الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٧ - الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


المصلحة الوطنية تقتضي المساءلة





في الفترة القصيرة الماضية صدر عن وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف وعن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أكثر من بيان وفي فواصل زمنية متقاربة بين هذه البيانات، كلها تركز في قضية باتت تشكل هاجسا وطنيا مقلقا لغالبية أبناء البحرين، وهي مسألة انتشار خطاب الكراهية والتحريض بشتى صوره وأشكاله، وخاصة ذلك الذي يصدر عن خطباء الجوامع والمساجد ومن على منابر الخطابة الدينية وهو الأمر الذي أولته وزارة العدل ومعها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية جل الاهتمام، باعتبار أن خطاب الكراهية والتحريض إذا ما صدر من على هذه المنابر فإن تأثيره السلبي عادة ما يكون كبيرا وانتشاره واسعا.

لا يخفى على أحد أن خطاب بث الكراهية بين مكونات المجتمع البحريني قد تصاعد بشكل كبير وخطر في الفترة التي تلت أحداث شهر فبراير من العام الماضي، وما أعقبها من تداعيات أمنية واجتماعية وسياسية، لكن الخطورة الكبرى تكمن في انزلاق الخطاب الديني ومن على منابر الخطابة في الجوامع والمساجد نحو تصعيد غير مسبوق أسهم بشكل كبير في التأثير في العلاقات المجتمعية، وساعد على غرس بذور الفرقة وإذكاء نار الفتنة الطائفية مما دفع بالعديد من الفعاليات الوطنية والأهلية إلى التحذير من مخاطر الاستمرار في بث مثل هذه الخطابات.

وزارة الشئون الإسلامية في بيانها الأخير تحدثت عن «أولويات العمل الأساسية للمرحلة المقبلة في إطار مبادرات وبرامج الترشيد والمحاسبة، داعية إلى تكريس وسطية الخطاب الديني الجامع وبث روح الانتماء الوطني ورفض منهج الإقصاء والتحريض على العنف وإشاعة الكراهية، وضرورة التبصر في عواقب خطاب التحريض على الوحدة الوطنية»، ومن حيث المبدأ لم يخرج البيان الأخير في مضمونه عن البيانات الأخرى التي صدرت عن الوزارة وعن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إلا ان ما يلفت الانتباه في البيان الأخير التحدث عن «الترشيد والمحاسبة».

كتب الكثير من متتبعي الخطابات الدينية المتزمتة والمحرضة على نشر الكراهية وزرع بذور الفتنة الطائفية بين مكونات شعب البحرين، عن مخاطر استمرار مثل هذه الخطب وحذروا من العواقب الوخيمة المترتبة على استمرارها وعدم تدخل الجهات المسئولة في الدولة وفي مقدمتهم وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء لتصحيح معاني وأهداف خطب المنابر الدينية، بل ذهب البعض إلى مطالبة هذه الجهات بمحاسبة من يتمادى في بث مثل هذه الخطابات أو استخدام المنابر الدينية في التحريض وإثارة النعرات الطائفية.

والحقيقة أن كل هذه التحذيرات والمطالبات لم تطرق أبواب المسئولين المباشرين لأدوار خطباء المساجد والجوامع، حيث لا تمر خطبة جمعة هنا أو هناك إلا وتصدر عنها سموم الحقد والكراهية، بل يذهب البعض إلى المجاهرة المباشرة بالنعوت البذيئة، ومع ذلك لم نر تحركا ملموسا من هذه الجهات لوضع حد لمثل هذه التجاوزات الخطرة التي لا تسيء ولا تهدد أيا من مكونات المجتمع البحريني، وإنما هي تمثل تهديدا مباشرا وخطرا للوحدة الوطنية التي تحدثت عنها الوزارة في بيانها الأخير.

المهم في بيان الوزارة الأخيرة أنها تحدثت عما سمته «المساءلة» وتعني بذلك مساءلة من يتطاول على المكونات الوطنية ويستخدم منبر الخطابة الدينية لبث السموم الطائفية والكراهية، وهو توجه كان يفترض أن تلوح به الوزارة منذ فترة طويلة وخاصة أن خطاب التحريض والتجزيء البغيض لم يتوقف، بل خط خطا تصاعديا بعد تلك الأحداث المؤسفة التي ألمت بالبحرين وهي الأحداث التي وجد البعض ضالته فيها واستغلها للاستفادة والتمصلح من ورائها.

لكن الأهم من ذلك ليس التلويح أو الحديث عن «مساءلة» خطباء الكراهية ومؤججي الفتنة الطائفية، وإنما في ترجمة ذلك إلى إجراءات عملية تكون عبرة لكل من استرخص مصلحة الوطن وضرب بعرض الحائط بقيمة الوحدة الوطنية وما تمثله من صمام أمام للبحرين كلها في وجه المخاطر التي تهددها، والتي أخطرها عادة ما تكون المخاطر الداخلية، حيث انه إذا ما تضررت وضربت الوحدة الوطنية فإن عملية افتراس الوطن برمته تكون في غاية السهولة.

فخطباء الفتنة والكراهية تمادوا في الآونة الأخيرة في غيهم وفي تحريضهم على الفتنة وتقسيم المجتمع وتجزيئه على أسس مذهبية وعرقية ودينية أيضا، فلم يعودوا مكترثين بالتحذيرات التي تصدر عن هذه الجهة أو تلك، والسبب في ذلك أنها تحذيرات لا يتعدى مسارها الحيز الذي تشغله في نشرات الأخبار وصفحات الجرائد، وبالتالي فلا مناص، إذا كانت وزارة العدل ومعها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، جادين في التصدي لخطب الكراهية والتحريض، من ترجمة «المساءلة» إلى إجراء عملي.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة