من الذي يرسم الشرق الأوسط الجديد؟
 تاريخ النشر : الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٢
بقلم: مها بنت عبدالعزيز آل خليفة *
باتت دول الشرق الأوسط بين الجنة والنار، شعوب طموحة تريد تغيير أنظمة الحكم بسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة مثل ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، وآخرون حاولوا ركوب موجة التغيير لكن بأجندة مختلفة، أجندة خارجية وابعد ما تكون عن الوطنية.
ما حدث في البحرين يمكن تصنيفه ضمن الفئة الثانية فئة العاملين على تمرير أجندة لا علاقة لها بالوطن. لذا فهي حالة استثنائية ولا يمكن مقارنتها ببقية الدول العربية التي تم تغيير أنظمة الحكم بها لأن المعارضين لم يأتوا من أجل الإصلاح، إنما من أجل تغيير ناموس العلاقات الاجتماعية التي صبغت منطقة الخليج العربي بصبغة النظم الملكية الحاكمة... أي قلب نظام الحكم والخروج على الأعراف التي ظلت تحكم علاقة شعوب الخليج بالأسر الحاكمة فيه. وفي هذا السياق جاءت فبركة القضايا ضد الدولة ومحاولة إسقاط عائلة آل خليفة العريقة التي تضرب بجذورها مئات من السنين في أرض البحرين واتسم حكمها بالعدالة والانفتاح والسير بخطى ثابتة لمواكبة التطور العالمي في الحكم الرشيد من مؤسسات وأنظمة حديثة..
وقد أثبتت الأحداث الأخيرة القدر الكبير الذي واجهته البحرين من تدخل أجنبي سافر في شؤونها، بعضه لغرض في نفس يعقوب والبعض الآخر بسبب الجهل المستحكم في الغرب عن خصائص هذه المجتمعات... وقد أكدت التصريحات الرسمية التي وردت على لسان جلالة الملك المفدى ومعالي المشير خليفة بن أحمد مدى التدخل الإيراني السافر في شؤون البحرين بمعاونة دولة خليجية من خلال قنواتها الإعلامية من دون أن ننسى التحشيد لبعض من سولت لهم نفوسهم بيع الوطن بأبخس الأثمان... فهؤلاء ولاؤهم ليس للبحرين وإنما لأصولهم المختلفة سواء أتوا من قم أو المحمرة أو طهران... لم يراعوا احتضان البحرين لهم ومنحهم جنسية الوطن الذي ما حفظوا له ولاء... لقد كان من اكبر أخطاء الحكومة تجنيس من تعرف أن انتمائهم في المقام الأول يكون للولي الفقيه أين كان مقره ومن ثم محاربة كل ما يمت بالصلة للقومية العربية.
وما حصل في البحرين من تشويه إعلامي ومحاولة هدم كل المنجزات الحضارية التي تحققت على مدى السنين التي مضت، لهو جريمة نكراء ينبغي أن يحاسبوا عليها كما هو الحال في كل انحاء العالم حيث تتم محاسبة مقترف جريمة الخيانة العظمى بعقوبة الإعدام...
لأنهم بذلك يتسببون في خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة لهذه المملكة التي ظلت تحصل على الجوائز التقديرية والدولية من أعرق المنظمات العالمية، ليس اقلها منظمة الأمم المتحدة... بل ذهبوا في التحريض وإثارة العنف إلى أبعد مما هو متصور بحيث استعدوا المواطنين على أفراد الأسرة الحاكمة بتعليق صورهم على المشانق والدعوة بالموت لهم... ومع إلمامنا المتواضع بالقانون فإن من حق أفراد العائلة الحاكمة ان يرفعوا قضايا جنائية ضد كل من يدعون بالموت لآل خليفة وتقديمهم للمحاكم..
أما ما يحدث من ترويع للمواطنين بحرق إطارات السيارات في الشوارع العامة وسكب الزيت على طرق المرور السريع فما هو إلا تعطيل للمصالح اليومية للمواطنين الذين يدعون بأنهم يمثلونهم، بل تعريضهم للخطر... وما يتعرض له رجال الشرطة بشكل يومي من قذف للمولوتوف ورمي الأسياخ الحديدية بل الاشتباكات الأخيرة مثل انفجار العكر واستخدام الأسلحة المميتة ضد رجال الأمن هدفه الأول تشتيت واستنزاف قدرات الأمن البحريني القومي وخلق الفوضى التي تؤدي إلى التدخل الدولي أو انهيار نظام الحكم بانهيار مقومات الأمن والطمأنينة..
الجميع يتساءل لماذا لا يتم ضرب العابثين بيد من حديد لأنهم عاثوا في الأرض فسادا وأضروا باقتصاد الدولة ودمروا علاقات الأفراد، وأزهقوا أرواح بريئة جراء أعمالهم التي لا تمت بأي صلة لروح المواطنة الحقة... أمثال هؤلاء مكانهم ليس بيننا والأحرى أن يضعوا على ذات القوارب التي أتت بهم قبل ما يقل عن نصف قرن من الزمان مثلما فعل بهم الأمير الراحل طيب الله ثراه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في الستينيات من القرن الماضي..
