الرئيس التوافقي في مصر.. حقيقة أم وهم؟
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ أبريل ٢٠١٢
القاهرة ـ وكالة الصحافة العربية:
مع بدء العد التنازلي لانتخابات رئاسة الجمهورية في مصر، والمرة الأولى في التاريخ الحديث إن لم يكن في القديم أيضاً، لا أحد يعرف من سيكون رئيساً لأكبر دولة عربية، أكدت القوى السياسية أنها ترفض بشدة فكرة ما يسمى الرئيس التوافقي القادم للبلاد؛ وذلك على خلفية ما أثير منذ فترة حول ترشيح د.محمد نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية؛ حيث انها شددت على عدم إمكانية التوافق على شخص بعينه وفي ظل حالة التباين الكبيرة بين هذه الأحزاب النيابية تختلف عن نظيرتها الرئاسية، التي سيتحكم فيها الشارع المصري بشكل كبير، ولذلك نتساءل حول ما إذا كان الرئيس التوافقي.. حقيقة أم وهما؟
وأكد النائب د.حلمي الجزار عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة أن كلمة توافقي تعتبر ذات دلالات مختلفة بالنسبة إلى كل حزب وكل توجه فالرئيس التوافقي يشترط فيه عدة أمور منها الا يكون مرتبطاً بأي شكل من الأشكال بالنظام السابق، وأن يدرك جيداً ما عاناه الشعب المصري طوال الحقبة الزمنية الماضية إن لم يكن قد مر هو شخصيا بهذه المعاناة وأن يكون له خبرة سابقة في أعمال إدارية أثبت فيها أنه شخصية قادرة على النجاح والتميز في الإدارة، ويتمتع باستيعاب فكري لكل أطياف الشعب المصري باختلاف توجهاته الفكرية والسياسية، ولابد أن يحمل الرئيس المقبل عقيدة أغلبية هذه الأمة، ويعلن احترامه للشريعة الإسلامية والتزامه بالمنهج الإسلامي، وأخيراً ألا يكون ذا علاقة بالمؤسسة العسكرية سواء في الماضي أو الحاضر وخاصة أن جميع الشعب المصري عانى كثيراً الحكم العسكري خلال الستين عاماً الماضية.
واستبعد الجزار بشدة حدوث توافق على الرئيس القادم نتيجة حالة الاستقطاب التي سادت مؤخراً بين جميع القوى السياسية والثورية، مشيراً إلى أن الشعب المصري هو الحكم في نهاية المطاف وهو من سيقرر بنفسه ما إذا كان الشخص المرشح يصلح لقيادة البلد في هذه المرحلة أم لا.
وقال: نرفض فكرة الرئيس التوافقي لأن رئيس مصر القادم سيكون منتخباً بإرادة شعبية حرة وخالصة، والشعب قادر على التمييز ولم يقرر بعد من المرشح الذي سيدعمه في الانتخابات الرئاسية وان الأمر لايزال مطروحاً حتى بعد إغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية.
التوافق ليس واردا
وأكد د. بسام الزرقا، عضو الهيئة العليا لحزب النور، أن القوى السياسية لن تستطيع الضغط على الشارع المصري في اختيار رئيس بعينه مهما كانت قوتها، لافتاً إلى أن مسألة التوافق على الدستور أو اختيار رئيس البرلمان كان بيد نواب الشعب داخل البرلمان، في حين يختلف الأمر بالنسبـة إلى الرئيس في الشارع المصري، لأن الأمر سيكون في البداية والنهاية بيد الأغلبية الصامتة التي لن يستطيع أحد مهمـا تكن قوته التحكم في اختياراتها.
وأشار إلى أن التوافق السياسي بين بعض الأحزاب على رئيس بعينه لن يكون عاملاً لنجاح المرشح المحتمل وخاصة أن الانتخابات الرئاسية تختلف عن نظيرتها في البرلمان، حيث نوه بأن هذه الأحزاب كان لها الفرصة في أخذ نصيبها من الشارع بمقعد في البرلمان فاتسع للجميع رغم اختلاف أيديولوجياتهم وتوجهاتهم، فان المقعد سيكون مقعدا واحدا لرئيس واحد لن يستطيع التحكم في اختيار صاحبه إلا هذه الأغلبية.
بدروه، أوضح د. طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية أنه ليس من المناسب في الظروف الراهنة الوصاية على الشعب المصري من خلال طرح مصطلح الرئيس التوافقي، مؤكداً ان هذا الطرح قد يضرب بهذه الأحزاب أكثر من إفادتها؛ لأن انتخابات الرئاسة ستكون تحديا حقيقيا وكبيرا في مدى تعبير هذه الأحزاب عن الأغلبية الصامتة، التي أكد أنها لن تستطيع إنجاح مرشحها مطلقاً، وستكون كلمة الفصل للأغلبية التي لا يستطيع أي حزب أن يعبر عنها.
بدوره قال أحمد خيري، المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار، ان مصطلح رئيس توافقي هو تعبير انتخابي مستحدث للتعبير عن اتفاق مبدئي بين مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية حول مرشح لمنصب معين، وهو ما ظهر الآن مع قرب انطلاق الانتخابات الرئاسية، إلا أنه أكد أن كل فصيل لن يستطيع أن يعبر إلا عن نفسه وأتباعه فقط وخاصة مع اختلاف الانتخابات الرئاسية عنها في البرلمان.
وأضاف أن التيارات السياسية لن تستطيع الفصل في نجاح مرشح الرئاسة لأن هناك حالة من التناحر واضحة بين هذه الأحزاب وأيديولوجياتها حتى وصل هذا الاختلاف إلى القاعدة الشعبية في كل حزب حيث ينقسم السلفيون على أنفسهم في اختيار بعض المرشحين وكذلك بعض التيارات الأخرى، وهو ما لن تستطيع معه هذه الأحزاب التعبير عن كلمة الأغلبية الصامتة التي تمتلك المعايير الحقيقية في اختيار الرئيس القادم، مؤكداً في حال ما إذا جرى توافق بين الأحزاب، وهو أمر مستحيل فلن يكون مقياسا لتوجهات الشارع لأنه قد يكون له رأي آخر.
من جانبها رفضت الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد القيادية البارزة بحزب الجبهة الديمقراطية استخدام لفظ توافقي على الرئيس القادم معتبرة أن توافق الأحزاب المنتخبة على مرشح بعينه لا يعني ذلك أنه سيكون محل اتفاق من الإرادة الشعبية، واعتبرت إصرار بعض الأحزاب السياسية على تصدير مرشح واحد للانتخابات الرئاسية باعتباره المنقذ الوحيد لمصر انه إغفال بشع للإرادة الشعبية.
وأكد سكينة فؤاد أن من حق كل حزب أن يعلن دعمه لمرشح بعينه بحسب توجهاته وأيديولوجيته الخاصة لكن في الوقت نفسه ليس من حق أحد أن يصادر الإرادة الشعبية بحجة أنهم أكثر وعياً أو ثقافة من عموم الشعب، وأن ذلك يعتبر ديكتاتورية جديدة. ان المجلس العسكري أو الإخوان المسلمين أو الليبراليين لهم تفضيلاتهم الخاصة وهذا مفهوم لكن كل مواطن مصري له الحق في أن يختار من يشاء وفقاً لرؤيته التي قد تتوافق مع رؤية أي من هؤلاء الفاعلين السياسيين أو تختلف معه.
فكرة فاشلة
وذكر عبدالمنعم إمام، عضو المكتب السياسي لحزب العدل، ان فكرة التوافق حول الرئيس القادم فاشلة جدا وغير مقبولة البتة، لأنه ببساطة من سيتوافق حول من؟ والأعراف الديمقراطية لا تعرف كلمة التوافق بل المنافسة الشريفة، وخاصة أن مرشحي الرئاسة أنفسهم لن يتوافقوا وكذلك القوى السياسية المختلفة التي تتصارع وتتناحر فيما بينها.
وهو ما اتفق معه حسين عبدالرازق، عضو المجلس الرئاسي لحزب التجمع، قائلاً: إن التوافق حول ترشيح شخص ما للرئاسة أمر غير عملي ولا يمت للواقع بصلة، في ظل الاتجاهات المتعددة والمختلفة، ولذلك يجب على القوى السياسية ترك حرية الاختيار كاملة من دون أي إملاء أو وصاية من أحد، كما أن هناك صعوبة بالغة في الاتفاق بين القوى السياسية.
وتساءل: لا أفهم ماذا يعني الرئيس التوافقي؟ فلا يوجد في عالم السياسة شيء اسمه رئيس توافقي، ولكن بالتأكيد كلنا نعرف الرئيس المنتخب، لماذا نريد اختراع العجلة دائماً؟ نحن نرفض ذلك بل نتصدى له بقوة.
وأضاف د. إيهاب الخراط، عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي، أنه من رابع المستحيلات أن يكون هناك توافق حول شخص الرئيس فكل فصيل سياسي له حساباته المختلفة تماماً عن الآخر، فكل يعمل وفق أجندة ورؤية خاصتين به، منتقداً بحدة النخبة التي تدعو لذلك قائلاً: فلتقرر النخبة ما تشاء، ولكن الشارع سيصوت لمن يشاء.. الرئيس التوافقي أصبح مصطلحاً سيئ السمعة ويثير استياء الكثيرين.
وأشار أحمد ماهر المتحدث باسم حركة ٦ ابريل إلى أن كلمة توافقي خرجت مباشرة عقب تنحي الرئيس المخلوع حينما كانت القوى السياسية وقتها تسير في اتجاه واحد، واتفقت وقتها على ضرورة أن يأتي الرئيس القادم رئيسا توافقيا يعبر عن الثورة المصرية ويسعى لتحقيق أهدافها، معتبراً ذلك أمراً مشروعاً ويحدث في دول العالم الديمقراطية كافة وأن ذلك من قواعد اللعبة السياسية.
وأكد ماهر أن شباب ٦ ابريل يرحبون بمبدأ التوافق إذا كان الغرض منه توافق القوى السياسية التي شاركت في الثورة على رئيس بعينه، رافضاً أن يكون المقصود بكلمة توافقي هو توافق المجلس العسكري والإخوان على المرشح ورضاهما عنه وكذلك رضا القوى الخارجية عليه بغض النظر عن اتفاق القوى الثورية عليه أم لا.
إلا أن ماهرا في الوقت ذاته جزم بأن التوافق لم ولن يحدث لأن وحدة القوى السياسية والثورية تفككت من دون رجعة وكل يعمل بحسب ما يراه صحيحاً ويحقق مصالحه التي يبني عليها قراره.
فرض وصاية
من جانبه اعتبر المفكر جمال أسعد عضو مجلس الشعب السابق، أن إثارة مصطلح رئيس توافقي هي بمثابة فرض وصاية غريبة على الشارع المصري الذي سيكون له الحق الأول والأخير في اختيار رئيسه أول مرة، رافضاً الترويج لهذا المصطلح الذي يستخدمه بعض الوسائل الإعلامية في الترويج لمرشحين بعينهم، لافتاً إلى أن هناك فرقا في التوافق مثلاً على دستور البلاد الذي يجب أن يمثل كل الطوائف والتيارات وبين الرئيس الذي سينتخبه الملايين لتحقيق طموحاتهم.
وقال إن المعيار الأساسي في انتخاب الرئيس هو برنامجه الذي سيحكم الشعب عليه وليس توافق الأحزاب والتيارات السياسية، مؤكداً أن هذه الممارسة السياسية هي وصاية غير مقبولة شكلاً وموضوعاً على الشعب المصري الذي أحدث هذه الثورة العظيمة وعلى ذكائه في التمييز بين الغث والسمين وبين المرشح الذي يستطيع التعبير عن أحلامه وبين المفروض عليه من خلال تأثير بعض الأحزاب في عقله.
وراهن اسعد على أن الشارع المصري سيكون له الكلمة العليا والأخيرة في انتخاب رئيسه، معتبراً أن حديث النخبة السياسية عن الرئيس التوافقي هو استمرار لسير هذه الأحزاب في فلك مختلف عن نبض الشارع، وأن الاحزاب السياسية لن تستطيع الفصل في وصول أي مرشح للرئاسة بصرف النظر عن إمكانياتها في دعمه بصورة كبيرة.
.
مقالات أخرى...
- تجدد التنافس التركي الإيراني على الشرق الأوسط - (23 أبريل 2012)
- يوم الأسير الفلسطيني.. معان ودلالات وأرقام أكثر من ٢٠ ألف أسير فلسطيني معتقلون بلا تهمة منذ عام ٢٠٠٢ - (21 يناير 2012)
- كل الخيارات لا تخلو من مرارة صراع العسكر والإخوان في مصر.. مع من تقف القوى المدنية؟ - (21 يناير 2012)
- هل تنتقل شرارة الاضطرابات من سوريا إلى لبنان؟ - (20 أبريل 2012)
- مفكرون وحقوقيون يؤكدون: الثورة المصرية تسير بخطى بطيئة ولكنها نحو النجاح - (20 أبريل 2012)
- غرائب ما يحدث في لبنان.. احتفاء بعميد عميل لإسرائيل! - (19 أبريل 2012)
- مخاوف إسرائيلية من تحول سيناء إلى قنبلة موقوتة دعوات إسرائيلية للتوغل في سيناء واحتلالها - (18 أبريل 2012)
- بعد إعلان برقة إقليما فيدراليا مستقلا تحذيرات من تداعيات تقسيم ليبيا على الأمن القومي المصري - (18 أبريل 2012)
- خبراء يؤكدون: أعضاء البرلمان المصري يفتقدون الخبرة السياسية - (16 أبريل 2012)