الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٦ - الأحد ١١ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


هكذا يمكن التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد





إن التخلص من بشار الأسد وحقن الدماء ووقف المجازر في سوريا يتطلب توحيد المعارضة وبناء ملاذ آمن مع إبداء الغرب المزيد من الإصرار على مساندة الشعب السوري.

في مدينة حمص يدفن الناس قتلاهم تحت جنح الظلام خوفا من أن يتحول المشاركون في الجنائز بدورهم إلى ضحايا. لم تتوان القوات العسكرية والأمنية الموالية لنظام دمشق عن ضرب المشافي الميدانية البدائية التي تبدو أرضياتها ملطخة بالدماء. الثوار في مدينة حمص يحملون بدورهم الأسلحة غير أنهم لا يمثلون بأي حال من الأحوال ندا لدبابات الجيش السوري التي تدك مدينتهم ليل نهار وتوقع عشرات القتلى والجرحى. يبدو أن تلك المجازر لم تزد سكان مدينة حمص إلا عزما على أن تنتصر الإرادة الشعبية على عنف الدولة السورية.

أما العالم الخارجي فقد لحق به العار حيث إنه لم يبد حتى الآن ولو قدرا بسيطا من مثل هذه الإرادة القوية التي يتسلح بها ثوار مدينة حمص. ففي يوم ٤ فبراير ٢٠١٢ أجهضت روسيا والصين مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين نظام بشار الأسد ويطالبه بتسليم سلطاته إلى نائبه. لقد استغل بشار الأسد هذه الثغرة في القوانين الدولية التي مكنته حتى الآن من الإفلات من العقاب والملاحقات فراح يصعد من الحملة الأمنية ويزرع المدن السورية قتلا وسفكا للدماء. قبل ذلك آلت بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية إلى الفشل الذريع.

إن الشعب السوري جدير بموقف أفضل من المجتمع الدولي الذي خذله حتى الآن، فقد ارتفع عدد القتلى حتى فاق السبعة الآلاف، الأمر الذي يحمل المجتمع الدولي مسئولية التحرك. إن مصلحة المجتمع الدولي تحتم عليه التحرك أيضا، فسوريا تحتل موقعا استراتيجيا بين تركيا والأردن والعراق وإسرائيل ولبنان كما أنها متحالفة مع كل من روسيا وإيران.

على غرار كل الحكام الدكتاتوريين فإن بشار الأسد يستفيد من نقطتين اثنتين تخدمان مصلحته: تتمثل النقطة الأولى في استعداده الكامل للقيام بكل ما لا يتصوره عقل حتى يحافظ على حكمه ويقضي على المتمردين. فالقوات المصرية لم تقبل إطلاق النار على المتظاهرين في ميدان التحرير. أما الجيش النظامي السوري والمليشيات المسلحة الموالية لنظام دمشق فقد قتلت آلاف السوريين حتى أصبحت غارقة في دمائهم حتى الأذقان. رغم أن البعض انشقوا عن الجيش النظامي ورفضوا تقتيل الناس المناهضين لنظام دمشق فإن الأسد لايزال يعتمد على وحدات عسكرية موالية له بشكل أعمى إضافة إلى كبار الضباط الموالين له، فضلا عن طوابير الدبابات والقوات الجوية وقوات الكوماندوز. لا يمكن للجنود المنشقين هزم كل هذه القوات الموالية لبشار الأسد في مواجهات مباشرة.

أما المسألة الثانية التي تخدم مصلحة بشار الأسد فهي تتمثل في الانقسامات الحالية في المواقف الإقليمية والدولية، سواء على مستوى جامعة الدول العربية أو منظمة الأمم المتحدة، فالمجلس الوطني السوري المعارض الذي يضم في صفوفه شخصيات مناوئة لنظام دمشق في المنفى منقسم على نفسه كما أنه لم لا يملك موطئ قدم في داخل سوريا نفسها.

قد يكون الحل في تهريب الأسلحة من الخارج إلى داخل سوريا أو حتى قصف ثكنات الجيش النظامي غير أن مثل هذا التصعيد في المواجهة من شأنه أن يخدم مصلحة نظام بشار الأسد الذي يريد أن يبقي معركته من أجل بقائه على المستوى الأمني والعسكري. قد يسهم القصف الخارجي في إرضاء تلك الأطراف التي تنادي بضرورة القيام بأي شيء من أجل وقف المذابح في سوريا لكن الحالة الليبية قد أظهرت لنا أن مثل هذا القصف الجوي قد استغرق مدة طويلة قبل أن ينجح في إضعاف القوات الموالية للعقيد الليبي معمر القذافي رغم وجود جبهة داخلية تقاتله على أرض الميدان.

أما في سوريا فإن عمليات القصف الجوي لا تكون لها أي فائدة أو معنى من الناحية العسكرية. قد نصل إلى مرحلة يصبح معها من المفيد تزويد المعارضة السورية في الداخل بالسلاح، غير أن مثل هذه الخطوة لن تحول المعارضة الداخلية إلى قوة عسكرية يعتد بها، علما بأن تدفق السلاح سيجعل سوريا تعاني العنف الدامي الذي يسعى العالم إلى وقفه، فالأسلحة التي تدفقت من الخارج من أجل تسليح الأفغان لمقاتلة الجيش السوفيتي الذي غزا بلادهم تحول بعد ذلك إلى نقمة حقيقية مما أنشأ حالة من الفوضى التي أفرزت في خضمها حركة طالبان.

يتعين استهداف نظام بشار الأسد من الجوانب التي تؤلمه أكثر من أي شيء آخر، أي تعريته من تحالفاته سواء في الداخل ( الأقليات السورية التي تدعم نظامه) أو في الخارج، أي فيما يتعلق بروسيا على وجه الخصوص التي تعتبر أكبر مدافع عن نظام دمشق في مجلس الأمن الدولي، فالعلويون وفلاديمير بوتين لايزالون حتى الآن متمسكين بالدكتاتور السوري لأنهم يعتقدون أن بشار الأسد يظل ؟ رغم أخطائه ؟ أفضل من أي بديل يأتي بعده. لكن في ظل بشار الأسد لن يكون لسوريا أي مستقبل في ظل عزلتها الدولية ولا يمكن أن يأتي يوم ينسى فيه العالم أن يدي بشار الأسد ملطخة بدماء الشعب السوري. قبل الربيع العربي سعى بشار الأسد إلى تحديث الاقتصاد السوري غير أن سياسته تلك لم تؤد إلا إلى خدمة مصلحة المقربين إليه على حساب السوريين العاديين. إذا ما استطاع بشار الأسد فعلا إخماد الثورة الحالية وإنقاذ نظامه فإنه سيجد نفسه يحكم دولة تعاني العزلة والفقر المستشري، فضلا عن شعب غاضب لا يقبل به. لذلك فإن المعارضة ستكون أكثر قدرة على أن توفر للشعب السوري مستقبلا أفضل من بشار الأسد، الذي انتهى سياسيا.

كورييه إنترناشيونال



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة