اقتصاد ما بعد الربيع
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ أبريل ٢٠١٢
أحمد عبدالله
يعني الربيع العربي فيما يعني تحرير الاقتصاد من قيود وممارسات كانت غير ديمقراطية ولا تساعد النمو ولا بناء اقتصاد حديث مزدهر ومتجدد. وعلى سبيل المثال، أذكر أن مواطناً عربياً عاش بدولة أوروبية، وجمع ثروة صغيرة من عمله بها، فقرر أن يغتنم أول زيارة لبلده الأصل ويقوم بافتتاح مشروع صغير للتصوير باستخدام الماسح الضوئي (الفوتوكوبير). ولكنه عاد كاسف البال إذ إن مشروعه صادف من التعقيدات الإدارية بما لا يسمح له أن يحول أفكاره البسيطة وأحلامه الصغيرة المدعومة بقدرة مالية إلى مشروع متواضع يفيده يحرك اقتصاد بلده. فأوقف العمل به، ووضع الفكرة في صندوق وأغلق عليها إلى الأبد. عاد من بلده ناقماً واعتبر الدولة الأوروبية موقع الحريات الاقتصادية، والنمو المستمر وإقامته الدائمة.
والمشكلة التي واجهها الرجل هي ببساطة تعقيدات تواجه شركات صغيرة ومتوسطة، وهي موضوع محبب لكل الدول ذات النشاط الاقتصادي والتقدم التنموي. ولا يكاد أن يمر أسبوع بدول مجلس التعاون الخليجي إلا وتجد ندوة أو ورشة عمل لمحاولة تسهيل أمور تلك الشركات، وإيجاد سبل مساعدتها. وستجد دول الربيع نفسها بعد انتهاء الحماس، وهدوء الأجواء، معنية بمخاطبة مسائل التحرر الاقتصادي كما واجهت مشاكل الديمقراطية والركود السياسي.
على أن المعضلة الأهم التي ستتوجب معالجتها هي انغماس شعوب فجّرت الربيع العربي في إعادة بناء اقتصادها. وهناك سوابق كثيرة مفيدة: ألمانيا واليابان وقبرص. فلقد أدت حروب خاضتها إلى إبادة كل مظاهر النمو والازدهار وأحالت مدنها الصاخبة بنشاط اقتصادي إلى خراب. ولكن تلك الدول حولت الدمار إلى نهضة، ودخلت أندية الكبار بعد الزج بطاقات شعوبها لإعادة البناء ولاستعادة المبادرة والحيوية الاقتصادية ومستويات التنافسية. وحين زرت مدينة شتوتجارت الألمانية، كان بعض من التقيت بهم يفخرون بسرد قصة مدينتهم وكيف مسحتها الحرب العالمية الثانية والهجمات الجوية المترافقة وحولتها إلى ركام من أحجار ورمال. بعدها اتخذ أبناؤها قراراً لا أن يبنوا مدينتهم مجدداً وإنما أن يعيدوا البناء كما كانت قبل الحرب، وبمعالمها التاريخية المهمة. وعملوا لتحقيق ذلك تطوعاً حتى رسموا خريطة وطنهم كما كانت قبل الحرب، بكل رونقها التاريخي الداعم للجهد الاقتصادي. وكان ذلك جزءاً مما سمي بعدها بالمعجزة الألمانية. ويحتفظ اليابانيون والقبارصة بقصص مشابهة. ويتوقع لشعوب عربية أظهرت من الجلد والإصرار على التحول الديمقراطي أن تحقق شيئاً مشابهاً. وكما امتلأت الساحات والشوارع بمئات الألوف من المحتجين، سيتوجب أن تشهد تلك المواقع مئات الألوف من المتطوعين الذين يودون بناء دولهم وإدخالها إلى السوق العالمي مشاركين على قدم المساواة مع دول العالم المتطورة اقتصادياً.
المساعدات مهمة، والدعم المالي الإقليمي والدولي ممكن، ولكن الجهد الأساس سيقع على كاهل الشعوب. فكما انخرطت في المظاهرات والتضحية بالدم، سيتوجب عليها أن تبذل الجهد والعمل لإعادة بناء الاقتصاد الذي جمدته سياسات عهود سابقة، وأنهكته ثورته الديمقراطية.
.