العقوبات تكبل الاقتصاد الإيراني
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٤ فبراير ٢٠١٢
بقلم: دنيس روس
لقد نما سوق التكهنات التي يقول أصحابها ان إسرائيل باتت على أتم الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. وبالمقابل لا نكاد نجد حديثا عن مدى إمكانية نجاح الخيار الدبلوماسي، قبل اللجوء إلى الخيار العسكري.
لقد شكك الكثير من الخبراء في إمكانية قبول سلطات طهران بأي اتفاق من شأنه أن يخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بعمليات تفتيش في عمق المنشآت النووية الإيرانية أو موافقتها على وقف أو حتى الحد من عمليات تخصيب اليورانيوم بما يؤخر مساعيها الرامية إلى امتلاك القدرات التقنية على صنع الأسلحة النووية، مع الاستمرار في تطوير البرنامج النووي لأغراض سلمية، وهو ما يعتبره خصوم نظام طهران مجرد غطاء لذر الرماد في العيون وإخفاء حقيقة البعد العسكري في البرنامج النووي.
قبل أن نحسم أمرنا ونقول ان فرص نجاح الخيار الدبلوماسي محدودة ؟ إن لم تكن معدومة ؟ يجب أن ندرك أن الإيرانيين يواجهون الآن ضغوطا كبيرة وأن قادتهم قد اضطروا في الماضي إلى تغيير سلوكهم تحت الضغوط الخارجية التي حاصرتهم من كل جانب. رغم تلك الجعجعة الكبيرة التي تأتينا من طهران والتي تصب في خانة الاستهلاك الداخلي فإن هناك مؤشرات متزايدة على رغبة سلطات طهران في البحث عن مخرج بعد أن ضاق عليها الخناق.
لقد تغيرت أمور كثيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ففي شهر يناير ٢٠٠٩، كان نظام الملالي في طهران في أوجه ويسعى إلى توسيع نطاق نفوذه عبر كامل منطقة الشرق الأوسط فيما كان الزعماء العرب يتجنبون توجيه انتقاداتهم العلنية لنظام طهران خوفا من ردود أفعاله العدائية.
كذلك لم تكن الحكومة الإيرانية تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة فيما كان الإيرانيون يسعون فقط إلى التكيف مع العقوبات التراكمية المفروضة عليهم.
أما اليوم فقد أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر عزلة من أي وقت مضى، فميزان القوى الإقليمية قد بدأ يتغير في غير صالح نظام طهران لا لشيء إلا لأن قادة إيران يواصلون دعمهم نظام بشار الأسد الذي يواصل حملة التنكيل بشعبه. إن نظام الأسد قد تآكل وبات يوشك أن يتداعى وقد تخسر سلطات طهران عما قريب الدولة الحليفة الوحيدة في العالم العربي التي تعتبر الشريان الحيوي الذي يمد حزب الله اللبناني بالمال والسلاح من إيران.
لم تعد الدول العربية المجاورة لإيران في منطقة الخليج، أو حتى في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، تتردد في توجيه انتقاداتها لنظام طهران، إذ ولى ذلك الخوف من التهديدات الإيرانية وقد تجلى ذلك في تعبير السعوديين عن استعدادهم التام لسد النقص وتلبية حاجات أوروبا من النفط وذلك بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي أنه اتخذ قرارا بمقاطعة صادرات النفط الإيراني. لم يتراجع السعوديون وازدادوا إصرارا حتى عندما اعتبرت سلطات طهران أن خطوتهم تلك تشكل عملا عدائيا موجها ضدها.
لا تستطيع إيران القيام بعقد صفقات تجارية أو الحصول على قروض وضمانات من أي بنك دولي مرموق كما أنها لم تعد تستطيع التأمين على بواخرها أو إيجاد مستثمرين أجانب للعمل في قطاعها البترولي، فقد سدت كل المنافذ هذه المرة أمام نظام طهران وضاق عليه الخناق. استنادا إلى وزارة البترول الإيرانية فإن قطاع الطاقة في الجمهورية الإسلامية في حاجة أكيدة إلى مبلغ يفوق ١٠٠ مليار دولار في شكل استثمارات من أجل إعادة إنعاش بناه التحتية المتآكلة، التي عفى عليها الزمن، وهي تواجه الآن نقصا كبيرا في السيولة النقدية.
لقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية حزمة من العقوبات الجديدة على المصرف المركزي الإيراني وتلك الأطراف التي تتعامل معه وتعقد معه الصفقات، الأمر الذي هوى بقيمة العملة الإيرانية بنسب أربكت النظام الحاكم في طهران. خلال الأسابيع الماضية، فقد الريال الإيراني نسبة كبيرة من قيمته في مقابل الدولار الأمريكي، مما زاد من المتاعب الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها إيران في الفترة الحالية.
لاتزال آلاف الأطنان من الحبوب على متن السفن التي رفضت إنزال حمولتها في الموانئ الإيراني لأنها لم تحصل على مستحقاتها كما يتم تخزين النفط الإيراني على متن الناقلات البترولية ذلك أن المشترين يطالبون بالحصول على تخفيضات مقارنة بالأسعار المعمول بها في الأسواق العالمية، بل إن الدول التي تواصل التعامل التجاري والاقتصادي مع إيران تشترط عدم الدفع بالدولار، تنوي الهند شراء ٤٥% من حاجاتها من النفط الإيراني باستخدام الروبية وهو ما يعني أن إيران ستكون مضطرة لاستخدام تلك الأموال الشراء البضائع الهندية التي قد لا تريدها أو قد لا تحتاج إليها.
