تجريم الإرهاب أم تجريم من يحمي المجتمع من آثاره؟
 تاريخ النشر : الخميس ٣ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد حمود السعدون *
على الرغم من ان أعمال الحرق والتخريب والاعتداء على المواطنين سواء أكانوا من أفراد الشرطة المكلفين بحفظ الأمن والنظام أم المدنيين تصنف قانونيا بأنها جرائم إرهابية تتوافر فيها الأركان المادية والمعنوية والقانونية للجريمة الإرهابية، حيث تستهدف الإخلال بالأمن والنظام العامين للدولة والنيل من هيبتها وإضعاف قدرتها المادية والبشرية، والتشكيك في قدراتها وأجهزتها على ضمان الأمن والأمان والسلامة الشخصية للمواطنين وممتلكاتهم، وتخريب المنشآت والمرافق العامة، والممتلكات الخاصة، واستنزاف الميزانية العامة للدولة من خلال الإنفاق الذي تتطلبه التدابير الأمنية لمواجهة أعمال التخريب والموارد المالية التي تخصص لإصلاح البنية التحتية والمرافق العامة التي تتعرض للتخريب، وحرف السياسات والخطط التنموية عن مساراتها. والمس بسلامة وحياة الأفراد وبث الرعب في نفوسهم حيث تنطوي الجرائم الإرهابية على أعمال عنف شديد ومفرط قد يؤدي إلى إهدار حياة الكثير من الأفراد الآمنين ممن لا علاقة لهم بالقضايا والشعارات والأجندات التي يتبناها الإرهابيون بغية إحداث الرعب وإيجاد حالة من الاضطراب وانعدام الأمن في المجتمع، مما يلزم الأجهزة الأمنية في التعامل الحازم مع هذه الأعمال وباستخدام الوسائل الرادعة التي تؤدي إلى إيقاف فعل التخريب والحد من آثاره حماية للمجتمع ولا يختلف في ذلك دول متقدمة أو نامية. لا بل ان العديد من دول العالم الحر التي تضمن دساتيرها حرية التظاهر كالمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها، حالما تقدر الشرطة ان المتظاهرين قد تجاوزوا الأطر المسموح بها، تقوم بتفريقهم باستخدام خراطيم المياه أو باستخدام الغازات المسيلة للدموع، أو باستخدام الهراوات أو غيرها، بالإضافة إلى القبض على المتجاوزين للنظام وإحالتهم إلى القضاء، ناهيك عن دول العالم الأخرى التي لا تتوانى عن استخدام السلاح لحفظ النظام والأمن الداخلي. وحينما نقرن هذه الممارسات مع الصبر والانضباط العالي الذي تتحلى به الأجهزة الأمنية في مملكتنا تجاه أعمال التخريب وليس التظاهر المنظم والمنضبط، على الرغم من الإصابات الجسدية والاستهداف الذي تتعرض له دورياتها، لنجد ان لجوء إحدى الجمعيات السياسية المعارضة إلى القضاء لتجريم استخدام الشرطة للغازات المسيلة للدموع كرد فعل لإيقاف أعمال التخريب والحرق، هو دعوة صريحة لاستمرار الأعمال الإرهابية التي هي الفعل الواجب تجريمه وايقافه لما له من أضرار صحية وبيئية كارثية على المجتمع، إذ ان حرق الإطارات وبالتالي حرق أسفلت الشوارع والطرقات، وحرق عربات القمامة، وحرق الإشارات الضوئية ومولدات الكهرباء، علاوة على الآثار الناجمة عن المولوتوف، واستخدام سلندرات الغاز السائل وما ينجم عن ذلك من غازات وأبخرة شديدة الخطورة وذات أضرار صحية آنية ومستقبلية على المواطنين وعلى الكائنات الحية عموما لما تحمله عبر مكوناتها من العديد من الأمراض والملوثات العاملة على تنشيط أنواع وخاصة من البكتيريا والتسبب في الأمراض الاعتيادية والمستعصية التي يمكن ان تصيب سكان المناطق والقرى المجاورة لها، وتعد من الناحية البيئية تخريبا وتلويثا لبيئة المملكة ومجالها الحيوي، تسبب للإنسان الإزعاج والهلع والخوف فضلا عن الضرر الجسدي المباشر أو الوفاة، أو عن طريق الإخلال بالأنظمة البيئية.
وسبق ان أوضحنا في مقال نشرناه قبل عامين في جريدة أخبار الخليج عددا من الأضرار الصحية والبيئية لأعمال الحرق التي أثبتتها تقارير علمية رصينة ، فقد أوضح تقرير للوكالة الامريكية لحماية البيئة ان حرق الإطارات والمواد البلاستيكية الأخرى يؤدي إلى إطلاق مركبات الديوكسين والفوران الشديدة الضرر بالصحة والبيئة، والديوكسين هو الاسم الشائع لمجموعة تتألف من (٧٥) مادة كيمياوية، والفوران يتكون من (١٣٥) مادة كيمياوية، وأهم هذه المواد وأكثرها وجودا وسمية (١٧) مادة منها (٧) لمركبات الديوكسين و(١٠) لمركبات الفوران هي بمجملها نفايات سامة، واهم مصادرهما الاحتراق الناجم عن حرق النفايات المدنية كالورق والأكياس البلاستيكية وبطاريات السيارات، حرق نفايات الصرف الصحي، حرق النفايات الخطرة، حرق النفايات الطبية، حرق النفايات البلاستيكية وعلى الأخص الـ CVP، حرق الجثث (الإنسان والحيوان)، حرق الإطارات، حرق الأخشاب والكتلة الحيوية، حرق الفحم والفيول والديزل، حرق الوقود، حرق الآليات العاملة على البنزين والديزل.
حيث يؤدي الاحتراق إلى انبعاث الديوكسين والفوران بالاضافة إلى الزئبق والزرنيخ والرصاص والكادميوم إلى البيئة الهوائية والمائية والبرية، ويمكن أن يحمل الهواء هذه المركبات المنبعثة من مصادر الاحتراق إلى مسافات بعيدة عن مصادرها قبل أن تترسب فوق المياه أو التربة. إن عمليات الترسيب النهائية لكلا الطورين الغازي والصلب لمركبات الديوكسين والفوران من الهواء تلوث التربة والمياه والرسوبيات القاعية والنباتات، وتهبط هذه المركبات إلى قعر المسطحات المائية والبحار وتتركز في الرسوبيات المائية ومنها إلى الأسماك ثم الإنسان. كما تمتص هذه المواد على الأيدي وأجزاء الجسم المكشوفة للإنسان والحيوان وتخزن في الجسم. وتؤدي عند دخولها إلى الجسم بتراكيز مرتفعة إلى أمراض عدة منها: حساسية واحمرار في الجلد، وقد تصل إلى حروق وتشوهات، كما تسبب قصورا في وظائف الكبد، قصورا في وظائف الجهاز العصبي، خفض مناعة الجسم، وقد تسبب مرض السكري وخفض نسبة المواليد الذكور وتزايد نسبة المواليد الإناث، حدوث تشوهات خلقية في المواليد، وبطء نمو الأطفال. بالاضافة إلى احتمالات الإصابة بمرض السرطان والعقم. فهل الذي يحمي المجتمع من هذه الأمراض والأخطار يطلب من القضاء تجريمه أم الذي يتسبب بها؟
كما سبق أن أظهرت دراسة طبية فلسطينية ان الآثار السلبية الناجمة عن حرق الإطارات إبان الانتفاضة على منطقتين فلسطينيتين الأولى في مخيم جباليا والأخرى شرق مدينة نابلس تمثلت في ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض السرطان، وأمراض الجهاز التنفسي فضلا عن أثرها على الإنجاب، وحدوث علامات تتعلق باختلال نسبة الجنس وضعف الإخصاب والسكر والتشوهات الجنينية والخلقية.
وفي الختام لابد من القول اننا نتمنى الا تضطر قوى الأمن إلى استخدام الغازات المسيلة للدموع، وذلك يتحقق حينما لا يحصل تخريب واعتداء على الأفراد والبيئة والمجتمع ولا يستغل سقف الحرية ولا يتحول حق التظاهر الذي كفله الدستور إلى وسيلة ليس للاضرار بحياة المواطنين وصحتهم وتخريب لبيئتهم فحسب بل لهدم حاضر ومستقبل شعب البحرين وأهلها. ان مواجهة ذلك ووضع حد له من المسئوليات الوطنية التي لا تدانيها مسئولية أخرى، ولا يقتصر على دور الحكومة، وإنما ينبغي ان تشترك فيه جميع منظمات المجتمع من دون استثناء تعبيرا عن وطنيتها الحقة، التي تكون على المحك حينما تشتد تداعيات المحن وتتشابك الأزمات.
.