الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٣ - السبت ٧ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


المطلوب رأس «الربيع» وليس الوزيرة





هي الاسطوانة ذاتها التي أديرت من قبل عدة سنوات مع أول انطلاقة لفعاليات مهرجان «ربيع الثقافة»، وما الضجة التي افتعلت الأسبوع الماضي وسمعت خلالها وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة كل من حضر الجلسة من الكلمات ما لا يجوز ذكره على صفحات الجرائد، إلا حلقة جديدة قديمة من حلقات التنكيل والترهيب اللذين تتعرض لهما أشكال الفعاليات الفنية والموسيقية والغنائية والاجتماعية كافة في البحرين منذ أن بدأت الأفكار المتزمتة بالظهور على الساحة البحرينية واحتلالها حيزا في الحياة العامة تراءى لهؤلاء أنهم أصبحوا أوصياء على أذواق جميع أبناء البحرين.

مثل هذه التصرفات والممارسات لا تؤذن فقط بدخولنا مرحلة التسلط الفكري والاجتماعي، وإنما تؤكد إصرار أصحاب ذلك النهج على قولبة المجتمع البحريني بجميع فئاته وأعراقه ضمن قولب عقدي واحد وما على الآخرين سوى الرضوخ والقبول بما يبصم عليه أصحاب ذلك النهج من مواقف تجاه أشكال الممارسات الحياتية كافة، فأصحاب هذا النهج لا يعترفون، أو أنهم غير قادرين على التكيف مع حقيقة وجود تعدد فكري وديني واجتماعي، وهي كلها سمات إيجابية يتميز بها شعب البحرين وجبل أبناؤه على التعايش معها على مدى عدة قرون.

لا يمكن تبسيط الأمور وحصرها من حيث الزمان والمكان، في الزوبعة التي شهدها مجلس النواب في جلسته الأخيرة ولا في حادثة التشويش التي أثيرت مساء الاثنين الماضي بالقرب من مركز الشيخ إبراهيم الثقافي في المحرق حيث كان يحتضن حفلا موسيقيا راقيا، فهذه ليست سوى بعض من محطات كثيرة توقفت فيها محاولات إلغاء وتخريب مهرجان الثقافة وغيرها من الفعاليات الاجتماعية والثقافية التي تقام في البحرين، فهذا «الربيع» نعت بأسوأ النعوت مثل «ربيع السخافة»، فيما تنعت الفعاليات التي تقدم ضمن فقراته بحفلات «المجون» و«التعري»، كلها ليست سوى عناوين للإثارة بغية الوصول إلى الهدف الأكبر وهو فرض أجندة عقدية شمولية على المجتمع البحريني المتعدد.

في كل محطة من محطات تخريب وإفشال مهرجان ربيع الثقافة، نشهد عناوين تقف وراء الحجج التي يسوقها أصحاب النهج الشمولي للوصول إلى غاياتهم، في هذه السنة كانت دماء الشعب السوري الشقيق حاضرة في ساحة المتاجرات والمزايدات فاستخدمت فدفع بها حجة وذريعة للمطالبة بإلغاء فعاليات المهرجان، لكنها لم تكن مقنعة حيث إن دماء الشعب السوري الشقيق ليست هي الدماء العربية الوحيدة التي تراق على مذبح الحرية، كما أن نكبة الشعب الفلسطيني أعظم من كل النكبات العربية، ثم جاءت فكرة «منع» أذان العشاء «لإقامة» فعالية فنية، لكن توقيت الأذان يسبق تلك الفعالية بأكثر من ساعة فسقطت الحجة.

الآن وبعد الجلسة النيابية يوم الثلاثاء الماضي، توجه السهام الأيديولوجية ضد وزيرة الثقافة الشيخة مي آل خليفة وقدم عدد من النواب طلب استجواب الوزيرة تمهيدا لطرح عدم الثقة بها، وهي كلها أدوات دستورية من حق النواب استخدامها، ولا أحد يمكن له أن يعترض على هذا الحق الأصيل الذي منحها إياهم الدستور، ولكن كل هذه الخطوات الدستورية المشروعة، إنما هي ردة فعل، ليست بسبب الزوبعة التي شهدتها الجلسة النيابية الماضية، وإنما لأن قطار «ربيع الثقافة» مستمر في التنقل بين المحطات التي خطط له أن يسلكها هذا العام من دون أن تنجح محاولات فرملة عجلاته.

فالزوبعة التي نشهدها الآن ليس مردها ما شهدته الجلسة النيابية من ملاسنات، ولا بطبيعة علاقة وزيرة الثقافة بأولئك النواب الذين يستهدفون «الربيع» ومختلف الفعاليات الترفيهية، وإنما هي امتداد لزوابع كثيرة ومتكررة مردها استمرار مثل هذه الفعاليات، وإن حجم بعضها وتم تخريب البعض الآخر لدرجة أن البحرين باتت خارج اهتمام الكثير من منظمي الفعاليات الفنية الذين فضلوا تنظيم فعالياتهم في دول الإمارات وقطر وعمان والكويت على تنظيمها في البحرين.

وسواء بقيت وزيرة الثقافة في منصبها الوزاري أم ذهبت، فإن ذلك لن يغير في الأمر شيئا طالما أن العقلية الشمولية المتزمتة مصرة على فرض أجندتها السياسية والأيديولوجية على جميع مكونات الشعب البحريني، وبالتالي فإننا سنشهد المزيد من هذه الزوابع مع استمرار إقامة الفعاليات الفنية والغنائية والثقافية المختلفة، فمثل هذه الفعاليات لها جمهورها، كما لفعاليات الفكر المتزمت جمهورها أيضا، فليس لأحد الحق في فرض توجهاته العقدية وقناعاته الأيديولوجية والدينية على غيره، وما لم نحصن البحرين ضد التسلط أيا كان شكله، فإننا سنواجه المزيد من المشاكل وتخريب فسيفساء التعدد الجميل الذي ينير تربة البحرين ومجتمعها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة