ملاحظات على قمة بغداد
 تاريخ النشر : الأحد ١٨ مارس ٢٠١٢
بقلم: د. فاضل البدراني
لم تعد تفصلنا سوى أيام عن انعقاد قمة بغداد المقرر لها في التاسع والعشرين من مارس - اذار الجاري، وأصبح الأمر ثابتا بقدوم أصحاب الجلالة والمعالي والفخامة الى العاصمة العراقية بغداد لتشهد اكبر فعالية سياسية باحتضانها قرارات القادة العرب في أخطر ظرف يمرون به، وخاصة أن ما يسمى الربيع العربي قد أقصى أبرز الزعماء العرب الذين هرموا على كرسي الرئاسة وشاخوا بأجواء القمم السابقة، وكأن هذه القمة تعطي رسالة بأن من شاب رأسه في كرسي الرئاسة فلن يجد له مكانا،والرسالة الثانية التي تنبعث من أجواء القمة الحالية أيضا قبل انعقادها بأن مسلسل الاقصاء مستمر للزعماء، وان الغالبية منهم اذا كانوا متفقين على قبول المشاركة سواء بأنفسهم أو من ينوب عنهم وهو ما سيحصل على أكثر التقديرات فإنهم مختلفون مع بعضهم بعضا حول قضايا ووجهات نظر سياسية بالغة التعقيد والمشهد ليس ببعيد عن أي مراقب للشأن العربي الرسمي، على أي حال ربما راهن البعض من المحللين والكتاب بان قمة بغداد لن تعقد وستشهد تنصلا وانسحابات من قبل البلدان العربية التي أبدت استعدادها في المشاركة والحضور الفاعل وأبرزها قادة دول مجلس التعاون الخليجي لمبررات التحالف الاستراتيجي بين بغداد وطهران وعمق التواصل الذي من شانه تحقيق المزيد من المكاسب لإيران وتقوية النفوذ الفارسي في المنطقة العربية،وبعكس ما تصور الكثير فان قادة دول الخليج العربي باتوا متحمسين قبل غيرهم لحضور القمة .وهو ما يتطلب إعادة النظر في دهاليز السياسة والأسباب التي دفعت هذه الزعامات العربية للحضور رغم ان الدور الامريكي والمصالح العربي- العربية والاقليمية والدولية هي الاخرى كانت من وراء قبول المشاركات بالقمة، وبحسب مجلس الرئاسة العراقي فان ١٢ زعيما من ملك وأمير ورئيس سيحضرون القمة بأنفسهم وهذا يعني ان بغداد في حقيقة الامر باتت مصدر قوة سياسية مؤثرة برغم كل التقاطعات والعقد التي تفصل ما بينها وبين شقيقاتها العواصم الاخرى. إن الكثير تحدث عن الربيع العربي الذي من شأنه أسهم في اضعاف القادة العرب وجعلهم يقتربون من شعوبهم ويلجأون الى إعادة النظر في قراءة الدساتير التي وضعت على خانات ورفوف القصور الرئاسية والأميرية عقودا من السنين ومحاولة اعادة هيكلتها من جديد بما يحقق الطمأنينة للشعوب العربية الغاضبة من جراء استلاب حقوقها زمنا طويلا. وان كانت مستويات الحقوق الشعبية تختلف من بلد لآخر وهنالك من نال استحقاقه بعكس شعوب عربية تعيش تحت وطأة الظلم والاضطهاد الحكومي.
وعود على بدء فالحكومة العراقية وضمن إجراءات التحضير والاستعداد لعقد القمة من خلال التقرير الذي أبلغته للجامعة العربية أكدت انها لم تبق شيئا الا سعت لتحقيقه بغية انجاح فعاليات القمة كبرهان على نجاح مسيرتها على الصعيدين الداخلي والخارجي،لكنها حاولت ان تستغفل قضايا الداخل والمشكلات المعقدة التي تكتنف أجواء العملية السياسية، وبخاصة مع المكونات النيابية التي انبثقت عنها حكومة الشراكة الوطنية التي أطلقت عليها مع بداية إعلان الحكومة في ٢٠١٠، وضمن هذا السجال المحتدم ما بين السياسيين أطلقت شخصيات سياسية ومنها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي يحظى بدعم عربي ودولي واسع دعوات ضد الحكومة العراقية بتدويل قضية تهميش استحقاقات قائمته (العراقية) واستهداف رموزها بالاقصاء ومن أبرزهم نائب الرئيس طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلق، وانها ستقدم شكوى لتكون ضمن جدول أعمال مؤتمر قمة بغداد، وهذا الأمر سوف يسبب احراجا كبيرا للحكومة العراقية، مستغلا فرصة استضافة مؤتمر القمة للضغط وتحقيق حقوق قائمته التي يراها مهضومة، حتى ان دعوة مشتركة صدرت عن زعيم القائمة العراقية إياد علاوي مع رئيس أقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بضرورة عقد المؤتمر الوطني وحل كل المشكلات ما بين الفرقاء العراقيين قبل انعقاد القمة بأيام انما تعد تحذيرا لرئيس الحكومة نوري المالكي بقبول الأمر والرجوع الى حكم الدستور والاتفاقات التي أبرمت بين الشركاء ومنها على سبيل المثال اتفاقية اربيل بداية تشكيل الحكومة،وهذه القضية لها شبيه خارجي، فكثير من الدول العربية عندما وافقت على مشاركتها بقمة بغداد أبدت للجانب العراقي الكثير من الشروط ،فغالبية الدول العربية اليوم تقف بالضد من نظام بشار الاسد ورهنت مشاركتها بالقمة مقابل تخلي حكومة بغداد عن دعم نظام الأسد في مواجهة المعارضة السورية،وكذلك الابتعاد عن تنسيق المواقف الاستراتيجية مع طهران، وان هذه الخلافات الأيديولوجية ستكون هي اللاعب الاساس في تقرير مصير علاقات الحكومة العراقية بنظيراتها العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي، وتنفيذ ما سيتم رسمه في قمة بغداد. وخلاصة القول ان ملفات قمة بغداد بالظرف الحالي تعطي أكثر من دليل أنها قمة مصالح، لان الجميع يفتش عن سبيل لتوسيع دائرة مصالحه، واذا كانت حكومة بغداد قالت للعرب مرحبا بكم بضيافتنا فلن تتنازل عن استراتيجياتها التي رسمتها وفق مصالحها وارتباطاتها بحلفائها، وكذلك الزعماء العرب الذين قبلوا الضيافة فان هدفهم أيضا البحث عن مصالحهم، وان ما بين توجيه الدعوة وقبولها اشتراطات عربية كبيرة على بغداد، وبما ان من مصلحة الأخيرة الرضوخ لتلك الشروط وقتيا، فسوف يتم تحميل بغداد ثقلا أكثر من امكاناتها، وبالنتيجة لن يكن بمقدورها الوصول الى نهاية المشوار بسلام، كما أن حكومتها كل ما تريده احضار الزعماء اليها لاستقطاب الرأي العام ولفت الأنظار الى بريق الكاميرات فترة يومين وما بعدها كل شيء يعود لمكانه الطبيعي. ولطالما أن مبدأ المصالح هو الذي يفرض نفسه على أجواء القمة العربية التي ستعقد ببغداد نهاية مارس الجاري، فانه ليس من سبيل لاستمرار العلاقات أكثر من المدة التي تفصلنا عن انعقادها.
* كاتب وصحفي عراقي
.