه يمكن على الأقل إيجاد آلية للحد من استخدامه مثل اشتراط أغلبية بنسبة ٧٥% في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.

يمكن أيضا اعتماد آلية يمكن من خلالها للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أن يطالب جيوش الدول الأعضاء بالتدخل لوقف الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في أي مكان من العالم.

لقد جاء الدكتاتور حافظ الأسد بابنه بشار على عجل واتخذ منه «وليا للعهد» بعد وفاة ابنه البكر باسل في حادث مروري.

أثار وصول طبيب العيون بشار الأسد الارتياح، فقد أعطى الانطباع بأنه حداثي وتقدمي تشبع بالأفكار الديمقراطية. غير أنه يثبت اليوم أنه دكتاتور بداخله وحش.

كورييه إنترناشيونال



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة