الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٤ - الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٦ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


الصراع مع الغرب من منظور إيراني





لقد راح الصقور الإسرائيليون يهددون بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف البرنامج النووي الإيراني كما أن العديد من المترشحين الجمهوريين إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المزمع إجراؤها في نوفمبر ٢٠١٢ يؤيدون مثل هذا العمل العسكري الذي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية. لقد أظهر استطلاع للرأي بين الطلاب والأكاديميين أن أشد خصوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يحملون مشاعر قوية معادية للغرب.

لقد راح الرئيس محمود أحمدي نجاد يكثف من الخطب السياسية ويعزف على هذه المشاعر المعادية للغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وفي الوقت نفسه راح الرئيس نجاد يصور نفسه في مظهر المواطن الإيراني الفخور ببرنامج بلاده النووي. أما نائب قائد القوات الإيرانية المسلحة فقد راح يهدد بتوجيه ضربة وقائية استباقية ضد أعداء الجمهورية الإيرانية. يعتقد أن عملاء المخابرات الإيرانية هم الذين دبروا التفجيرات في كل من الهند وجورجيا وتايلند. وفي استعراض آخر للقوة أرسلت سلطات طهران بارجتين حربيتين إلى حوض البحر الأبيض المتوسط ورستا في ميناء طرطوس السوري.

عادة ما تعتبر هذه الأعمال من السمات التقليدية التي توصف بها القوى الرئيسية وهي أمور تتصدر العناوين الصحفية على أساس يومي تقريبا. أما الدول الغربية فقد شددت العقوبات المفروضة على إيران فيما صعد الساسة الإسرائيليون من تهديداتهم بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية.

إن مثل هذه التقارير والتصريحات كثيرا ما تعطي مؤشرات عما يدور برؤوس الزعماء السياسيين والخبراء الاستراتيجيين. لكن كيف ينظر المتعلمون والمثقفون الإيرانيون إلى هذا التوتر المتصاعد واحتمال نشوب مواجهة عسكرية تكون بلادهم طرفا فيها؟

بطبيعة الحال يصعب التأكد من حقيقة مواقف وآراء الإيرانيين بسبب الرقابة والتضييقات الكبيرة على حرية الرأي والتعبير في الجمهورية الإسلامية كما أنه نادرا ما يسمح للصحفيين الأجانب بدخول البلاد لتقصي مواقف الرأي العام الإيراني والوقوف على اتجاهاته. رغم ذلك يظل من الممكن ربط الصلة ببعض الإيرانيين ومعرفة آرائهم ومواقفهم. في الحقيقة، رغم معارضتهم الشديدة وللرئيس محمود أحمدي نجاد وكراهيتهم لهيمنة رجال الدين على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية فإن أغلب الإيرانيين يعتبرون أن بلادهم ضحية في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة. إنهم يعتبرون أيضا أن الغرب هو العدو وهم لا يريدون تصديق الكلام عن ضرورة التمييز ما بين الصقور والحمائم في إسرائيل وفي صلب إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

يقول أستاذ جامعي إيراني فضل ؟ كغيره من الأكاديميين الإيرانيين المرموقين ؟ عدم ذكر اسمه:

«عقب هجمات١١ سبتمبر ٢٠٠١، راح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش يصور إيران بشكل نمطي على أنها تمثل البعبع والدولة المنبوذة ويحشرها في محور الشر، وهو ما يحدث الآن أيضا. لا يوجد أي دليل على أن نظام طهران يسعى لإنتاج القنبلة النووية».

في إيران لا توجد حرية تعبير. لذلك فإنه من الخطورة بمكان التفوه بكلام «خاطئ» أو التعبير عن موقف لا يرضي الخط السياسي السائد في البلاد، وخاصة إذا تعلق الأمر بالسياسات النووية الإيرانية.