لقد سعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ البداية لفتح باب الحوار الجدي مع إيران لكنها كانت أيضا تدرك منذ البداية أنه لو أعرض نظام طهران عن تلك الجهود فإن سلطات واشنطون سترد بفرض عقوبات مشددة وغير مسبوقة من أجل وقف الطموحات النووية الإيرانية.
مع بداية سنة ٢٠١٠ راحت سلطات واشنطون تعمل بشكل منهجي على تشديد الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية حتى تدفع سلطان طهران ثمنا باهظا قد لا تتحمله في مقابل مواصلة برنامجها النووي. لقد أخذت هذه الاستراتيجية الأمريكية في الاعتبار الكيفية التي تكيف بها القادة الإيرانيون في الماضي من أجل الالتفاف على العقوبات الكبيرة التي فرضت عليهم - من الاضطرار إلى وقف الحرب ضد العراق سنة ١٩٨٨، إلى التوقف عن اغتيال المنشقين الإيرانيين في الدول الأوروبية في فترة التسعينيات وصولا إلى تعليق أعمال تخصيب اليورانيوم في سنة ٢٠٠٣ ؟ اي في العام نفسه الذي قامت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا بغزو العراق.
لقد نجحت إدارة الرئيس باراك أوباما حتى الآن في بلورة وضع يمكن معه للدبلوماسية أن تنجح. يظل السؤال مع ذلك عما إذا يمكن للدبلوماسية أن تنجح فعلا لوقف خطر الحرب.
تخشى إسرائيل أن تفقد خيارها العسكري وقد تضطر إلى الانتظار لمعرفة ما ستفعله الدبلوماسية وإذا ما كانت ستؤتي أكلها فعلا. لقد ظل القادة الإسرائيليون ؟ بمن في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ؟ يطالبون بتشديد العقوبات، اعتقادا منهم أن الضغوط الكافية يمكن أن تجبر سلطات طهران على تغيير سياساتها. إن تشديد العقوبات في نهاية المطاف يعني أن إسرائيل قد تعطي هذه العقوبات والمساعي الدبلوماسية الفرصة لمعرفة ما سيؤول إليه الأمر بعد ذلك، بل يجب عليها أن تعطي الفرصة وتنتظر.
لم يتضح بعد إذا ما كان المرشد الأعلى علي خامنئي ؟ الذي يتغذى نظامه من العداء ضد الولايات المتحدة الأمريكية ؟ سيقبل بالموافقة على صفقة تتعلق بالمسألة النووية. لقد بدأت سلطات طهران تبعث الآن بإشارات تبدي من خلالها اهتمامها بالعمل الدبلوماسي، فقد قال وزير خارجيتها علي أكبر صالحي ان إيران ستستأنف المحادثات مع الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا. لقد قال صالحي أيضا مؤخرا ان إيران ستناقش المقترح الروسي خطوة بخطوة وذلك من أجل نزع فتيل الأزمة مع الغرب حول البرنامج النووي الذي تعمل بلاده على تطويره. لقد كانت سلطات طهران قد رفضت ذلك العرض الروسي لدى تسريب بعض تفاصيله في السنة الماضية.
من المؤكد أن إيران قد بدأت تعاني بسبب الضغوط والعقوبات الدولية التي تحاصرها من كل مكان، الأمر الذي جعل قادتها يبدون استعدادهم للدخول في مفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد. بطبيعة الحال قد تحاول الحكومة الإيرانية استخدام المحادثات كتكتيك في الوقت نفسه الذي تواصل فيه تطوير برنامجها النووي. إذا كان الأمر كذلك فعلا فإنهم سيواجهون بعقوبات جديدة أكثر قساوة مع بدء مقاطعة الاتحاد الأوروبي للنفط الإيراني يوم ١ يوليو القادم.
* مسئول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي كما عمل مساعدا خاصا للرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط وأفغانستان وجنوب آسيا ما بين عامي ٢٠٠٩ و.٢٠١١ يعمل الآن مستشارا في معهد واشنطون لسياسات الشرق الأدنى.
.
مقالات أخرى...
- الأزمة السورية والعلاقات التركية - السورية - (23 فبراير 2012)
- روسيا بعد عشرين سنة من سقوط الاتحاد السوفيتي - (16 فبراير 2012)
- هل تشهد روسيا.. روسيا جديدة؟ - (16 فبراير 2012)
- تركيا وفرنسا والهيمنة على العالم العربي - (15 فبراير 2012)
- إيران.. القنبلة والربيع القادم - (14 فبراير 2012)
- الغرب ما بين غزو العراق والتدخل في سوريا - (14 فبراير 2012)
- إيران و«اللعبة الكبرى» في العلاقات الدولية - (11 فبراير 2012)
- انقسام المواقف الدولية حول الأزمة السورية - (8 فبراير 2012)
- هل تنزلق سوريا في الحرب الأهلية؟ - (8 فبراير 2012)