وما يحز في النفس اعتقادنا الساذج بصداقة مفترضة بالولايات المتحدة الأمريكية...
أمريكا ليس لديها صديق دائم، كما ليس لها عدو دائم... هذه الحقيقة ينبغي ألا تغيب عن ذهن من يرسمون سياستنا الخارجية...السياسة الامريكية تحكمها المصالح الامريكية في المقام الأول لذا فهي سياسة براجماتية تتلون كالحرباء بحسب المصلحة والظروف.... فإن كانت اليوم معنا فهي غداً مع إيران ومع نفس الجماعة التي تتحكم في إيران اليوم...فعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها ولا نتوه خلف أوهام تتضح حقيقتها يوما بعد يوم...
ما يحدث في عالمنا العربي من فوضى ما هو إلا جزء من السياسة الأمريكية في دفع المنطقة إلى حافة الهاوية لتثبت بأن اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على البقاء والاستمرارية لأن نموذجها هو الأفضل!
الغرب لم يكن سعيدا بسيطرة المملكة العربية السعودية على موارد نفطية كبيرة تتحكم بها في تحديد الاسعار في الاسواق العالمية، لذا يحتاج الغرب إلى خلق مركز قوى آخر مضاد بالسيطرة على نفط العراق وايران من دون مراعاة للتركيبة السياسية والاجتماعية للمنطقة وللعلاقات الشائكة التي شكلت تاريخ المنطقة... مصلحة أمريكا في اتباع سياسة فرِّق تسد...
في عام ١٩٧٤ قال كيسنجر في مقال له في مجلة نيوزويك بعد أزمة النفط العالمية التي تلت حرب أكتوبر ١٩٧٣ «إن الغرب يجب ألا يسمح للبدو بهدم الحضارة الغربية»... وها هو الغرب يفعل ما قاله كيسنجر قبل أربعة عقود من الزمان بتشتيت الرأي العام العربي وشغل حكامه بمشاكل داخلية حتى لا يحدث التطور المنشود...
والحقيقة المرًة هي ان الغرب هو من يحاول تدمير الإرث الحضاري لهذه المنطقة بدعوته الزائفة للديمقراطية وحقوق الإنسان... حتى أن تم ذلك عن طريق تجزئة الدول العربية إلى دويلات صغيرة منقسمة على نفسها من اجل حفظ التوازنات في المنطقة وخاصة الدول المجاورة لإسرائيل... وعلينا أن لا ننخدع بالموقف الأمريكي من النظام السوري فهو مجرد تحريك اللسان، ليس لخدمة الشعب السوري بل لتفتيت سوريا لمناطق أثنية صغيرة لا تستطيع بأي شكل تهديد إسرائيل... المشكلة أن الكثيرين منا بلعوا الطعم وأصبحوا يزمرون مع الطبل الذي يدقه الغرب في المنطقة.
أمريكا تسعى إلى رسم شرق أوسط جديد تحت مزاعم ومسمى الديمقراطية والإصلاح السياسي الجذري من خلال انتشار مؤسسات مشبوهة تعمل على اسقاط الأنظمة مثل فريدوم هاوس وجمعيات حقوق الإنسان الجاهلة بخصوصية المنطقة والمعتمدة على تقارير غير محايدة يزودها بها من يسمون انفسهم نشطاء حقوقيين بينما هم في حقيقة الأمر نشطاء سياسيون تحركهم أيدي خفية...
يا ترى ماذا حققت الديمقراطية المزعومة في أمريكا من نتائج ملموسة غير ارتفاع نسبة البطالة ومديونية خرافية بحيث اصبحت أمريكا أكبر دولة مدينة في العالم بل اصبحت الدول الأوربية في مهب الريح جراء السياسات الخرقاء التي تتبعها محاكاةً للسياسات الأمريكية...
علينا أن لا نسمح لأي كائن من كان أن يتدخل في شؤوننا الداخلية، وفي طريقة حكمنا، فما يصلح للغرب ليس بالضرورة صالح لمجتمعاتنا، وما وصل إليه الغرب من اسلوب حكم تم عن طريق التدرج بينما يُطلب منا قطع ولزقetsap & ypoc تجربتهم التي لم تنضج إلا على نار هادئة وعلى مدى قرون من الظلام الذي عاشوه في الأزمان الوسطى من الألفية الماضية...لا ينبغي أن نسمح بتغيير مناهجنا التعليمية وهويتنا العربية الإسلامية إلا بالقدر الذي يمكننا من استيعاب التكنولوجيا...هذا أمر نجحت فيه اليابان وتسير على خطاها الصين التي من المأمول أن تضع شروطا لنهضة مختلفة في العقود القادمة...
