تباين المواقف الأمريكية من الخيار العسكري تجاه المفاعلات الإيرانية
 تاريخ النشر : الجمعة ٤ مايو ٢٠١٢
القاهرة: أيمن فكري
بين الموقفين الرسمي وغير الرسمي، تباينت ردود الأفعال الأمريكية حيال اعتزام إسرائيل القيام بعمل مسلح ضد الدولة الفارسية على خلفية برنامجها النووي ففي الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأمريكية صراحة رفضها خيار القوة في التعامل مع طهران، تلقت إسرائيل خلال الآونة الأخيرة دراسة بحثية من واشنطن، توصى تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، اعتمادا على صواريخ «أريحا» إسرائيلية الصنع، القادرة على حمل رؤوس نووية، ورغم إصرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما على غض الطرف عن الخيار العسكري عند الحديث عن الملف النووي الإيراني فإنه أعلن مؤخراً أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقف مكتوفة الأيدي، حتى تجتاز الدولة الفارسية العتبة النووية، ولعل ذلك كان ترجمة حية لفشل المساعي الدبلوماسية التي يبذلها أوباما سرا وعلنا مع طهران، في محاوله لوقف برنامجها النووي.
الدراسة الأمريكية التي يدور الحديث عنها، أعدها عدد من باحثي المركز الدولي للدراسات، وتتألف من ١٢٠ صفحة، تختزل في مضمونها العام النص الأصلي والمفصل للدراسة التي تم إعدادها للوقوف على مقدرة إسرائيل في التعامل عسكريا مع إيران، وكفاءتها في تدمير منشآتها النووية، ووفقا لتقرير السياسة في الدولة الفارسية، بإعادة طبع هذه الدراسة، وإصدار منها آلاف النسخ، بعد أن حصلت على النسخة الأصلية منها، وأوعزت طهران إلى قراء هذه الدراسة، من الكوادر السياسية والعسكرية المتخصصة، باستيعاب كل كلمة وصورة واردة فيها، وكانت الأوامر الموجهة لقيادة الحرس الثوري الإيراني في هذا الصدد أشد صرامة، وخاصة أن الحديث يدور حول خطة إسرائيل الاستراتيجية المرتقبة لضرب منشآت إيران النووية في الدولة الفارسية، وتحمل الدراسة الأمريكية عنوانا عريضا هو «دراسة للهجوم الإسرائيلي المحتمل على منشآت إيران النووية» وأدرجت الدراسة في مستهل حديثها عن هذا الهجوم ردا لقائد الأركان الأمريكية المسلحة الجنرال «مايك مولان»على سؤال هل تستطيع إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية؟ فأجاب بكلمة واحدة هي«نعم».
وألمح التقرير العبري إلى تصريحات الرئيس الإسرائيلي «شيمون بيريز» ورئيس الوزراء الحالي «بنيامين نتنياهو» التي دارت حول عدم وجود خيار أمام إسرائيل سوي الخيار العسكري إذا لم تنجح المساعي السلمية أو أية جهة في وقف البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن مسئول عسكري إسرائيلي، حينما أشار إلى أن الدولة العبرية ستعطى الرئيس الأمريكي باراك أوباما فرصة أخيرة أخرى لإقناع إيران بالتخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم حتى نهاية عام ٢٠١٢ وأنه إذا لم يوفق في ذلك فستضطر إسرائيل للعمل عسكريا ضد الدولة الإيرانية، وفي اليوم ذاته بعثت إيران برسالة إلى مجلس الأمن الدولي، أعربت فيها عن تذمرها من التهديدات الإسرائيلية الدائمة خلال الآونة الأخيرة، وطلبت من مجلس الأمن عقد جلسة مباحثات بهذا الصدد وإدانة الدولة العبرية فيها.
وبحسب معلومات التقرير العبري، كانت دوائر عسكرية واستخباراتية أمريكية، قد جزمت خلال السنوات الثلاث الماضية بأن إسرائيل تفتقر إلى القوة اللازمة، لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وتم إدراج هذه التقرير في تقارير علنية وسرية، بالإضافة إلى تسريبات عديدة أخري لوسائل الإعلام الأمريكية والأجنبية، ودار الحديث في هذه الآونة حول مقدرة سلاح الجو الإسرائيلي فقط على إصابة أجزاء صغيرة من المنشآت النووية الإيرانية بسبب انتشار تلك المنشآت في مناطق متشعبة، غير أن الدراسة الجديدة التي نشرتها دوريات عسكرية عديدة في واشنطن وتلقتها إسرائيل وإيران قبل نشرها، عكست حقيقة مغايرة، تخالف ما كان متعارفا عليه في الماضي بين الدوائر العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية والدولة العبرية، وربما في الدولة الإيرانية أيضا، ووفقا للبحث فإن إسرائيل ليست في حاجة لقصف العشرات أو المئات من المنشآت الإيرانية لشل برامج إيران النووي، وإنما تحتاج فقط لضرب ما بين سبع إلى عشر منشآت للوصول إلى هذا الهدف.
الدراسة الأمريكية اشتملت على قائمة بالمنشآت النووية الإيرانية، والأنشطة التي تدور فيها بشكل مفصل، واحتوت هذه القائمة تسعة مواقع، ومن المنتظر أن تتعرض لضربات إسرائيلية وفقا لتوصيات البحث الأمريكي هذه المناطق هي:
١-لاشكر أباد DAB A RAKHSAL، وتوجد هذه المنطقة في الشمال الإيراني ،المتاخم للحدود مع تركيا، ويوجد في هذا المكان وفقا للتقارير الأمريكية والإسرائيلية مواقع تخصيب اليورانيوم.