تعمل إيران على تطوير منظومة أسلحتها وهي تخرب وتقوض عمل المفتشين النوويين المستقلين وتنصب أجهزة الطرد المركزي وتخفيها تحت الأرض من أجل تكثيف تخصيب اليورانيوم ورفع نسبة التخصيب.

عندما تثار مثل هذه المسائل مع نخبة المثقفين الإيرانيين فإنهم يتهربون من الإجابة ويؤكدون أن البرنامج النووي الإيراني لأغراض سلمية مدنية، رغم وجود شكوك ودلائل قوية على أن هذا البرنامج النووي له أهداف عسكرية أيضا.

يظهر الرئيس محمود أحمدي نجاد دائما في وسائل الإعلام وهو يعبر عن عظيم فخره ببرنامج بلاده النووي غير أن الكثيرين يعتبرون أنه يصعب تصديق مزاعمه بأن هذا البرنامج النووي لأغراض سلمية فقط. لقد ظل نظام الملالي الذي يحكم في طهران منذ ثورة ١٩٧٩ التي أطاحت بشاه إيران يجاهر بمعاداة إسرائيل وينكر عليها حقها في الوجود لكن يبدو أن أكثر المثقفين المستنيرين في طهران يعتبرون أن بلادهم المستهدفة وهي المحاصرة من الأعداء من كل جانب. في خضم هذا الوضع «الخصب» تزدهر تجارة نظرية المؤامرة.

في البرامج الإخبارية التلفزيونية التي تسلط عليها رقابة شديدة يمكن للإيرانيين مشاهدة صور ثلاث حاملات ضخمة للطائرات الأمريكية وهي تبحر في مياه الخليج أما في الخرائط فإن الإيرانيين يرون عدد المنشآت والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في مواقع عديدة من الخليج. إنهم يسمعون أيضا الخطاب الدعائي المناهض للغرب الذي تلوكه وسائل الإعلام الإيرانية صباح مساء لأن مثل هذه الخطاب العدائي المناهض للغرب قد تحول إلى سياسة دولة، والأهم من ذلك كله أن الشعب الإيراني ؟ بمثقفيه وأناسه البسطاء العاديين ؟ يعاني اليوم وطأة العقوبات الغربية المشددة التي قد تزداد قساوة في الأسابيع والأشهر القادمة.

إن الإيرانيين يتابعون عن كثب المناورات العسكرية الكثيفة التي تجريها الجيوش الإسرائيلية كما أنهم يسمعون الساسة الإسرائيليين وهم يهددون بضرب المنشآت النووية في بلادهم كما أنهم يقرأون عن اغتيال خيرة علماء الذرة الإيرانيين، الواحد تلو الاخر. وبالمقابل فقد أظهرت نتائج استطلاع جالوب أن ما لا يقل عن ٨٧% من الأمريكيين يعتبرون أن إيران هي العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

رغم ذلك كله لا يعير الإيرانيون في أغلبهم اهتماما ؟ أو هكذا يبدو على الأقل ؟ للمواقف التي تتخذها إدارة الرئيس باراك أوباما التي ظلت تحذر إسرائيل من مغبة الدخول في حرب ضد إيران من طرف واحد كما أنها ظلت تحاول احتواء صقور تل أبيب وتهدئتهم حتى لا يقدموا على أي تصعيد خطر. إن صورة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كعدوين لدودين للجمهورية الإسلامية متجذرة حتى ضمن النخبة المثقفة ؟ أو الانتلجنسيا ؟ الإيرانية.

لقد وصل الأمر ببعض الطلاب والأكاديميين الإيرانيين إلى حد الدفاع عن التفجيرات التي هزت الهند وجورجيا وتايلند خلال الأيام القليلة الماضية ورأوا في ذلك ردا ثأريا على الهجمات التي استهدفت إيران وعلماءها النوويين. يقول الأكاديميون ان هناك قوى كثيرة في داخل إيران تؤيد التفاوض مع الغرب غير أن هذه القوى تظل ضعيفة وأصواتها غير مسموعة بسبب هيمنة رجال السياسة والدين الراديكاليين الذين يقرعون طبول الحرب والمواجهة ضد إسرائيل والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