لمثل هذه الأمور يجب أن ينهض نوابنا وممثلونا البرلمانيون لا أن ينهمكوا في محاربة الثقافة ومجهودات الشيخة مي في تحريك المجتمع عن طريق الفعل الثقافي، وينشغلوا ويشغلوا المجتمع بترهات لا ترد عن البحرين الهجمة الشرسة التي يشنها عليها الإعلام الغربي والصفوية الإيرانية...
كغيري من المهتمين بالإعلام استبشرت خيراً بتعيين السيدة الفاضلة سميرة رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام لتكون الناطق الرسمي للدولة، واستبشرت خيرا من حسن اختيار الحكومة لهذه الشخصية الوطنية الفذة... لأن الإعلام الرسمي البحريني ظل يفتقد الرؤية الاستراتيجية الحديثة لمواجهة ما يحاك ضده، فإذا لم يضطلع الإعلام البحريني بهذه المهمة في هذا الوقت المأزوم، يا ترى متى سيفعل ذلك..؟!
مازلت أؤمن بأهمية الرسالة الإعلامية التي تعتمد على المبادرات الوطنية وتضع نصب أعينها مواجهة مخططات الطرف الآخر ببرامج تفضحهم للعالم بأسره.. مع أهمية تسليط الأضواء على الإنجازات التي تحققت في أرض مملكة البحرين من مشاريع عملاقة تتحدث بنفسها... وعن برامج تثقيفية حول الحكم في هذا الجزء من العالم العربي، فقد كتبت منذ سنوات حول أهمية دور الإعلام الرسمي المقروء والمسموع في إيصال الرسالة المطلوبة للمشاهد أو المستمع..
الإعلام سلطة لا يستهان بها، لها رجالها ونساؤها، وهي صوت مسموع ومقروء ومكتوب...تتفاوت القدرات لدى العاملين فيه، ولكنها إذا ما مزجت بين السياسة والإعلام صارت القوة المنشودة في هذا الوقت الحرج..نحن نحتاج إلى من يتحدث عن البحرين في المحافل الدولية بصورة إيجابية وبلغات العالم المختلفة، لذا أتمنى من سعادة الوزيرة أن تأخذ على عاتقها تقوية الإعلام الخارجي ليكون من أولوياتها. وترصد له من الموازنة ما يكفي للدفاع عن البحرين...فالإعلام ايضا سلاح باتر في تصحيح الصورة المغلوطة في الغرب، لأن ما حدث ويحدث في البحرين هي لعبة مكشوفة من أجل السيطرة على ما تبقى من الدول العربية تحت طمع غربي صفوي غاشم... بما في ذلك الادعاء بوجود اغلبية شيعية تصل إلى سبعين في المائة من عدد السكان وهو أمر لم تحدده أية جهة رسمية ولم تحدده وقائع السجل المركزي للمعلومات الذي لا يوجد فيه تصنيف للبشر بانتمائهم الطائفي... فمن اين جاء البعض بهذه النسبة... ولماذا لا تسعى الحكومة لتصحيحها بإعلان الأرقام الحقيقية لمواطني البحرين وللأعداد التي تم تجنيسها في الأربعين عام الماضية...فأنا على قناعة بأن هذا الأمر سيدحض الكثير من الافتراءات الكاذبة التي اصبح يرددها الإعلام الدولي وكأنها حقيقة منزلة... كما على الإعلام أن يوضح نسبة الفقر في البحرين حتى لا يتاجر بهذه الحقيقة من يدعي أن الشيعة هم فقراء البحرين... لماذا لا تزود وزارة التجارة والبنك المركزي الإعلام الرسمي وغير الرسمي بالثروات الطائلة التي يملكها الكثيرون ممن ينتمون للمذهب الشيعي؟ بل لماذا لا ننشر على الملأ حجم تلك الاموال التي يدفعها الشيعة للملالي كنصيب في الخُمس؟
لقد فضحت حادثة النصب التي تمت في السنابس كمية الأموال التي كان يديرها شخص تم وصفه بأنه مختل عقليا...فإذا كان المختل عقليا يملك القدرة على إدارة اموال بلغت ١٣ مليون دينار، فما بال الآخرين سليمي العقول؟
ما زلت أذكر البروفيسور تورغاي استاذي في جامعة ماكجيل حين قال لي: «سيأتي يوم تشكرينني على اختيارك لتخصص دراسات الشرق الأوسط»... لم أعلم وقتها وانا ابنة الثمانية عشر ربيعا انه يتحدث عن هذا الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت ملامحه تظهر تحت سيطرة وتحالف امريكي صهيوني صفوي يريد أن يقلب الموازين في بلداننا العربية المسالمة...
متخصص في شئون الشرق الأوسط
.