الدور الثقافي التاريخي لمجلة «العربي» الكويتية
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ أبريل ٢٠١٢
بقلم: السيد حيدر رضي
تعدلا حقب الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات، حقبا متميزة، في تاريخ وطننا العربي الكبير، وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، لارتباط ذلك بعدة أمور، لكونها حقبا أسست لمرحلة من حركة التنوير الثقافي والمعرفي، وبدايات الشعور الوطني القومي العام، ونشأة المكتبات، وفيها تمت عملية ازدهار حركة الوعي السياسي العروبي، من أجل نيل الحرية والكرامة والاستقلال.
ويطلق في العادة على تلك الأزمنة بـ (الزمن الجميل)، وهو جميل حقاً، لما فيه من العوامل التي أشرنا إليها، أضف إلى ذلك ما تميزت به تلك الحقب من الأصالة العربية المتألقة في الفكر والإبداع، وطبيعة الجو العلمي السائد، والبزوغ السياسي المتأصل بروح العصر وأصالته، وشيوع التقاليد العربية، والأدب الراقي، مما يجعل تلك المرحلة، تتفوق بكثير، على ما نحن عليه الآن.
لقد تميزت تلك الحقب أيضا، بغزارة الإنتاج العلمي والثقافي والمعرفي في جميع حقول المعرفة والإنسانية، في العلوم الإسلامية والعربية والعلمية والثقافية، والقصص والروايات وغيرها من فنون المعرفة، حتى إن جيل المفكرين والأدباء والمثقفين والعلماء، هم من أرباب تلك الحقب الزمنية.
في خضم تلك الفترات، كان ميلاد مجلة (العربي) الكويتية، لتشكل رافداً آخر، في الحركة الثقافية، وحركة التنوير العربي.
ولعله قد يتزامن إصدار العدد الأول منها، في ديسمبر ١٩٥٨م، مع مولد الوحدة المصرية السورية (الجمهورية العربية المتحدة)، لتتأصل أكثر الروح القومية العربية كهدف أساس من الأهداف الكبرى لإنشائها.
لقد حافظت هذه المجلة، على براعة الإخراج والشكل، وأصالة المضمون، وبساطة الأسلوب، طوال مسيرتها الطويلة.
وهي المجلة التي أسست لنظام الملاحق، والهدايا، فكانت هدية خريطة الوطن العربي، مزينة بأعلام الدول العربية، توزع بالمجان بين فترة وأخرى.
والبعد التجديدي يلازم المجلة، فكان إصدار (العربي الصغير)، كأول ملحق للأطفال والنشء، يقدم المعلومة العلمية بما يناسب عمر النشء، ويبسط العلوم، بحيث تتقبلها المراحل السنية المختلفة.
كان ديدن «العربي» منذ نشأتها، تأصيل الثقافة العربية، والترويج لحركة الفكر العربي الأصيل، فكانت تستقطب كبار العلماء والمثقفين والأدباء، لينشروا إبداعاتهم في مختلف الحقول.
كانت العربي من أنصار مدرسة (شمولية المعرفة)، التي لا تعرف التخصص، فكانت مقالاتها وأبحاثها في مختلف حقول المعرفة، الإسلاميات واللغات والفلسفة وعلم النفس والعلوم وغيرها.
لقد أسس هذا المفهوم وأصله تأصيلاً، المرحوم العلامة النابغة الدكتور أحمد زكي (رحمه الله)، من مؤسسي المجلة، وأول رئيس تحرير لها، من عام (١٩٥٨ إلى ١٩٧٥م)، بل ساهم في عطائه الفكري والعلمي، في ترسيخ المدرسة العلمية المنهجية الشاملة، في وسائل الإعلام المتاحة وخاصة المجلات.
لقد جمع في كتاباته بين العلم والدين، بلغة سهلة ميسرة، وبرصانة علمية أصيلة، ليؤسس بذلك مدرسة علمية، توائم بين العلم والدين، فكانت زاويته الشهرية، (وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه)، يُجسد ببساطة وأصالة، هذا التناغم والتلاقي.
الدكتور أحمد زكي من العلماء الأوائل الذين عملوا بكل جد وإخلاص في نشر العلوم وترويجها، بل تبسيط العلم، لكي يكون بتناول القراء على جميع مستوياتهم وفهمهم، وهي لفتة كريمة من هذا الرجل المعطاء، قل أن يلتفت إليها المختصون وأكابر العلماء.
قصة ميلاد (العربي) تذكرنا دوماً، بدور دولة الكويت الشقيقة تجاه أبناء العروبة، عموماً، وأبناء الخليج خاصة.
كانت (العربي) باكورة المشروع الثقافي التنويري، لأبناء الأمة العربية، وبخاصة انها تواكب ذلك، مع مرحلة حساسة من مراحل الأمة العربية في تلك الفترة.
هذا المشروع الثقافي الرائد، وضعت ملامحه الأساسية، في قرار إنشائها، الذي صدر عن دائرة (المطبوعات والنشر)، ونشر في (الجريدة الرسمية) في عدد (١٦٨)، بتاريخ ١٠ رمضان ١٣٧٧هـ، والمصادف لـ ١٩٥٨م، حينما رأت دائرة (المطبوعات والنشر)، انه واجب عليها ثقافيا أن تضطلع بمشروع تهديه إلى سائر أبناء العروبة، خدمة للقومية العربية، مجردا من أي غرض أو هدف، يفسد معاني الخدمة القومية العربية.
وللعلم، فإن الرواد الأوائل لهذا المشروع، المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير دولة الكويت الراحل، والمغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح، رئيس دائرة المالية في تلك الفترة، والشيخ صباح الأحمد الصباح، مدير دائرة المطبوعات والنشر يومئذ، والأستاذين الكبيرين، بدر خالد البدر، وأحمد السقاف.
من الأبواب الثابتة والزوايا، نذكر منها، حديث الشهر، وسياسة، وعروبة، وتاريخ أشخاص، وفلسفة، وشعر وشعراء، ومجتمع واجتماع، وطب وعلوم، ونقد كتاب الشهر، ودين ورجال دين، وأعرف وطنك أيها العربي، وطبيب الأسرة، وغيرها من الأبواب والأعمدة والزوايا المختلفة.
وقد كتب فيها في الفترات المتقدمة جل كتاب العصر، في حقب الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، نذكر منهم على سبيل المثال، الدكتور أحمد زكي، والدكتور زكي نجيب محمود، والدكتور فاخر عاقل، والدكتور زكريا إبراهيم، والدكتور علي أحمد علي، وعبدالستار أحمد فرّاج، والشيخ زكريا البري، والدكتور حسين مؤنس، والدكتور محمود السمرة، والدكتور عبدالحليم منتصر، ومحمد طنطاوي، ويوسف زعبلاوي، وغيرهم كثير، ممن لا تسعفنا الذاكرة في تحديدهم.
ولعلّ الفريد من نوعه في المجلة، الاستطلاع المصور، لرحلات سياحية وثقافية في أرجاء وطننا العربي الكبير، تُستطلع فيه معالم التقدم والحضارة، وأسباب الازدهار والرقي، وكشف ما تمتاز به بلداننا العربية، من معالم سياحية وثقافية ومعمارية وصناعية وزراعية... الخ. ويشوقنا في ذلك، المستطلع سليم زبال، بأفكاره وأساليبه السهلة البسيطة، والمصور اوسكار متري، بإبداعاته في التصوير والإخراج والتألق الفني.
حقاً، لقد كانت ؟ ومازالت ؟ العربي، نقلة نوعية في الإصدار الثقافي العام، وإضافة جديدة ومتجددة، إلى الفكر الإبداعي الثقافي العربي الأصيل.
لقد دخلت (العربي) كل بيت، وبتهافت الشباب العربي على اقتناء العدد الصادر شهريا، كانت ؟ ومازالت ؟ تستهوي القارئ العادي، والمثقف، والطالب، والجامعي، وأستاذ الجامعة، والمدرس وغيرهم من شرائح وطبقات المجتمع.
في زمنٍ كان الناس يعشقون القراءة، ويتهافتون على كل إصدار ثقافي، تراهم يعشقون كل أنواع المعرفة، على الرغم من ظروف الحياة وصعوباتها.
والآن، في زماننا الحاضر، ومع التقدم العلمي الهائل، وغزارة الإنتاج المعرفي، والحجم الهائل لإصدارات الكتب والمجلات، وازدياد أعداد المكتبات العامة وغيرها، نرى أن الكثير منا، لا يقرأ، ولا يتتبع مصادر المعرفة، ولا يعشق الكتاب، ولا يتردد على المكتبات.
ونحن إزاء هذه القضية الكبرى، نتساءل، فهل من عودة إلى الزمن الجميل.. زمن الثقافة والقراءة؟!
.