الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٣ - الأحد ١٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


نحو إنشاء مركز وطني متخصص في الدراسات والبحوث الاقتصادية والمالية





كثيرة هي المقالات والافكار والمعالجات الاقتصادية البناءة التي تطالعنا بها الصحف المحلية يوميا لكنها لا تجد طريقها إلى الدراسة التحليلية المعمقة، كما ان العديد من المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجه قطاعاتنا الاقتصادية لا تبحث بشكل علمي منهجي متكامل مما يجعل الحلول المقترحة لها تعتمد على الاجتهاد الشخصي او على مرئيات الادارة المعنية بها وضمن توجه محدد سلفا مما يجعل تلك الحلول جزئية ومؤقتة في افضل حالاتها او انها تسكينية ان لم تكن سلبية وتفتقد الاحاطة والشمول والتصور المستقبلي، فتتراكم المشاكل وتتنامى، الامر الذي يسهم في اعاقة مسيرة التنمية في مملكتنا الحبيبة بشكل او بأخر. كما ان العديد من الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة حينما تحال اليها مشروعات جديدة او يطلب منها اعداد خطط او استراتيجيات تطويرية تتجه إلى بيوت الخبرة الاجنبية طالبة الاستشارات لإعداد تلك المشروعات. كما ان التداعيات الاقتصادية والمالية الناجمة عن الازمات المالية والاقتصادية الاقليمية او العالمية وارتداداتها المختلفة، فضلا عن تأثيرات الاحداث السياسية والامنية التي واجهتها مملكتنا على القطاعات الاقتصادية، لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل والتمحيص وتوقع السيناريوهات المختلفة لمساراتها وبالتالي المواجهات والحلول الضرورية للحد من تأثيراتها السلبية في الوقت الراهن والمستقبل.

ويعود ذلك إلى غياب حلقة مهمة من حلقات التطور الاكاديمي والتنموي ممثلة بعدم وجود مركز وطني متخصص بالدراسات الاقتصادية والمالية، يغطي الفجوة التي حصلت بعد حل مركز البحرين للدراسات والبحوث في مجال الدراسات الاقتصادية. حيث إن مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، لا تمتد نشاطاته ومهامه إلى القطاع الاقتصادي والمالي على الرغم من تداخل وتشابك الاقتصاد مع جميع مهامه.

ولو عدنا قليلا إلى الماضي القريب كان مركز البحرين للدراسات والبحوث يقدم المشورة والدراسات والتحليلات الاقتصادية الضرورية التي تطلبها وزارات ومؤسسات حكومية وخاصة كمجلسي النواب والشورى لاجل ترصين القرارات والمشروعات الاقتصادية والمالية او ذات الاثر الاقتصادي التي يناقشها المجلسان. كما قدم خدماته البحثية والاستشارية والتدريبية لوزارات المالية والصناعة والتجارة والداخلية والبلديات والكهرباء وغيرها من الوزارات فضلا عن المجلس الاعلى للمرأة وغرفة تجارة وصناعة البحرين والعديد من مؤسسات المملكة العامة والخاصة، لا بل امتد نشاطه إلى دول مجلس التعاون الخليجي الاخرى التي كانت تنظر اليه بعين التقدير والاكبار، حيث تميزت الدراسات الاقتصادية التي انجزها بالرصانة والعلمية والشفافية والمصداقية.

واليوم في بلد ركيزته الاساسية التنوع الاقتصادي ويطبق مشروعا للاصلاح الاقتصادي، ويسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، ويمتلك موارد بشرية متميزة في المجال المالي والاقتصادي، ويواجه تحديات اقتصادية وطنية واقليمية وعالمية ولا يوجد به مركز او معهد متخصص بالدراسات الاقتصادية والمالية؟

ومما يؤكد الحاجة الماسة إلى هذا المركز الحديث السامي القيم لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الامين رئيس مجلس التنمية الاقتصادية اثناء اجتماع المجلس بتاريخ ١٢/ مارس/٢٠١٢ حيث أكد أن ما تمتلكه مملكة البحرين اليوم، بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الوالد، من خطط وبرامج وطنية شاملة متمثلة في رؤية البحرين الاقتصادية ٢٠٣٠، كاف لوضعنا على طريق النماء والازدهار ولكن يجب أن تمتاز الخطوات التنفيذية لكل هذه الخطط التنموية الشاملة بالجدية والإتقان لضمان الوصول إلى ما نسعى إليه من نجاح ورقي في المستقبل واننا نقترح ان يكون من بين الخطط التنفيذية ان ينشأ مركز متخصص بالدراسات الاقتصادية والمالية يرتبط اداريا بمجلس التنمية الاقتصادية ويستقطب الكفاءات العلمية والاقتصادية الوطنية، فمملكتنا الحبيبة بحاجة ماسة إلى ذلك المركز، الذي ينبغي ان يكون مركزا وطنيا رياديا ومتميزا في مجال الدراسات والاستشارات الاقتصادية والمالية بما يسهم في دعم وتعزيز تجربتنا التنموية الناهضة. وتنبع اهمية المركز المقترح من حقيقة إن احد المعايير الهامة لقوة الدولة الاقتصادية وتطورها ونجاحها في مضمار التنافس الدولي، وقدرتها على جذب الاستثمارات يقاس في عصرنا الراهن بمدى التقدم والتطور الذي تحرزه في مجال اعداد وتنفيذ البنية التحتية الضرورية لنهوض الاقتصاد بكل مكوناتها المادية والمؤسسية، ومراكز البحوث الاقتصادية والمالية تعد جزءا هاما من البنية التحتية المؤسسية المساندة للبيئة التنموية الجاذبة حيث تؤدي إلى تحقيق اثار ملموسة في تعظيم القيمة المضافة المتحققة من البرامج والخطط التنموية وتحسين جودة مخرجاتها فضلا عن تحقيق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها عبر الاستخدام الامثل لمعطيات العلم والتقنية والبحث والتطوير، ومواكبة التغيرات والمستحدثات السريعة في مجال العلوم الاقتصادية والعلوم الاخرى، ورصد وتوقع الاحداث والتطورات الاقتصادية والمالية وتحليل اثارها وانعكاساتها، وتقديم المقترحات والتوصيات للفاعليات والقطاعات الاقتصادية في البلاد. كما ينبغي الاشارة إلى ان اهداف المركز المقترح من الضروري ان تتضمن السعي لرفع كفاءة الاداء لمؤسسات القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني وزيادة قدراتها التنافسية وتمكينها من مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية التي تزخر بهما البيئتان الاقليمية والدولية. وكشف واستثمار الفرص الناجمة عن التطورات والمستجدات الاقتصادية الوطنية والاقليمية والدولية. فضلا عن دراسة المشكلات والعوائق التي تواجه القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسعي لمعالجتها. والاسهام في تحقيق التنمية المستدامة بابعادها الاقتصادية والبيئية والبشرية وان يكون له دور فاعل في تحقيق الاستراتيجية الوطنية للبحث والتطوير وبما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد البحريني، وان يصاغ هيكله الإداري والتنظيمي بالشكل الذي يعكس فعلا الحاجات الاقتصادية والمالية الوطنية الحالية والمستقبلية.

* اكاديمي وخبير اقتصادي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة