صوفية عبقرية ومأساوية (١)
 تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
جعفر عباس
بصراحة أنا لا أحب صوفية يوسف، رغم أنها كانت لحين من الدهر، أشهر فتاة في بريطانيا، لكونها دخلت جامعة أكسفورد لدراسة الرياضيات وعمرها ١٢ سنة، ومرد عدم حبي لها هو أنني لا أحب الرياضيات وكرة القدم والملاكمة وجدول الضرب، وكنت فيما مضى اكره دروس الحساب فقط، ولكن ما إن أصبح اسمها «رياضيات» حتى شملت كراهيتي معظم الألعاب الرياضية، بالدرجة التي بتّ مقتنعا فيها بان الرياضة البدنية إهدار للطاقة والموارد، وإلى يومنا هذا وأنا «اتعقد» من أي شخص شاطر في الرياضيات، وأعتبره غير سوي، لأن الناس الأسوياء لا يحبون الرياضيات، وإذا تأملت شخصا تعرفه متفوقا في الرياضيات فستكتشف أنه يعاني من خلل في الهرمونات والكروموزمات ويفتقر إلى الأناقة ولا «يجمع» أي يعاني من تشتت الذهن، وكان معي زميل في الخرطوم يحب الرياضيات والفيزياء، وكنا نتجنبه وكأنه مسلول، وقوي سوء ظني به عندما رأيته ذات يوم في المقهى الطلابي وهو يمسك بكوب شاي، ثم وضع سيجارة في فمه وأشعلها بعود كبريت، ثم رمى بكوب الشاي أرضا بدلا من عود الكبريت، ووضع السيجارة في فمه من جزئها المشتعل ولم يحس بلسعها، حتى انطفأت فأكلها وقال: باع. المهم أن الله أكرمني وبرمجني بحيث لا يستوعب دماغي أي عملية رياضية بعد ٢+ ٢ وجدول عشرة، ولولا اختراع الآلة الحاسبة لنجحت زوجتي في الاستيلاء على ثرواتي الطائلة بالاستهبال، لإشباع هوايتها الغريبة في اقتناء الأحذية والملاءات (الشراشف). والدا صوفية يحملان الجنسية البريطانية، والأب أصلا من باكستان، والأم من ماليزيا، وقد سحبا صوفية من المدرسة وعمرها أربع سنوات، وتفرغا لتدريسها في البيت، وعند بلوغها الثانية عشرة، دخلت أعرق جامعة في العالم بجدارة، وقرر والداها الانتقال إلى أوكسفورد للبقاء قريبا منها، ولكن بعد بدء العام الدراسي بأشهر قليلة، اختفت صوفية من الجامعة، وبحثت الشرطة عنها في كل مكان، ولم يهدأ لها بال إلى أن عثرت على رسالة الكترونية بعثت بها إلى والدها تبلغه فيها أنها بخير، وأنها فقط لا تريد العودة إلى البيت، وبعدها بعدة أشهر، ظهرت صوفية على شاشة تلفزيون «أي تي في» البريطاني وقالت لمارتن بشير الذي كان أول من حاور خطيبتي السابقة ليدي ديانا، إنها لا تفكر قط في العودة إلى بيت العائلة لأن والدها عاملها بقسوة، وحرمها من طفولتها، وانه كان يتحكم في مأكلها ومشربها وملبسها ومنامها وصحوها، بل كان يعطل نظام التدفئة المنزلية بزعم أن الدفء يبعث على الخمول، ويمنع عياله من ارتداء الملابس الثقيلة أثناء استذكار الدروس في البيت في الشتاء، وقالت ان والديها اشرفا على تدريسها منذ أن بلغت الثانية من العمر، وانها بلغت اكاديميا مستوى الصف السادس الابتدائي وعمرها أربع سنوات، وحتى عندما كانت تلعب التنس مع أقرانها كان والدها يتابع أداءها ويعنفها إذا خسرت المباراة.. وذكرت صوفية انها عملت بعد اختفائها جرسونة في مطعم وانها تعيش سعيدة مع عائلة إنجليزية تبنتها،، وانها تمارس كل الشيطنة والشقاوة التي حرمت منها في طفولتها. تذكرت صوفية وانا مع عيالي في مدينة ألعاب ديزني في باريس قبل سنوات، تتويجا لحلم راوداني لسنوات طوال، وظللت انتقل من لعبة إلى أخرى، وكانت تذكرة الدخول شاملة جميع الألعاب، وهكذا قررت أن «اخلص» قيمة التذكرة باستخدام الألعاب والمرافق كافة أكثر من مرة فركبت المراجيح والدواليب الدوارة، إلى أن أحس عيالي بالخجل وبدأوا ينتحلون الأعذار للابتعاد عني، قلت في سري: سامحهم الله فهم لا يعرفون كم هم محظوظون بتوافر مثل هذه الألعاب، وكم كان أبوهم، مثل صوفية، محروما من اللعب النظيف.. ولحكاية صوفية نهاية مأساوية!!!
jafabbas١٩@gmail.com
.
مقالات أخرى...
- العنطزة بالقمامة - (20 أبريل 2012)
- هاتوا ما عندكم وسافروا بالسلامة - (19 أبريل 2012)
- الوضع خطير يا عناتير - (18 أبريل 2012)
- الكلمة ستكون للنساء - (17 أبريل 2012)
- الشهادة الكبيرة... الصغيرة! - (16 أبريل 2012)
- وصفة للصحوة العربية - (15 أبريل 2012)
- تعريب يصل إلى حد التخريب - (14 أبريل 2012)
- هل الجاني «الرفيق» أم نحن؟ (٢) - (13 أبريل 2012)
- هل الجاني «الرفيق» أم نحن (١) - (12 أبريل 2012)