الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٣ - الجمعة ٢٧ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٦ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مقال رئيس التحرير


«فهي الشهادة لي بأني كامل»





قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «إني أبغض السبّابين.. لا تعاشروا السبّابين».. والسبّاب هو الشخص البذيء اللسان الذي يمطرك بوابل من السبّ والشتم والقذف، وبكل ما ليس فيك، ومن دون ذنب اقترفته.. وقد لا يعرفك أو لا يعرف أي شيء عنك أو انه ناقم على الواقع أو جاحد للمعروف.. المهم أن لسانه يسيل على الدوام قذارة تزكم الأنوف وتبعث على الاستياء.

لست أفهم كيف يسمح مجلس النواب لنفسه - وهو بيت الأمة ومنبر الحق - أن يبقى فيه من يسيء إليه ويلوث سمعته.. وخاصة بعد أن ثبت بالدليل، وبالوقائع الدامغة والمسجلة أنه سبَّاب وغلاّط وشتّام، ولا ينطق إلا بذاءة وتجريحا وعدوانا على خلق الله.

بالأمس القريب.. قام هذا الشخص الذي دأب على الإساءة إلى الأبرياء.. وإلى كل من حوله.. بنعت إحدى زميلاته - وهي التي لا تشرفها هذه الزمالة - بعبارة يعف اللسان عن ترديدها.. كما اشتبك مع زميل له - وهو أيضا يلعن اليوم الذي أصبح فيه هذا البذيء زميلا- وفوق ذلك هدده بالضرب.. ولقّبه بالانبطاحي.. كما يتردد أنه دخل على شخصية كبيرة وهو شيخ جليل في مكتبه بمجلس النواب محاولا الاعتداء عليه.. وهو الشيخ الذي لا يملك المرء إلا احترامه وتبجيله.

ووقائع الإدانة كثيرة ودامغة بحق هذا الإنسان، وكلها تنطق بحقيقة تؤكد انه عار على مجلس النواب أن يبقيه نائبا فيه.. فهو الذي لا يملك مقومات تذكر تخوله أن يشغل هذه المكانة العالية نائبا عن الشعب ومحاميا للأمة، والمقوّم لأي اعوجاج في مسيرتها.. فلا خلفية عملية أو سياسية أو ثقافية لديه.. ناهيك عن ادعاءاته المشهورة في عالم الرياضة وغيرها.. التي اقترنت بفضائح مدوية.. وليس ببعيد ان يدعي القزم البطولة.. أو يفبرك لتكون بطولة غيره لنفسه.

ولكن مادام الأمر هكذا.. وعلى هذه الصورة البشعة.. ما الذي جاء به إلى هذه المقاعد الجليلة من تحت القبة؟

الإجابة واضحة ومباشرة.. إنها للأسف الشديد ما يطلق عليها الديمقراطية.. الديمقراطية التي من أبرز مساوئها أن تسمح بمجيء الغث والسمين إلى قبة البرلمان.. كما أنها التي تسمح لأي شخص بامتلاك اشتراطات شكلية من دون التحقق من تاريخه وأخلاقياته ومقوماته.

وللأسف فإن هذه الديمقراطية يمكن أن تأتي إلى البرلمان بمن يسيء إليه وينغص عليه صفو جلساته.. وحياة نوابه.. وبما يسيء إلى المجتمع بأكمله إلى الدرجة التي يمكن ان يصبح معها سُبَّة في جبينه.. والأمر الذي يجعل النفس تقطر مرارة أن تجد المجلس بكامل هيئته ومجمل نوابه، وبكل لوائحه وقوانينه ودساتيره عاجزا عن بتر العضو الذي يثبت ويتأكد فساده وخطورته على المجلس بل على سمعة وطن بأكمله.

كل هذا الذي ذكرناه لا نملك إزاءه إلا الصمت والسكوت مادام المجلس الموقر قد صمت وسكت، وقبل لنفسه أن يساء إليه أو أن تتلوث سمعته.. ومادام قد وجد نفسه عاجزا عن بتر العضو الفاسد.. أو أن القوانين لا تسعفه في هذا البتر قبل أن يفسد جسمه بأكمله.

ولكن ما لا يجوز.. وما لا يصح السكوت عنه هو أن يساء أمامهم وعلى مسمع ومرأى منهم جميعا إلى رمز هو من أكبر رموز هذا الوطن.

وبحق جلال الله.. إننا كنا سنصمت.. وقد نرضى لو أن هذا الرمز الكبير يستحق ذرة واحدة أو حرفا واحدا من هذا الجرم الذي وقع بحقه على مشهد من نواب الشعب.

كيف تسمحون بالإساءة إلى هذا الرمز الكبير من دون اتخاذ الإجراء الواجب، وهو الذي نذر حياته كلها من أجل هذا الشعب؟.. كيف ترضون وهو باني البحرين الحديثة ومشيد عمرانها ونهضتها وتقدمها؟ كيف تصمتون وهو الذي لا يسعد أو يشعر بالفرحة والراحة في هذه الدنيا إلا عندما يرى أن الله قد وفقه في تحقيق الأماني والتطلعات وأحلام الشعب، وعندما يسارع إلى علاج شكوى شاكٍ أو مظلوم، أو الأمر بعلاج مريض وقع فريسة للعجز عن علاج نفسه أو تدبير نفقات هذا العلاج؟.. كيف وهو الذي أشاد بعطائه وأسلوب هذا العطاء رجالات الدول وقادتها ورموزها؟.. لماذا وهو الذي إن كرمته أي دولة أو منظمة فإنه يبادر بإهداء ما ناله من جوائز إلى الشعب عرفانا بدوره ووفائه، وإصراره على أن الذي يستحق التكريم كله هو شعب البحرين؟ كيف وهو الذي لا ينطق إلا أدبا وكمالا وذوقا رفيعا وعذوبة عبارات ومحبة وتقديرا واعتزازا بالجميع؟

كيف يمر هذا الجرم الذي وقع هكذا؟.. صحيح أن رئيس الجلسة الأستاذ عبدالله خلف الدوسري قد وقف موقفا مشرفا وهدد هذا المسيء بالطرد من الجلسة معلنا رفضه لكل ما قاله، وآمرا بشطب كل ما قيل من مضبطة الجلسة لأن هذه العبارات المسيئة تلوث المضبطة ولا تشرف المجلس.. وصحيح أن هناك نوابا أفاضل، قد وقفوا وقفة الشرفاء دفاعا عن الحق.

ولكن.. وبكل صراحة.. هذا لا يكفي.. فأمامكم كل الآليات التي يتعين إعمالها في مثل هذه الأحوال المعوجة.. ومن حقكم أن تقرروا ما ترون.. فمجلسكم كما هو معروف عنه «سيد قراره».. ويبقى انه المجلس الموقر الذي سيبقى على الدوام موضع كل اعتزاز وتقدير.. دعواتنا لله أن يبرأ جسده وكل أعضاء هذا الجسد من كل الأدران والفساد وبذاءة اللسان.. ويبقى عزاؤنا في النهاية قول المتنبي: وإذا أتتك مذمتي من ناقص.. فهي الشهادة لي بأني كامل.



.

نسخة للطباعة

«فهي الشهادة لي بأني كامل»

قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «إني أبغض السبّابين.. لا تعاشروا السبّابين».. والسبّاب هو الشخص ا... [المزيد]

الأعداد السابقة