يسيطر رجال الدين الملالي بقيادة مرشد الجمهورية علي خامنئي على كل مفاصل الحكم في طهران، فرغم أنهم يمثلون أولئك الذين شاركوا في الثورة الخمينية ضد نظام الشاه فإن هؤلاء لا يمثلون سوى جزء من الشعب الإيراني، يقول أحد الأكاديميين الإيرانيين ان الغرب قد فشل في دعم وشد أزر قوى الإصلاح في إيران وتسبب بسياساته في تقوية سلطة رجال الدين الذين أحكموا قبضتهم على الحكم.

منذ إقدام الولايات المتحدة الأمريكية ؟ في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش ؟ على شن حرب على أفغانستان سنة ٢٠٠١ وغزو العراق سنة ٢٠٠٣ أصبحت أغلب الشعوب في منطقة الشرق الأوسط ؟ والعالم العربي على وجه الخصوص ؟ تعتبر أن الولايات الولايات المتحدة الأمريكية إنما تشن حربا صليبية شعواء على العالم الإسلامي والمسلمين.

تعتبر إيران وباكستان على قائمة الدول المستهجنة من الولايات المتحدة الأمريكية وفق هذا المنظور السائد في طهران. لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الدخول في صراع مفتوح ضد باكستان لأن سلطات إسلام اباد تمتلك الأسلحة النووية. لذلك فحتى المعتدلون الإيرانيون يؤيدون بكل قوة فكرة امتلاك إيران القنبلة النووية ودخولها نادي الدول النووية في أقرب ما يمكن.

وقال أكاديمي إيراني معلقا على هذه المسألة:

«هذا لا يعني أن إيران ستمتلك القنبلة النووية. ربما يكون الحديث الراهن عن سعي نظام طهران المستميت أشبه ما يكون بالحديث سابقا عن أسلحة الدمار الشامل العرقية التي اتضح بعد ذلك أنه لا وجود لها».

يعتبر بعض الإيرانيين أن الولايات المتحدة تمارس سياسة النفاق حيث انها تريد أن تمنع إيران من تطوير برنامجها النووي في الوقت الذي تمتلك فيه ترسانة نووية ضخمة وتحمي حليفتها إسرائيل التي تمتلك أيضا ترسانة نووية تضم مائتي رأس نووي.

ما جدوى التهديدات؟

يعتقد الناس في إيران وفي الدول المجاورة ؟ وخاصة أفغانستان وباكستان ؟أن الحرب إذا ما نشبت فإنها ستؤدي ليس فقط إلى القضاء على دولة اسرائيل بل إنها ستسبب أيضا قطيعة بين الشرق والغرب. إن هذه الشعوب تعتبر أن خطر نشوب مواجهة نووية من شأنه أن يهدد بتقويض الاقتصاد العالمي، الذي يعاني الآن أزمات مستفحلة ويواجه تحديات كبيرة. إن مثل هذه الحرب إذا ما نشبت ستكون ضربا من الجنون.

يواصل رجال السياسة في إيران تبني خط معين والقيام بأعمال قد تعود على البلاد بعواقب وخيمة، فالأكاديميون في جامعة طهران على سبيل المثال يعتبرون أن رجال السياسة في الغرب لا يقلون خطأ عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عندما يتعلق الأمر بالإمعان في التصعيد ودق طبول الحرب. يقول أحد الأكاديميين المختصين في القضايا الاستراتيجية: «إن رئيسنا يواصل الحديث عن تدمير دولة اسرائيل من أجل رص صفوف المتشددين حوله. هذا جنون».

يقول هذا الأكاديمي والخبير الاستراتيجي الإيراني: «ان أغلب المترشحين الجمهوريين الذين لايزالون في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر ٢٠١٢ يدعون إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران واستهداف منشآتها النووية. إن مثل هذا الكلام لن يؤدي إلا إلى إضعاف دعاة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط».



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة