قمة بغداد.. غاب الاعتذار والاستذكار
 تاريخ النشر : الأحد ٨ أبريل ٢٠١٢
بقلم: د. فاضل البدراني
انتهت يوم الخميس الـ٢٩ من مارس الماضي أعمال قمة بغداد بدورتها الـ ٢٣، وانتهى معها كرنفال من الفعاليات السياسية والدبلوماسية والأمنية والولائم الرئاسية في مستوى من الإنفاق المالي فاق حدوده المعقولة وتجاوز مستوياته جميع القمم السابقة التي حصلت في البلدان العربية بدءا من أول قمة حصلت في القاهرة عقب تأسيسها عام ١٩٤٥، مع الأخذ بنظر الاعتبار تصاعد غلاء المعيشة، وتحدثت تقارير اقتصادية عن «الصرفيات» التي تجاوزت مليارا وربع مليار دولار، فيما لم تساو الفائدة الاقتصادية المرتجاة منها ما يخسره العراق يوميا، إضافة إلى الخسارة على المستوى الاقتصادي جراء تعطيل الحياة مدة أسبوعين. وعلى صعيد مستوى التمثيل فإن القمة عدت من مستوى القمم المتواضعة لسبب رئيس أن الزعماء الذين حضروا لبغداد والمشاركة في أعمال القمة عدوا من سقف الوزن الخفيف، اذا جاز التعبير، باستثناء أمير الكويت، أما الرئيس السوداني عمر حسن البشير فإن مشاركته جاءت تحديا للمحكمة الجنائية الدولية التي تطالب باعتقاله عبر الانتربول حتى انه غادر بغداد خلال تحويل جلسة الاجتماع إلى سرية إلى جانب أمير الكويت والرئيس الجيبوتي.
وغلب على مستوى المشاركة الحضور الدبلوماسي بينما غاب الكبار، وتحضرني مقولة احد الكتاب العرب «أما كبار الوفود من بعض القادة العرب فللأسف لكل هدفه الخاص به وليس معنيا بهم الأمة العربية وما يعتصرها من أحداث».
وهو طبعا مؤشر سلبي على مستوى التفاعل العربي ؟ العربي فانسحب الضعف على مستوى القرارات التي ولدت متواضعة وهامشية قياسا لمستوى التحديات والمخاطر التي تحدق بالعالم العربي. فإن من بين ٢٢ دولة عربية حضر ٩ قادة منهم و١٧ وزير خارجية وسفيرا ممثلا عن بلدانهم. وعندما نستعرض قائمة الزعماء الحاضرين فإن بعضهم يمثلون ثمرة ما يسمى الربيع العربي وهي ثمرة ليست يانعة للقطاف، ومن اللازم عليهم الحضور وتمثيل بلدانهم كونها تمثل تجربة سياسية مفيدة لهم شخصيا وليست مفيدة للإجماع العربي، لذا فإنهم ليسوا بثقل الرؤساء والملوك الآخرين الذين غابوا. وانشغلت بغداد بأعمال القمة التي استهلت باجتماع وزراء الاقتصاد والمال العرب وأعقب ذلك اجتماع وزراء الخارجية الذي مهد الأجواء لاجتماع القادة الذي استمر أربع ساعات تقريبا من عصر يوم ٢٩ مارس.
وإذا أتينا إلى مستوى الترتيبات الإجرائية التي أعدتها الحكومة العراقية على الرغم من انشغالها بالعديد من الملفات والعقبات والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية حتى الاجتماعية، فضلا عن كونها تعد حكومة فتية على مثل حدث سياسي مهم كهذا، فإنها كانت جيدة وربما نجحت القمة في مستوى الأداء والتنظيم الإداري الذي قدمته بغداد والجامعة العربية ولا أتكلم عن مستوى النتائج والقرارات والإجماع العربي، لكن لو فتحت خزائن الأسرار على ملفات العراق الداخلية لكانت القمة قد غيرت من تسلسل فقرات بيانها النهائي الذي تناول ٤٨ فقرة من أصل تسعة محاور وتحولت إلى أضعاف هذه المطالب والاستحقاقات في معالجة أوضاع العراق الداخلية الذي يحتضن القمة، لكن ستر الله عما هو كامن وموقوت.
وإذا ما استعرضنا قرارات القمة فانها بالفعل جاءت من نسق القمم التي طغى عليها طابع المجاملات السياسية التي من شأنها السكوت عن «مشكلات الأحباب» بمعنى أسكت عن مشكلتك وتسكت عن مشكلتي أو مشكلة صديقي. وهذه المعادلة الدبلوماسية تعدت حدود البلدان العربية لتشمل أطرافا إقليمية ودولية، وابتداء من الفقرة التي دعت طرفي النزاع في سوريا من الحكومة والمعارضة إلى وقف العنف وفق الحوار كأن الموضوع السوري دخل حديثا على قبة الجامعة العربية من دون مناقشته سابقا والغوص بتفاصيله، وتتناقض تماما مع موضوع تجميد عضوية سوريا في الجامعة كما حصل قبل شهور عدة ومع التحركات العربية بتدويل القضية السورية ويصبح كوفي عنان ممثلا دوليا وعربيا في الحوار مع الرئيس بشار الأسد لإنهاء الأزمة والعنف الدائر منذ أكثر من سنة تقريبا.
والأمر الآخر فإن البيان الختامي خلا من أي دعوة إلى إيران بإيقاف تدخلها في الشؤون الداخلية العربية، وغيرها من الموضوعات الأخرى التي باتت ضرورة ملحة ومؤلمة للواقع العربي الراهن. وما يسجل من عيوب على قرارات القمة التي ربما جعلتها تهبط إلى المستوى المتواضع، أنها عقدت في بغداد وهي جريح من خنجر الاحتلال الأمريكي المسموم، وان دماء شهداء العراق لاتزال لم تجف ولو تشافى القادة العرب من فيروس زكام الخنوع للأجنبي لشموا عطر المسك الذي أخذ يطاردهم ويهب عليهم من مقابر الشهداء المتعددة عند قدومهم إلى بغداد الجريح، فأمنياتنا لزعمائنا أن يتعافوا من إنفلونزا يبدو أنها دائمة وربما لا تصيب الا من يعشق كرسي الحكم.
ان كثيرا من المراقبين والمحللين والمتابعين توقعوا قبل انعقاد قمة بغداد أن يعتذر القادة العرب إلى بغداد وشعب العراق وربما لا يتحملون ضيافتهم وسط نكبتهم فمن طبيعة العربي الأصيل عندما يتعرض أخوه لنكبة فلا يأكل طعامه فما بالك أن مقابر العراقيين تجاوزت مليوني شهيد دفنوا في أعقاب الغزو والاحتلال الأمريكي اللذين حصلا مطلع ٢٠٠٣؟ وقد يخجلون من حرائر العراق وهن متوشحات بالسواد منذ تسع سنوات، وربما تطاردهم لافتات الشهداء التي توشحت بها هي الأخرى جدران البنايات والمنازل، لكن يبدو أن قادتنا مصابون أيضا بقصر النظر، ولا نتمنى سوى السلامة لهم وعودة بصيرتهم إليهم لأنهم قبل كل شيء قادتنا، وتوقع البعض الآخر من المراقبين حين يأتي الزعماء لبغداد أنهم سوف يصلون على أرواح الشهداء في مقابرهم التي لو زارها أحد منهم لوقف أمام مواقف وقصص مشرفة من البطولات سجلها أبناء العراق في سبيل كرامة وعزة ورفعة أمتهم وماضيها التليد، ولو زاروها حقا لأبصروا جيدا وقرأوا الكثير - الكثير وتسلحوا بما يساعدهم على النهوض بقمتهم وبقراراتها إلى سقف أعلى بكثير مما جاءت به، بل سيعتذرون إلى الشعب العربي في كل مكان لكن الذي ثبت أن قادتنا مصابون إما بداء النسيان وإما التناسي ولكن رغم كل ما قيل وقال عنهم فإنهم لم يفعلوا شيئا لأنهم أولا وأخيرا يدركون تقصيرهم حيال شعوبهم المظلومة، ولا نريد أن نتكلم عن القادة العرب أكثر من اللازم فقد قلنا في بداية الحديث ان الوزن الثقيل منهم لم يحضر وبالطبع هذا لا يحميهم من اللائمة أبدا.فالواقع العربي يغوص بالكثير من المتغيرات السياسية والاجتماعية وفي هذه الظروف يحتاج إلى قيادة عربية قادرة على التعاطي مع مستحقات المرحلة المقبلة وتقديم الحلول اللازمة.
ان ما لفت الانتباه عن قمة بغداد أن العرب باتوا منقسمين إلى فريقين أحدهما يميل إلى المحور الإسرائيلي المطرز بالعباءة الأمريكية، وأما الطرف الآخر فإنه يميل إلى المحور الإيراني، وان الواقع العربي يعد فريسة بين هذين الفكين،والنتيجة هي رسم خريطة سايكس - بيكو .٢
* كاتب وصحفي عراقي
.