الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٤ - الأحد ٨ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


أيها الفاروق.. ماذا صنعت لكي يكرهوك؟





إذا كان حب آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات الكفر، فإن حب صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخاصة الشيخين أبابكر وعمر (رضي الله عنهما) من علامات الإيمان وبغضهما من علامات الكفر.

ودعونا نطرح سؤالاً على من يكره عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كل هذا الكره إلى درجة محاولة إهانة حتى اسمه كما فعلت المدرسة (غير المتربية) حين داومت أن تجعل الطفل (عمر) يقبل باطن قدمها من دون باقي التلاميذ بحجة أنها تفعل ذلك لأنها تحبه أكثر من غيره من التلاميذ الذين لا يحملون اسم (عمر)، يا الله! كيف يبلغ الحقد والبغض والكراهية هذا الحد؟

إن بغض إنسان عادي لم يسئ إليك أمر مستهجن، ومعاب على صاحبه، فما بالكم حين يكون هذا الإنسان هو صحابي جليل من أرفع الصحابة قدراً ومكانة وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه) الذي فتحت في عهده المبارك معظم البلاد التي دخلها الإسلام، وفي أعناق جميع المسلمين في هذه البلاد المفتوحة في عهده الميمون ديون كثيرة له لأنه بعد الله تعالى هو السبب في دخولهم الإسلام، وله نصيب وافر من كل عمل صالح يقومون به؟ وندرك عظمة ما قام به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) تجاه هؤلاء الأقوام أنه بعمله الجليل هذا أنقذهم من حفرة من حفر النار كادوا أن يقعوا فيها لو استمروا على كفرهم وضلالهم.

كيف يقبل العقل المجرد، ولا نقول العقل المؤمن، أن يبغض عظيما من عظماء الإسلام كان له الفضل في دخول كثير من الناس في الإسلام، وببركته وعدله وزهده صار العدل عنواناً على عهده، رجلا شهد له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بكمال الإيمان، وقوة اليقين، إلى درجة أن الشيطان كان يهابه، ويتجنب ملاقاته في الطريق؟

رجلا شهد له جمع من الصحابة بالإيمان والتقوى، قال عنه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود: لقد كان إسلام عمر نصراً، وكانت هجرته فتحاً، وكانت خلافته رحمة.

وقال عنه الصحابي الجليل عبدالله بن عباس (رضي الله عنهما): إذا ذكر العدل ذكر الفاروق.

وقالت عنه السيدة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق عائشة (رضي الله عنها وعن أبيها): إذا أردتم أن يحلو المجلس فأفيضوا في ذكر عمر.

والسؤال الذي يلح علينا هو: لماذا عمر بن الخطاب (رضوان الله عليه) وحده نال كل هذا النصيب الأكبر من الحقد والبغض من فئة من الناس آلوا على أنفسهم المريضة ألا يدعوا موقفاً إلا ويكيلون فيه الشتائم والسباب لهذا القديس الذي قل في النساء من تلد مثله والذي كان (رضي الله عنه) نسيجاً وحده، ولقد أتعب من جاء بعده من الخلفاء والحكام لأنه ألزم نفسه بنهج في الحكم لا يستطيعه غيره، كما قال الإمام علي (رضي الله عنه) حين رآه في الظهيرة يسعى وراء جمل من إبل الصدقة ند؟

هل يكرهونه لأنه فتح فارس، وأزال دولة الأكاسرة، ورفع الأغلال عن كواهل أهل فارس؟

هل يكرهونه لأنه فتح العراق وفلسطين ومصر وباقي الأمصار؟

هل يكرهونه لأنه أقام دولة العدل والإنصاف، وحرر الناس من قهر الولاة الظلمة وسطوتهم؟

هل يكرهونه لأنه وضع نظاماً يلاحق بمقتضاه حكام الأمصار ويراقب سلوكهم ويعد عليهم حركاتهم وسكناتهم، ولا نعلم أحداً من الحكام قبله ولا بعده فعل مثل ما فعل هذا الحاكم العادل؟

هل يكرهونه لأنه أمن في عهده من كان خائفاً، واطمأن في زمنه من كان مروعاً، حتى أصحاب الملل الأخرى كان لهم نصيبهم الوافر من عدله وإنصافه؟

هل يكرهونه لزهده، أم لتقواه، أم لتواضعه، أم لرحمته بالرعية ورعايته لمصالحها؟

لماذا يكرهونه كل هذا الكره، ويبغضونه كل هذا البغض وهو القائل: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها، مشجعا الرعية على توجيه النقد إليه، والرقابة على سلوكه؟

هل يكرهونه لأنه قال لواليه على مصر: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، ووضع بذلك أول إعلان لحقوق الإنسان قبل أن تضعه المنظمات الدولية؟

ألم يقل له الإمام علي (رضي الله عنه) لما رآه يبكي حين نثرت بين يديه كنوز كسرى: لماذا تبكي يا أمير المؤمنين في وقت نصرك الله على عدوك وفتح في عهدك بلاد فارس وحملت إليك كنوزها كما وعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك عندما قال لسراقة بن مالك: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟

ولقد ألبس عمر (رضي الله عنه) سراقة السوارين؟

قال عمر لعلي: إن قوماً أدوا إلي هذا لقوم أهل أمانة؟

قال الإمام علي (رضي الله عنه): يا أمير المؤمنين عففت فعفت الرعية ولو رتعت لرتعوا.