٢- طهران العاصمة NARHET، وتوجد في هذه المدينة وضواحيها المعامل الإيرانية الرئيسية المعنية بتطوير وبناء أسلحة نووية، بالإضافة إلى وجود عدد ليس بالقليل من المنشآت لتخصيب اليورانيوم.
٣- اراك KARA، تلك المنطقة الواقعة وسط العاصمة، ويوجد بها مفاعل المياه الثقيلة، الذي يمكن الدولة الفارسية من بناء قنابل نووية من مادة «البلوتونيوم» كما يوجد في المنطقة ذاتها وحدة بحثية في هذا المجال.
٤- أصفهان NAHAFSA، وتقع هذه المنطقة هي الأخرى في وسط إيران، وعلى مقربة من تلك المدينة يوجد مفاعل نووي إيراني صغير، بالإضافة إلى أكبر تجمع لمعامل تخصيب اليورانيوم، وبناء أجهزة الطرد المركزي، والأسلحة النووية.
٥- نتانز ZNATAN، تتمركز في هذه المدينة الواقعة في وسط إيران، وتضم المنشآت الأساسية الإيرانية أخرى لتخصيب اليورانيوم.
٦- أردكان NAKEDRA، وتوجد في هذه المنطقة الجزء الجنوبى من وسط إيران، وتضم مواقع إيرانية أخري لتخصيب اليورانيوم.
٧- ساجند DNAHGAS، وتوجد تلك المنطقة في وسط شرق إيران، وتتمركز بها عمليات بيع وشراء اليورانيوم الإيراني.
٨- بوشهر RHAHSUB تقع هذه المنطقة على الخليج العربي، وتحتوي تلك المنطقة على أكبر مفاعل نووي إيراني.
٩- جاتشان NIACAG وتوجد هذه المنطقة على ساحل الخليج العربي، قبالة مضيق هرمز، ويوجد بها عدد من منشآت تخصيب اليورانيوم.
الدراسة الأمريكية بحسب التقرير العبري مرفقة بعدد ليس بالقليل من الصور والخرائط والمواقع والصواريخ النووية الإسرائيلية والإيرانية، بالإضافة إلى جداول شديدة التعقيد، ذات صلة بتفاصيل صغيرة جدا، مثل أنواع القنابل التي من الممكن أن تحملها طائرات حربية من طراز٦١F، وغيرها فضلا عن عدد الطائرات، وكميات الوقود التي يحتاج إليها سلاح الجو الإسرائيلي لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، كما تجيب الدراسة عن سؤال ملح جدا وهو متى وفي أي مرحلة ستحتاج الطائرات الإسرائيلية إلى التزود بالوقود، عندما تنطلق من قواعدها، الجوية في طريقها إلى المواقع الإيرانية؟ بالإضافة إلى نوع البني التحتية الاستخباراتية والالكترونية، التي تحتاج إليها إسرائيل للقيام بتلك الطلعات الجوية، وتوضح الدراسة لخبراء الحرب الإسرائيليين والإيرانيين، في الوقت ذاته، أنه يوجد أمام سلاح الجو الإسرائيلي ثلاث قنوات يمكن من خلالها قصف المنشآت النووية الإيرانية.
القناة الأولي: يطلق عليها القناة الشرقية، وتمر هذه القناة في سماء المملكة العربية السعودية.
أما القناة الثانية المعروفة بالقناة الوسطى فيمر مسارها من الأجواء العراقية.
بينما تجمع القناة الثالثة، التي يطلق عليها القناة الشمالية، المسارات الجوية لكل من تركيا، وسوريا، وشمال كردستان العراق، ولم تتجاهل الدراسة الحديث عن أفضل القنوات الجوية؟ بالنسبة إلى سلاح الجو الإسرائيلي، مشيرا إلى أن المسار الشمالي هو الأفضل على الإطلاق، ولعل أفضلية هذا المسار تعود إلى ما وصفه التقرير بكفاءة سلاح الجو الإسرائيلي في مجال الحرب الألكترونية.
التقرير العبري الذي نشره موقع «دبكا» اختتم حديثه عن الدراسة بالإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى، التي يتحدث فيها الأمريكيون بهذه التفاصيل الدقيقة، فيما يتعلق بالقصف الجوي الإسرائيلي المرتقب للمنشآت النووية الإيرانية، كما ألمح التقرير إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي اعتمد على الآليات الواردة في الدراسة الأمريكية، عند قصفه للمفاعل النووي السوري، والكوري الشمالي في منطقه دير الزور.
.
مقالات أخرى...
- تعيين خبير إنساني على رأس البنك الدولي - (4 مايو 2012)
- حلف «ميركوزي» بين ألمانيا وفرنسا قد يذهب أدراج الرياح - (4 مايو 2012)
- فصل جديد من الحرب الإلكترونية بين إيران والغرب - (29 أبريل 2012)
- معركة كسب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية - (28 أبريل 2012)
- لماذا لم يحقق أردوغان غرضه من زيارة الصين؟ - (27 أبريل 2012)
- الخطايا العشر لجماعة «الإخوان» في مصر منذ ثورة ٢٥ يناير - (27 أبريل 2012)
- المحكمة قد تقضي بعدم دستوريته شرعية البرلمان المصري تنتظر رصاصة الرحمة من المحكمة «الدستورية» - (26 أبريل 2012)
- مأساة أطفال فلسطين في السجون الإسرائيلية الوحشية - (25 أبريل 2012)
- الرئيس التوافقي في مصر.. حقيقة أم وهم؟ - (23 أبريل 2012)