بشرى للسودانيين والسكريين
 تاريخ النشر : السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢
جعفر عباس
أحس بحرج شديد كلما تناولت الشاي في بلد أوروبي، وذلك لأنني، كسوداني أصيل، لا استسيغ الشاي إلا وهو شديد الحلاوة، ويا ما رمقني الخواجات بنظرات استنكار، وهم يرونني اصب في كوبي أربع او خمس ملاعق سكر، وذات مرة تطوع أحدهم وقرر ان يمارس دوره كمرشد للشعوب المتخلفة وقال لي: ذِس إز باد فور يو! ومعناه بعامية الآسيويين في الخليج: هادا ما في زين منشان سهة (صحة) مال انت!! فقلت له ما يقوله من يأكلون اللحم للنباتيين: لو كان الله يريد لنا ان نكون نباتيين، لما جعل في الأبقار والأغنام لحما!! أي ان السكر شيء حلو أباحه وأتاحه الله لنا، ولحسن حظي فإن ذلك الخواجة الواعظ كان يشرب نبيذا وهو ينبهني إلى مضار السكر، فقلت له: ذس إز باد فور يو آند فور مي.. يعني زودت العيار بأن قلت له إن النبيذ ضار به وبي، فابتسم وقال: قد يكون النبيذ ضارا بي ولكن كيف يضرك أنت الذي تشرب الشاي، فكان ردي: لو طلع النبيذ في رأسك وسبب فيه ضبابا، فربما يتحول النقاش بيني وبينك إلى مبارزة تكون أنت البادئ فيها بالعدوان، بينما لن تتأثر قواي العقلية حتى لو «لحست» كيلو سكر في دقائق.
وما يثير العجب هو ان كثيرين منا صدقوا كلام الخواجات وصاروا يسيئون إلى سمعة السكر، وفات على هؤلاء ان الخواجة الذي يشرب الشاي والقهوة بدون سكر او بنصف ملعقة منه يلتهم الشوكولاتة المعجونة بالسكر، بنفس الشراهة التي تلتهم بها النساء البندول (لماذا لا تجري جهة ما بحثا حول ولع النساء بالبندول والعقاقير المخففة للألم بصفة عامة؟ هل يرمين إلى اتهام الرجال بأنهم مصدر صداع دائم لهن؟.. يا لهن من مفتريات!! هل نسين ان الشقيقة التي هي الصداع النصفي مؤنثة وانها تصيب الرجال بمجرد إكمالهم نصف دينهم؟).. المهم ان تجربتنا في السودان تؤكد انه لا صلة بين تناول السكر والإصابة بالسكري، فنحن في شمال السودان مثلا غذاؤنا الرئيسي هو التمر، وكنت كلما تأهبت لمغادرة البيت للتوجه إلى المدرسة خلال المرحلة الابتدائية يأتيني صوت أمي: ما تنسى تاخد معاك فطورك! فتحسب انها أعدت لي سندويتش مورتديلا او ستيك او تونا بالمايونيز، بينما كانت تعني حفنة من البلح الناشف أحشو بها جيبي وأقرمشها خلال دروس الحساب المملة والتي كنت خلالها لا في العير او النفير (هل وجد لي العذر، القارئ حسن صالح عبدالله الذي فضحني قبل ايام في رسالة عندما اثبت ببساطة كيف انني في مقال سابق جعلت السنة الواحدة تتألف من ٣١٦ مليار ثانية، في حين ان المليار ثانية تساوي ٣٤ سنة.. ثم اتهمني بالاستخفاف بالثانية والمليار!! بالثانية نعم، ولكن بالمليار، كلا، حتى لو كان تبنا).
المهم انه حتى لو كان السكر سببا في عدة أمراض، فقد فرجت معنا نحن السودانيين عشاق كل ما هو حلو وبهيج، فقد نجحت شركة تيت آند لايل البريطانية المعروفة المتخصصة في صناعة السكر ومشتقاته في انتاج الـ«......» تحت اسم تجاري هو (......) وهو أحلى من السكر ٦٠٠ مرة ولكن سعراته الحرارية صفر، وطعمه لا يختلف عن طعم السكر العادي، وأهم شيء هو أنه لا يحوي مواد مسرطنة.. وبشراكمو يا مرضى السكري فقد صار أخيرا في مقدوركم ان تأكلوا أطنانا من الحلوى من دون خوف من إبرة الأنسولين السخيفة (على من يرغب في الحصول على هذا السكر بالكيلو أو الطن مراسلتي وما راح نختلف!!).
jafabbas١٩@gmail.com
.
مقالات أخرى...
- أقرأ واستنتج - (27 أبريل 2012)
- الثراء من وراء مكافحة الإرهاب - (26 أبريل 2012)
- أبو الجعافر بطلا..هل من مبارز؟ - (25 أبريل 2012)
- أهي خواطر حاقد؟ - (24 أبريل 2012)
- اقرأ واحكم بنفسك - (23 أبريل 2012)
- صوفية عبقرية ومأساوية (٢) - (22 أبريل 2012)
- صوفية عبقرية ومأساوية (١) - (21 يناير 2012)
- العنطزة بالقمامة - (20 أبريل 2012)
- هاتوا ما عندكم وسافروا بالسلامة - (19 أبريل 2012)