وهذه شهادة من إمام جليل لحاكم جليل.

كان (رضي الله عنه) يمنع دخول الولاة والأمراء ليلاً.

يقول الأستاذ حسن العلوي في كتابه (عمر والتشيع.. ثنائية القطيعة والمشاركة):

«وكما قيد عمر حركة الصحابة الأوائل ومنعهم من السفر، منع دخول العمال والأمراء والقادة إلى المدينة ليلاً قافلين من الأمصار، وأوجب عليهم وعلى رواحلهم الناقلة أن تدخل نهاراً حتى يتسنى لعامة أهل المدينة أن يروا ما تحمله وتنقله رواحلهم من متاع وأموال، فإذا عثروا على ما يزيد على المعقول أحالوا القادم إلى المساءلة وقد تصادر الزيادات أو يشاطرها الخليفة في نصفها إلى بيت المال» ص .٥٦

بل بلغ به محاسبة الولاة والعمال حدا جعله يحول أحد عماله إلى رعي الغنم للتدرب على إدارة شئون الرعية.

يقول الأستاذ حسن العلوي: «كان عمر يعالج الولاة بإدخالهم في ميدان العمل.. فقد بلغه أن عياض بن غانم واليه على إحدى مدن الشام قد اتخذ لنفسه زمرة من الأصدقاء يسامرونه ويسهرون عنده، وقيل إن هذا الوالي قد أخذه ترف القصور وجعل لنفسه ولزمرته حمامات خاصة، فاستدعاه إلى المدينة وتركه ينتظر ثلاثة أيام ثم أذن له بالدخول، وكان قد أحضر له جبة صوف مما يرتديه الرعاة وعصا وثلاثمائة شاة من أموال الصدقة، وطلب إليه أن يرعى بها في البراري وليسمنها، وتركه هكذا ثلاثة أشهر ثم استدعاه وأعاده إلى عمله» المرجع السابق ص.٥٧

هل هم يكرهونه من أجل كل هذا العدل والورع والزهد والتواضع والرحمة؟

كان الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) يعرفون لعمر قدره، وينزلونه المنزلة التي أنزله الرسول (صلى الله عليه وسلم) إياها، فقد أعطاه أرفع وسام حين لقبه بـ (الفاروق)، وذلك عند إسلامه حينما طلب إلى بلال (رضي الله عنه) أن يرفع صوته بالأذان معلناً انتهاء المرحلة السرية للدعوة، وبداية المرحلة العلنية، فسماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندها الفاروق لأنه فرق به بين الحق والباطل، هل تكرهونه من أجل نصرة الاسلام، ومحاربته الكفر؟

هل تكرهونه لأنه استن لنفسه سنة لم يسبقه إليها أحد حين ألزم نفسه بألا يدع موقفاً وقفه في الجاهلية ضد الإسلام إلا ويقف موقفاً مماثلاً له في الإسلام ضد الجاهلية، موقفا قد أعفاه الإسلام منه حين قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعمرو بن العاص (رضي الله عنه): أما علمت يا عمرو أن الإسلام يجب ما قبله؟ ولكن عمر (رضوان الله تعالى عليه) لا يقبل إلا بأن يمحو كل آثار الجاهلية حتى التي لا يبقى من أدرانها شيء، هل يكرهونه من أجل هذا؟

إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) صفحة مضيئة وناصعة من صفحات التاريخ الإسلامي المجيد، وتجسيد حي لمبادئ الإسلام وقيمه الرفيعة، فإذا ذكر العدل ذكر الفاروق، كما قال عبدالله بن عباس، وإذا أردنا أن يحلو المجلس، وتتلألأ أنواره، فليس علينا إلا أن نفيض في ذكر عمر، ونسهب في قراءة سيرته العطرة، فهو غصن رطيب من دوحة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مليء بالثمار اليانعة، وهو شجرة مباركة في حدائق ذات بهجة، زرع أشجارها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرضي الله تعالى عنك، فقد كان إسلامك نصراً، وكانت هجرتك فتحاً، وكانت خلافتك رحمة، ونشهد الله تعالى على أننا نحبك، ونتقرب إلى الله تعالى بحبك والدفاع عنك، ونصرتك كما نصرت الإسلام.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة