تعديلات قانونية غير مفيدة
 تاريخ النشر : الاثنين ١٩ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
لن تكون التعديلات المقترحة على قانون الجمعيات السياسية وخاصة تلك المتعلقة بتأسيس هذه الجمعيات بإضافة شرط «ألا تستخدم الجمعية المنبر الديني للترويج لمبادئها وأهدافها أو برامجها أو كمرجعية لها»، نقول: لن تكون هذه التعديلات في حالة إقرارها من جانب السلطة التشريعية، أكثر تأثيرا وقوة من القانون نفسه فيما يتعلق بإقحام الدين في العمل السياسي، فالقانون نفسه يحظر تأسيس جمعيات سياسية على أسس دينية أو طائفية، ورغم ذلك فإن الجمعيات السياسية الدينية والطائفية تحتل ضفتي الشارع البحريني وبترخيص من قبل الجهة المعنية بتطبيق القانون ومراقبة الالتزام به وهي وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف التي رخصت للجمعيات الدينية وأعطتها الصك الشرعي للعمل كجمعيات سياسية.
فجمعيات الإسلام السياسي بلونيه تستخدم المنبر الديني، وإن بطريقة غير مباشرة في بعض الأحيان، للترويج لبرامجها وأنشطتها السياسية، وهذه الجمعيات تنطلق في عملها السياسي من التعاليم الدينية من جهة، ومن الجهة الأخرى فإنها تتخذ من الدين وسيلة للانتشار والتمدد الجماهيري، وهي لم تفعل سوى أنها تترجم عمليا ما تؤمن به من أفكار وما تتخذه من قواعد للانطلاق السياسي، هذا الأمر لا يثير أي استغراب ذلك أن هذه الجمعيات ليست سوى جمعيات دينية تشتغل في السياسة وتستفيد من مكانة الدين لدى أبناء البحرين وجميع الشعوب «الإسلامية» لتعزيز مواقعها المختلفة.
هذه الجمعيات وبحكم تركيبتها الفكرية والعقدية، لا يمكن أن تنفصل عن المنبر الديني أو تتوقف عن استغلاله لصالح أنشطتها السياسية، ولن يمنعها التعديل المقترح على القانون من مواصلة مثل هذا النهج الذي دأبت عليه منذ أن أعطيت الصك الشرعي والقانوني لممارسة العمل السياسي في البحرين، واستغلال المنبر الديني في السياسة لم يأت بسب قصور في القانون الذي ينظم عمل الجمعيات السياسية، وإنما في التركيبة العقدية لهذه الجمعيات، إلى جانب مسئولية الجهة التي رخصت لها وأعطتها حق ممارسة العمل السياسي رغم أنها جمعيات دينية خالصة.
في ظل هذه الإشكالية التي أوجدتها الجهة الحكومية التي رخصت لجمعيات الإٍسلام السياسي، فإن هذا التعديل المقترح على القانون لن يغير في الأمر شيئا ولن يمنع هذه الجمعيات من استخدام المنبر الديني للترويج لمبادئها وأهدافها، فهي بالأساس تعتبر المنبر الديني واحدا من أهم قنوات الترويج السياسي الذي اعتمدت عليه كثيرا في عملها الجماهيري ومن خلاله استطاعت أن توسع قاعدتها وأن تحشد جماهير عريضة خلف برامجها، على خلاف الجمعيات السياسية الأخرى، الليبرالية منها بالتحديد، فهي وحدها التي لا تستخدم الدين كأداة ووسيلة لنشر مبادئها وأهدافها السياسية والاجتماعية وغيرها.
من الأساس لو لم يتم الالتفاف على قانون الجمعيات السياسية الذي أعطى الشرعية لجمعيات الإسلام السياسي، لما دخلنا في هذه الشرباكة الآن، فوزارة العدل بصفتها الجهة المسئولة عن عمل الجمعيات السياسية غير قادرة على سحب التراخيص التي منحتها لجمعيات الإسلام السياسي، أي أنها لا تستطيع حل هذه الجمعيات بالاستناد إلى القانون المذكور، وهذه المشكلة ستواجهها أيضا حتى بعد تعديل القانون، إذ لن تستطيع منع جمعيات الإسلام السياسي من اللجوء إلى المنبر الديني للترويج لدعايتها السياسية والفكرية.
فالترخيص للجمعيات الدينية للعمل كجمعيات سياسية لم يؤد إلى إقحام الدين في صراعاتها السياسية واستخدامها له في نشر أفكارها وبرامجها السياسية فحسب، بل أدى ذلك إلى طأفنة العمل السياسي، حيث تستقطب كل جمعية من هذه الجمعيات لونا طائفيا واحدا، فأصبح لكل طائفة من طائفتي المجتمع الكريمتين (الشيعية والسنية)، جمعياتها السياسية التي تضم أعضاء من لون طائفي واحد فقط، حتى إن لم تذكر في نظامها الداخلي لونها الطائفي الخاص بها، فهذه هي صورة وواقع جمعيات الإٍسلام السياسي المعنية، من دون غيرها بالتعديلات القانونية المقترحة.
فهذه الجمعيات منذ اليوم الأول لتأسيسها لم تتوقف عن استخدام الدين في دعايتها السياسية واستخدامه أيضا سلاحا ضد خصومها السياسيين، من دون أن تتعرض لأي محاسبة قانونية، والخلط بين السياسي والديني سوف يستمر طالما هناك جمعيات سياسية تقوم على أسس دينية، فهذه الجمعيات ليست لها مرجعية فكرية سوى التعاليم الدينية، فهي غير قادرة على فصل هذه التعاليم عن عملها ونشاطها السياسي، وبالتالي لن تكون هناك أي جدوى من التعديلات المقترحة، فسوف تبقى إرادة القانون مشلولة عندما يتعلق الأمر بالخلط بين السياسة والدين.
.
مقالات أخرى...
- الخلافات السياسية في ثوب طائفي - (17 مارس 2012)
- الهدف رأس «ربيع الثقافة» - (14 مارس 2012)
- أليست فلسطين جزءا من الوطن الكبير؟ - (12 مارس 2012)
- الخطر يطرق ناقوس «الشئون الإٍسلامية» - (10 مارس 2012)
- قلة مستفيدة لكن الوطن يدفع الثمن - (7 مارس 2012)
- لمصلحة من استمرار خطاب الفتنة؟ - (5 مارس 2012)
- الوئام الوطني ضحية للخطاب الطائفي - (3 مارس 2012)
- فلسطين ليست بحاجة إلى قرارات جديدة - (29 فبراير 2012)
- لماذا تفرملون تطوير التعليم؟ - (27 يناير 2012)