الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٥ - الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٨ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافة السياسية
التطور الدستوري في مملكة البحرين





وافق مجلس الشورى يوم الأربعاء الماضي على التعديلات الدستورية الجديدة المقترحة على دستور مملكة البحرين بعد أن وافق عليها مجلس النواب قبل ذلك، وهو ما يعتبر محطة تحول تاريخية في التطور الدستوري والتحول الديمقراطي بالمملكة. هذا التحول التاريخي يستدعي تتبع تطور المسار الدستوري في المملكة لفهم التعديلات الدستورية المتوقع التصديق عليها من قبل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه.

الدستور باعتباره أعلى وثيقة قانونية في الدولة تنظم كافة الحقوق والواجبات، والعلاقة بين الأفراد بعضهم بعضاً، وعلاقة الأفراد بالسلطات الثلاث (السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية)، وكذلك العلاقة بين السلطات الثلاث نفسها بعضها ببعض. والدستور أيضاً باعتباره الوثيقة الأساسية والمرجعية لكافة القوانين والأنظمة في الدولة التي يجب ألا تخالف مبادئ الدستور وبنوده من الممكن تعديله في أي وقت بناءً على الآليات والطرق المنصوص عليها في الدستور نفسه.

إن المسار الدستوري في مملكة البحرين شهد في تطوره العديد من المراحل الأساسية منذ استقلال البحرين خلال العام ١٩٧١، ويمكن تقسيم هذه المراحل حسب الآتي:

ـ المرحلة الأولى: شهدت إجراء انتخابات المجلس التأسيسي في مختلف المناطق آنذاك، وكان دور هذا المجلس إعداد مشروع وثيقة الدستور التي لم تكن موجودة في مرحلة ما قبل الاستقلال. وبعد أن تم إعداد هذا المشروع أقرّ من قبل المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل طيب الله ثراه.

ونتج عن هذا الدستور تنظيم السلطات الثلاث وتحديد شكل الدولة، ومن أبرز النتائج التي ترتبت عليه تشكيل المجلس الوطني (البرلمان) بغرفة واحدة منتخبة وبمشاركة وعضوية أعضاء الحكومة. في العام ١٩٧٥ واجهت الدولة تحديات سياسية وأمنية مهمة، دفعت إلى تعليق العمل ببعض بنود الدستور.

ـ المرحلة الثانية: بدأت في العام ٢٠٠٠عندما أبدى جلالة الملك رغبته في إحداث إصلاحات سياسية واسعة النطاق ضمن مشروعه السياسي الطموح للتحول الديمقراطي في الدولة.

وشهدت تشكيل اللجنة العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني الذي أقرّ مجموعة من التعديلات الدستورية الرئيسة لتغيير شكل ومسمى الدولة، وكذلك تطوير مؤسساتها الدستورية المختلفة. وطرح مشروع ميثاق العمل الوطني في استفتاء شعبي عام منتصف فبراير ٢٠٠١ ليحظى بموافقة تشبه الإجماع العام.

بموجب نتائج الاستفتاء وما تضمنه ميثاق العمل الوطني تم تفويض العاهل بتشكيل لجنة وخاصة تقوم بإجراء التعديلات اللازمة على وثيقة الدستور ومذكرة تفسيرية لهذه التعديلات، وهو ما صدّق عليه جلالة الملك في فبراير ٢٠٠٢.

هذه المرحلة تعتبر من أهم مراحل تطور الدستور في مملكة البحرين لأسباب عدة؛ أبرزها: أن الدستور أعاد هيكلة النظام السياسي في البلاد من خلال تعديل وتطوير صلاحيات المؤسسات الدستورية التي تشمل البرلمان (بغرفتين إحداهما منتخبة والأخرى معيّنة) وعلاقته مع الحكومة، بالإضافة إلى السلطة القضائية التي استحدثت فيها النيابة العامة والعديد من المحاكم المتخصصة. بالإضافة إلى ذلك تم إنشاء المحكمة الدستورية التي تتولى مهام تفسير الدستور والتأكد من دستورية مختلف القوانين. أيضاً أقر الدستور بتعديلاته في تلك الفترة تطوير نظام الحكم المحلي ممثلاً في المجالس البلدية الخمسة، وإنشاء ديوان خاص بالرقابة المالية والإدارية. كما فتح المجال أمام العديد من الحريات التي تشمل حرية التعبير وممارسة النشاط العام من تجمعات وتأسيس النقابات العمالية، والجمعيات السياسية التي تلعب دوراً رئيساً في النظام مشابهاً للأدوار التي تقوم بها الأحزاب السياسية. فضلاً عن المساواة في الحقوق السياسية والمدنية بين المواطنين رجالاً ونساءً.

ـ المرحلة الثالثة: هي المرحلة التي تمر بها البحرين حالياً في إطار تطورها الدستوري، وبدأت تحديداً في يوليو ٢٠١١ عندما أطلق جلالة الملك حوار التوافق الوطني بمشاركة كافة مكونات المجتمع، وكان الهدف من الحوار التوفيق بين مختلف الآراء الوطنية لإجراء المزيد من الإصلاحات في مختلف قطاعات الدولة.

ومن القضايا التي تم التوافق عليها في الحوار الوطني آنذاك إجراء سلسلة واسعة من التعديلات على دستور المملكة لتطوير التجربة السياسية ومؤسسات الدولة الدستورية، وكذلك صلاحيات غرفتي السلطة التشريعية (مجلسي الشورى والنواب).

خلال حوار التوافق الوطني تم تحديد الإطار العام للتعديلات الدستورية الجديدة، وطرح مشروع التعديلات على السلطة التشريعية التي وافقت حسب الآلية المعمول بها في مثل هذه الحالات حسب الدستور على التعديلات المقترحة. ومن المقرر أن يتم التصديق على مشروع التعديلات الدستورية من قبل جلالة الملك.

التعديلات الدستورية الجديدة ستساهم في تطوير طبيعة العلاقات بين السلطات الثلاث، وتحديداً تطوير صلاحيات المجلس المنتخب مقابل الغرفة المعيّنة ممثلة في مجلس الشورى، والأهم من ذلك تعزيز دور مجلس النواب في تشكيل الحكومة من خلال منحها الثقة عن طريق الموافقة على برنامجها الذي تقدمه بداية كل فصل تشريعي (الفصل التشريعي أربع سنوات يشمل أربعة أدوار انعقاد).

المسار الدستوري في مملكة البحرين شهد ثلاث مراحل في تطوره، وهي مراحل مهمة ساهمت في تطوير عملية التحول الديمقراطي التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن، وتحديداً منذ العام ٢٠٠١. وما يميّز هذه المراحل أنها تمت بإرادة وطنية خالصة وبرغبة مشتركة من جميع مكونات المجتمع.

معهد البحرين للتنمية السياسية

للتواصل info@bipd.gov.bh







































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة