الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٨ - الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


أخطار التدخل في سوريا





لقد تراجع الثوار السوريون عن بعض مواقعهم في الأيام القليلة الماضية حيث ان القوات الموالية للرئيس بشار الأسد راحت تدك معاقلهم وتحولها إلى دمار عارم فيما تصاعدت أعداد القتلى. فقد أظهر آخر تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة أن عدد القتلى منذ بداية انتفاضة الشعب السوري ضد نظام دمشق قد فاق سبعة آلاف وخمسمائة شخص وبات يناهز ثمانية آلاف قتيل، الأمر الذي جعل الأصوات المنادية بالتدخل العسكري الأجنبي تزداد. لقد حان الوقت كي يتحرك الغرب، لكن يجب أن يتم أي تحرك بعد مناقشة معمقة لما سيتطلبه الأمر من أجل وقف المذابح.

لقد ظل صناع القرارات السياسية والمنظمات الحقوقية على مدى الأسابيع القليلة الماضية يدرسون عدة حلول ممكنة غير أن النقاشات قد تركزت حتى الآن في أنصاف الحلول ؟ بدل الحلول الكاملة ؟ مثل تسليح الثوار أو إقامة ملاذات آمنة للمعارضة على الحدود السورية. يعتبر المؤيدون لهذه السياسات أن هذه السياسات ستمكن من وقف أعمال القتل والمجازر الفظيعة مع السماح للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بتجنب اللجوء إلى تدخل عسكري شامل على غرار ما حدث سابقا في ليبيا.إننا نتفهم المساعي التي تبذل الآن من أجل وقف أعمال العنف في سوريا غير أن الجدل الدائر حاليا حول التدخل العسكري الأجنبي لم يفض حتى الآن إلا إلى أنصاف خيارات مع التقليل من حجم وأهمية الأخطار التي قد تنجم عنها. قد تكون الاجراءات الجزائية جذابة غير أنها قد تتسبب في تحويل صراع داخلي ومحلي صغير إلى حرب إقليمية أكثر خطورة. هذا يعني أنه يجب على الغرب ألا يكتفي بأنصاف الخيارات وأن يتخذ الحلول الكاملة وإلا فإنه يتعين عليه ألا يفعل أي شيء.

قد يبدو خيار تسليح الثوار السوريين جذابا وسهلا، لا فالحرب تخص السوريين، فلماذا لا ندع السوريين يخوضونها بأنفسهم؟ إن القوات الموالية لبشار الأسد تتفوق على قوات المعارضة عدة وعتادا لكن إذا ما حصل الثوار على السلاح فقد ينجحون في قلب ميزان القوى بعض الشيء. لقد أفاد بعض التقارير أن الأسلحة قد بدأت فعلا تتدفق على الجماعات السنية داخل سوريا، فلماذا لا تنسج الولايات المتحدة الأمريكية على المنوال نفسه؟

تتمثل المشكلة في أن مجرد تزويد الثوار بالسلاح لن ينهي الصراع ولن يسقط نظام بشار الأسد بل إنه قد يتسبب في استعار الحرب في سوريا. زد على ذلك تعاني المعارضة التي نؤيدها وندعمها التشرذم والانقسامات وقلة التنظيم كما أننا لا نملك فهما معمقا وشاملا لتركيبة هذه المعارضة أو الأسس الايديولوجية التي تقوم عليها.

إن ما نعرفه حتى الآن هو أن سوريا بلد معقد في تركيبته وانقساماته، مع حكومة أقلية تتولى شؤون الدولة وسياسة أمور جماعات وطوائف دينية متعادية (السنة والعلويين والمسيحيين والدروز) إضافة إلى الجماعات العرقية (العرب والأكراد). إذا ما أضفنا قوة السلاح فإننا سنحصل على الوصفة اللازمة لحرب أهلية طائفية وعرقية قذرة. إن مثل هذه الحرب الأهلية القذرة ستفوق كل ما نراه الآن من صراع بين نظام دمشق وخصومه على فظاعته ووحشية المجازر التي ترتكب فيه. إن نشوب حرب أهلية شاملة قد يجعل اللاجئين السوريين يتدفقون على الحدود السورية بمئات الآلاف وجر القوى الخارجية إلى الصراع في سوريا.

قد تبدو مسألة إنشاء ملاذات آمنة للاجئين السوريين المدنيين الفارين من أتون القتال فكرة فضلى لأن مثل هذا الإجراء يدخل في إطار الخطوات الدفاعية. لكن في الواقع لا يخلو هذا الخيار من عدة إشكاليات معقدة. فبدون دعم خارجي قوي فإن مثل هذه الملاذات قد تسقط في أيدي القوات المعادية مثلما حدث من قبل في البوسنة والهرسك سنة .١٩٩٥ أما إذا تولت القوى الخارجية تقديم كل الدعم لحماية هذه الملاذات الآمنة فإنها قد تتحول إلى قواعد حقيقية ينطلق منها المسلحون لمقاتلة قوات بشار الأسد، الأمر الذي قد يتسبب أيضا في توسيع نطاق الحرب.

يستبعد أن ينجح أي من هذه الخيارات المطروحة في معالجة السؤال الأهم: «من سيحكم سوريا وكيف؟».

إن الطريقة الوحيدة للإسراع في وقف أعمال القتل والمجازر واستبدال نظام أفضل بنظام بشار الأسد إنما تمر عبر ما ظل ينادي به البعض حتى الآن: القيام بعملية عسكرية جادة وكبيرة من أجل إسقاط نظام دمشق.

هذا يعني بناء التلاف وتنفيذ حملة عسكرية جوية على غرار ما حدث في ليبيا، من دون الحاجة إلى نشر الكثير من الجنود على الأرض. إن مثل هذه الحملة الجوية قد تضعف قدرات الجيش السوري وتسهم في شل حركاته. رغم أن هذا الجيش السوري كثيرا ما يقال عنه إنه قوي فقد وجد صعوبة كبيرة في القضاء على الثوار المسلحين. لذلك فإنه قد لا يتمكن من مواجهة مثل هذه الحملة الجوية العسكرية الخارجية التي ستوفر الغطاء اللازم للقوات المعارضة على الأرض. رغم قوته وسلاحه فإن جيش صدام حسين ؟ الذي كان يثير الرعب - قد انهار بسرعة عند مواجهة سلاح الجو الأمريكي.

إن التدخل لن يزيد المواجهة بين الغرب وإيران سوءا، فرغم أن سوريا تعتبر أكبر حليف لإيران في منطقة الشرق الأوسط وذراعها الطويلة التي تمد حزب الله اللبناني بشريان الحياة فإنه من غير الممكن أن تقدم سلطات طهران مساعدات عسكرية ضخمة لتقوية عضلات نظام دمشق في وقت تركز فيه الجمهورية الإسلامية تفكيرها في كيفية تعزيز قدراتها العسكرية تحسبا لأي ضربة عسكرية تستهدف منشآتها النووية.

يستبعد أن يتدخل حزب الله اللبناني كما حركة حماس، التي كانت تتخذ من دمشق مقرا لها، وفي الحقيقة فإن أنصار حزب الله وحركة حماس يتعاطفون مع الثوار السوريين أكثر مما يميلون للحكومة السورية. لقد أغلقت حركة حماس مكاتبها في دمشق وأعلنت موقفا مناهضا لنظام الأسد وتأييدها للشعب السوري وهو الموقف الذي جاء على لسان القيادي في قطاع غزة اسماعيل هنية. أما حزب الله فقد رفض حتى الآن التخلي عن نظام دمشق: اليد التي تطعمه وتحافظ على وجوده بفضل أموال إيران وأسلحتها غير أن حزب الله سيكون مهتما أكثر بحماية قوته وموقعه في لبنان استعدادا للتكيف مع مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد. يستبعد إذاً أن يقدم حزب الله على الدخول في معركة يدرك جيدا ان موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لم تعد تخدم مصلحته. فنظام بشار الأسد يصارع من أجل البقاء وإيران تجد نفسها ترزح تحت ضغوط كبيرة بعد أن ضاق عليها الخناق جراء العقوبات الغربية المشددة التي طالت الصناعة النفطية التي تعتبر عصب اقتصادها. لقد فقد حزب الله الكثير من شعبيته في الشارع العربي بعد أن أبدى انحيازه ضد الشعب السوري وأظهر أنه مجرد امتداد لنظام الملالي في طهران ويأتمر بأوامره.

إذا ما قامت حرب جوية ضد نظام دمشق فإن ذلك قد لا يؤثر في البرامج والخطط النووية الإيرانية. إذا ما قررت سلطات طهران في النهاية العودة إلى طاولة المفاوضات فإن ذلك سيكون ناتجا عن الضغوط الغربية التي ستقنع نظام الملالي بأنه لم يعد يملك من خيار آخر.

إن هذا كله لا يعني أن التدخل العسكري في سوريا سيكون سهلا، فما لم يكن التدخل منظما ويشارك فيه الحلفاء الإقليميون ويحظ بتعاون كامل مع القوى المعارضة المناهضة لنظام دمشق فإن الأمر قد يؤول إلى حالة من العنف العارمة إضافة إلى تفاقم أعمال العنف والقتل. لابد إذاً من تكثيف الجهود الدولية المتعددة الأطراف من أجل ترتيب فترة ما بعد نظام بشار الأسد.

لا تريد إدارة الرئيس باراك أوباما أن تسمع أيا من هذا الكلام، فقد خرجت توها من العراق كما أنها تتلمس سبيل الخروج من أفغانستان وتفضل البقاء بمنأى عن إيران وهي ليست بالتالي في مزاج يسمح لها بالدخول في حرب جديدة ضد دولة إسلامية أخرى.

دعونا لا نزعم بأن أنصاف الحلول هي الوصفة المفضلة. إن اختيار السياسات فقط لأنها رخيصة الثمن ويمكن تسويقها سياسيا في الداخل والخارج لا يمثل فكرة جيدة وخاصة إذا كانت ستجعل الأوضاع أكثر سوءا. يجب على أولئك الذين يتسامحون مع المزيد من القتل وسفك الدماء في سوريا أن يستعدوا لطبيعة الخيارات العسكرية الحقيقية التي تواجهنا.

يجب أن نقبل الحقيقة المرة ونتخذ قرارا نزيها بشأن ما قد يكلفنا الدفاع عن مصالحنا وقيمنا. إذا كان هذا الأمر يتطلب التدخل العسكري على نطاق واسع في سوريا فيجب أن نفعل ذلك لكن من دون أن تساورنا أي أوهام.

* مدير تحرير مجلة فورين أفيرز



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة