الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٣ - الأحد ١٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


أخلاقنا وأخلاقهم.. بين النسبي والمطلق





عندما أراد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أن يحدد أهداف الرسالة الإسلامية، وأن يرسم معالم المنهج الإسلامي العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) الإمام مالك.

وهذا يعني أن مكارم الأخلاق هي العمود الفقري للإسلام، ولن تقوم للإسلام قائمة اذا تصدع هذا الأساس، وتداعى بنيانه.

مكارم الأخلاق إذاً هي عنوان هذه الشريعة العصماء ومضمونها، وهي جوهر الإسلام ولبه، من أراد أن يقيم الإسلام في نفسه، فعليه بمكارم الأخلاق، ومن أراد أن يقيم الإسلام في أرض الواقع، فعليه بمكارم الأخلاق، ومن أراد أن يقيم الإسلام بينه وبين الناس مسلمهم وغير مسلمهم، فعليه بمكارم الأخلاق. والأقربون إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة هم أحاسن الناس أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن من أحبكم إليٌّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن من أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

ولن يتحقق كمال الإيمان للمؤمن ما لم يتحقق له حسن الخلق، قال عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

ومن عظمة الأخلاق وطلاقتها في الإسلام أن الحق تبارك وتعالى جعل أركان الإسلام التي لا يصح الإسلام إلا بها طريقاً لتنمية الأخلاق في الإنسان.

فالصلاة مثلاً: تغرس في نفس المؤمن معنى الطاعة، والالتزام والتواضع، والتواصل الاجتماعي، كما تغرس فيه كف سمعه وبصره ولسانه عن مقالات السوء، أو سماعها، أو النظر إلى المحرمات.

وفي الزكاة تطهير للقلوب من الشح والبخل والأثرة والأنانية.

وفي الصيام امتناع عن قول الزور والعمل به، وفي الحج لا رفث ولا فسوق ولا جدال، بل تواضع ومسكنة ورفق ولين.

والأخلاق في الإسلام مطلقة وليست نسبية، بمعنى أن المسلم في التزامه الخلقي لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولا يتغير خلقه بتغير المكان أو الزمان، فهو صادق في بلده، وبين أهله وإخوانه، وهو صادق بالقدر نفسه حين يغادر بلده، ويترك أهله واخوانه، فهو يحمل الصدق معه أينما حل أو ارتحل، ذلك لأن الصدق في الإسلام لابد أن يكون صفة ملازمة للمسلم، وليست ثوباً يلبسه إذا شاء، ويخلعه متى شاء.

والمشاعر الشخصية في الإسلام لا تؤثر في هذه الصفة وغيرها من الصفات الحسنة التي حض الإسلام عليها، ونوه بعظيم قدرها، وجعلها مناط القرب من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة،يقول تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة/.٨

فبغض قوم وكراهيتهم ليسا مدعاة إلى غمطهم حقهم، فمشاعرك الشخصية نحها جانباً حين تكون في موقف إعطاء الحقوق لأصحابها، ولا يقبل الإسلام من المسلم ان يكون ذا وجهين، وجه بشوش يقابل به أحبابه وبني أهله ووطنه، ووجه عبوس يلقى به من لا يضمر لهم حبا أو تقديرا. والإسلام يريد من المسلم ان يتساوى في نظره من يحبهم ومن يبغضهم، وألا يبخس الناس حقهم لأنه لا يميل إليهم، أو لا يرتاح لصحبتهم، ورضي الله تعالى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي قال لقاتل أخيه زيد، وقد أسلم وحسن إسلامه، وجاء ليأخذ حقه في العطاء، قال له عمر: إني لا أحبك،فقال الرجل: أوعدم حبك لي يا أمير المؤمنين يمنعني حقا من حقوقي ؟ قال له عمر في دهشة واستغراب، كأن هذا الخاطر لم يرد على باله: لا، قال الرجل: إذاً يبكي على الحب النساء.

والسؤال الذي قد يتبادر إلى أحدنا هو: إذا كان عدم حب عمر للرجل لن يؤثر في معاملته تجاهه، إذاً، فلم يخبره بذلك؟

والجواب: أن عمر يقتدي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال لوحشي قاتل حمزة (رضي الله عنه) وقد أسلم وحسن إسلامه: غيب عني وجهك، فإني لا أحب أن آراه،وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يذكره بمصابه في عمه حمزة (رضي الله عنه).

والإسلام لا يصادر المشاعر الشخصية، ولا يصادم الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها شريطة ألا تؤثر هذه المشاعر في معاملتنا لأصحاب الحقوق، ولا تحملنا على أن نعطي من نحب ما لا يستحق، ونمنعه عمن يستحق لأننا لا نحبه ولا نرتاح له.

هذه هي أخلاقنا.. أما أخلاقهم، وما تدعيه حضارتهم من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فإن فيها من الظلم والافتئات على الآخر العجب العجاب!

هم ديمقراطيون في بلادهم، عادلون مع بني قومهم، مهذبون في أوطانهم، ولكنهم حين يأتون إلى بلادنا غزاة، ومستعمرين، يكونون أحط أنواع الجنس البشري، واسأل عنهم معتقل جوانتنامو، وسجن أبو غريب، وفيتنام وأفغانستان والصومال وكل أرض دنسوها بأقدامهم القذرة، ولوثوا جوها بأنفاسهم الكريهة.

هم ملتزمون بالقوانين، صارمون في الخضوع لها، في بلادهم وبين مواطنيهم، ولكنهم حين يخرجون من بلادهم، ويسيحون في الأرض، فهم خارجون على القانون، هاتكون للأعراض، سافكون للدماء،مخربون ومدمرون للحضارة والعمران.

هم ملتزمون في بلادهم بآداب الرجل المتحضر، ولكنهم حين يركبون الطائرة، أو الصاروخ، أو الدبابة،أو حاملة الطائرات في البحر، يخلعون كل تلك الآداب، ويتخلون حتى عن ورقة التوت التي تستر عوراتهم وما أكثر هذه العورات!

أخلاقهم، أخلاق نسبية تدور مع مصالحهم وجوداً وعدماً،فهم ليس لهم أصدقاء دائمون تربطهم قيم أخلاقية واحدة، ولكن لهم مصالح دائمة يضحون من أجلها بالقيم والمبادئ.

هم يمارسون أخلاقهم من خلال النظرية النسبية التي يؤمنون بها، وتتفق مع إيمانهم المادي الذي يسخر المبادئ لخدمة المصالح المادية، والأغراض الدنيوية.

هذه هي أخلاقهم، وتلك هي أخلاقنا،وفرق كبير، وكبير جدا بين أخلاق مطلقة لا تفرق بين مسلم وغير مسلم، ومواطن ومقيم، وبين أخلاق نسبية تتحكم فيها الأهواء والمصالح، وتتلون بألف لون ولون تبعاً لتعدد المصالح وتلونها



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة