نعم لـ «البحرين وطن يجمعنا»
 تاريخ النشر : السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
التشذيب المستمر، وبغض النظر عن مستوى درجة قوته التحطيمية، للجدران الطائفية التي يسعى البعض إلى تشييدها كحواجز فاصلة بين أبناء الوطن الواحد، هذا التشذيب سيعطي نتائجه الإيجابية مهما طال زمن العملية، ذلك أن الجدران المشيدة حاليا لا تعدو أن تكون حواجز مصطنعة أقيمت على أرض رخوة ولا ترتكز على قواعد ضاربة في أعماق التربة البحرينية وبالتالي، فإن إزالتها هو أمر حتمي، قد يستغرق وقتا طويلا بسبب عوامل وظروف موضوعية نشأت بعد أحداث العام الماضي، لكنها بنيت على باطل، و«كل ما بني على باطل فهو باطل»، كما يقول القانون، لهذا نرى أن هناك حتمية إيجابية لنتائج كل عمل موجه نحو إزالة هذه الحواجز المصطنعة، كما أن مثل هذه الأعمال تصب في خدمة الوطن بالدرجة الأولى، مما يفرض علينا احتضانها ودعمها بشتى الوسائل.
على مدى الأشهر التي تلت أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي وما تمخض عنها من نتائج أثرت سلبا في النسيج المجتمعي البحريني، خاصة أن هناك من تلقف هذه الظروف الطارئة وعمل على حقنها بالمزيد من المنشطات لإدامة تأثيرها السلبي في هذا النسيج لتحقيق منافع خاصة، على مدى تلك الأشهر شهدت الساحة الوطنية العديد من التحركات المجتمعية من قبل فعاليات أهلية، أفرادا ومؤسسات، استهدفت تذويب الجليد المصطنع بين جزء ليس بالقليل من مكونات الشعب البحريني، وهناك نتائج مبشرة لمثل هذه الأعمال وإن كانت غير ظاهرة بشكل ساطع نظرا إلى حجم الضرر الذي تريد إصلاحه.
آخر مثل هذه المبادرات تطلقها مؤسسات عدة من المجتمع المدني تحت شعار «البحرين وطن يجمعنا»، تبدأ أولى فعاليات المبادرة اليوم السبت حيث اختارت المؤسسات المجتمعية المنظمة لهذه المبادرة دوحة عراد في محافظة المحرق نقطة الانطلاق الأولى من خلال «ماراثون مشي» و«فعالية للأطفال» بعنوان «البحرين في عيون الأطفال»، وليس اعتباطا ولا مصادفة أن يختار المنظمون لهذه الفعالية محافظة المحرق منطلقا لها، فجميعنا يعرف كيف أن النسيج المجتمعي في المحرق يشكل «بحرين» مصغرة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكيف أن المحرق تقدم، حتى الآن رغم محاولات التخريب، الأنموذج البحريني الأصيل في التسامح والتآلف بين مختلف مكونات الشعب البحريني.
فهذه المبادرة - وغيرها من المبادرات التي سبقتها أو تلك التي ستليها - إنما هي أعمال مطلوبة في مثل هذه الظروف التي يمر بها مجتمعنا حيث تنشط قوى التفتيت المجتمعي من خلال اصطناع اصطفاف طائفي وتقسيم المجتمع البحريني، اقتصاديا واجتماعيا على أسس مذهبية، من شأنها أن تعمق هوة الخلافات التي نشأت بعد تلك الأحداث المؤسفة، الأمر الذي يتطلب المزيد من مثل هذه الفعاليات لتلعب دور المحطم للحواجز التي اصطنعها البعض مستغلا ما مرت به البلاد من أحداث سياسية وأمنية كبيرة.
ففي مثل هذه الظروف حيث يتعرض النسيج الوطني البحريني لهجمة شرسة تستهدف تقطيع خيوطه وعزلها عن بعضها بعضا، فإن مثل هذه المبادرات تحمل في طياتها رسائل عدة وفي اتجاهات مختلفة، فهي تعطي مؤشرا إيجابيا على أن روح التآلف والانسجام بين مختلف مكونات المجتمع البحريني مازالت تنبض بالحياة رغم كل الصعاب وشراسة الهجمة التي تعرضت لها، وأن مكونات هذا الشعب قادرة على مواجهة التحديات التي تفرض عليها لأي سبب كان، من منطلق أن السلم الأهلي والنسيج المجتمعي البحريني الجميل، يمثلان مكتسبات تاريخية ثمينة لا يمكن التفريط فيها أو تركها عرضة للعابثين.
الرسالة الأهم في اعتقادي من وراء مثل هذه الفعاليات، موجهة لقوى التجزيء والتقسيم الطائفي التي تعمل وتسعى بكل السبل إلى الحفاظ على جدران العزل الطائفي، وهي بالمناسبة جدران وهمية مصطنعة، على اعتبار ان وجودها، وإن كان وهميا، فإن تلك الجدران بحسب اعتقادها تحقق لها بعض المكاسب، وهي بالمناسبة مكاسب أنانية على حساب المصالح الوطنية العليا المتمثلة في صون الوحدة الوطنية وتعزيز السلم الأهلي وعلاقة التآلف والانصهار المجتمعي التي باتت سمة من السمات المميزة لشعب البحرين.
نعم، لابد من تكثيف المبادرات المجتمعية لتشذيب تلك الجدران المصطنعة وإزالتها من وسطنا المجتمعي لإعادة الرونق الجميل لنسيج البحرين - الذي شكل على مدى عقود طويلة من الزمن - فسيفساء وطنية جميلة، جعل البعض يصل إلى درجة من القناعة المطلقة باستحالة تخريبها أو تعريض خيوط نسيجنا الوطني للهتك، ولكن للأسف فإن ما كنا نؤمن به كقناعة راسخة، تعرض لامتحان قوي خلال تلك الأحداث، إذ لم يكن أي منا قد فطن لحجم تأثير قوى التجزيء والتقسيم الطائفي التي أحدثت هذا الشرخ الذي أمامنا الآن، والذي من أجل ترميمه وإعادة رونق بيتنا البحريني إلى حالته الطبيعية، تنطلق مبادرة «البحرين وطن يجمعنا»، كما انطلقت في السابق مبادرات أخرى.
.
مقالات أخرى...
- تسع سنوات والعراق يدفع ثمن الجريمة - (21 مارس 2012)
- تعديلات قانونية غير مفيدة - (19 مارس 2012)
- الخلافات السياسية في ثوب طائفي - (17 مارس 2012)
- الهدف رأس «ربيع الثقافة» - (14 مارس 2012)
- أليست فلسطين جزءا من الوطن الكبير؟ - (12 مارس 2012)
- الخطر يطرق ناقوس «الشئون الإٍسلامية» - (10 مارس 2012)
- قلة مستفيدة لكن الوطن يدفع الثمن - (7 مارس 2012)
- لمصلحة من استمرار خطاب الفتنة؟ - (5 مارس 2012)
- الوئام الوطني ضحية للخطاب الطائفي - (3 مارس 2012)