تعيين خبير إنساني على رأس البنك الدولي
 تاريخ النشر : الجمعة ٤ مايو ٢٠١٢
واشنطن - من « أورينت برس»
لم يشكل تعيين الامريكي من اصل كوري جيم يونغ كيم تطوراً خارقاً بالنسبة إلى البنك الدولي، فحتى الآن لطالما كانت الولايات المتحدة تستحوذ على الحق الحصري في ترشيح أي شخص تريده لتولي هذه المؤسسة المالية الدولية بما في ذلك زعماء غير ملائمين من المصرفيين أو الساسة الذين افتقروا إلى المعرفة والدراية بادارة دفة البنك الدولي. وليس مفاجئا انها اختارت اليوم طبيباً في مجال الصحة العامة لرئاسة البنك.
بهذا الترشيح، يكون كيم الأمريكي الـ ١٢ الذي يترأس هذه المؤسسة. ومنذ إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عبر اتفاقيات بريتون وودز عام ١٩٤٤ كانت شخصية أوروبية ترأس دائما صندوق النقد، في حين أن البنك الدولي يترأسه بشكل حصري شخص أمريكي. ويختار الأعضاء الـ ٢٥ في مجلس إدارة البنك الدولي رئيسه بالتوافق ومن دون تصويت.
يتمتع كيم بخبرة طويلة في مجال الطب والعمل الانساني ومساعدة الدول النامية، لكن هل سيتمكن من الاضطلاع بمهام البنك الدولي كما يجب؟
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
برع جيم يونغ كيم، الذي اختير رئيسا جديدا للبنك الدولي، في كل شيء مارسه في حياته لذلك هناك توقعات كثيرة بأنه سيكون على قدر المنصب، وسيتمكن من مقاربة موضوعات كالفقر والمرض ومساعدة الدول النامية اذ ان له باعاً في هذا المجال.
الطبيب الذي يبلغ ٥٢ عاما والذي يحمل دكتوراه في علم أصول الإنسان الأنثروبولوجيا، أمضى أكثر من ٢٠ عاما في مكافحة السل والايدز ومرضى الدرن في دول نامية مثل هايتي والبيرو وإفريقيا. وقد حقق انجازات انسانية كبيرة في هذا الاطار، من هنا فقد يتمكن من وضع اجندة واقعية تجعل البنك الدولي يضطلع بأدوار انسانية اكبر.
تاريخ حافل
بالنظر إلى تاريخه المهني فهو حافل بالانجازات. في عام ٢٠٠٩، أصبح كيم رئيسا لكلية دارتموث المرموقة، وفاز بلقب «عبقري» من مؤسسة «ماك آرثر فاونديشن» عن عمله. كما انه أسهم في تأسيس منظمة «شركاء في الصحة» التي تقدم مساعدات إنسانية، وترأسها. واضطلع بدور ريادي في تطوير نظام معالجة مرض الدرن المصمم خصيصا للدول الفقيرة. ونفذ البرنامج منذ ذلك الحين في ٤٠ دولة.
الى ذلك، عمل كيم مديرا لبرنامج مرض نقص المناعة المكتسب (إيدز) في منظمة الصحة العالمية، حيث روج لمبادرة مكنت من علاج ثلاثة ملايين مصاب بفيروس «إتش آي في» المسبب للمرض. وفي عام ٢٠٠٤ اختير ضمن أكثر مائة شخصية تأثيرا في العالم.
بناء على ذلك، تحدث الرئيس الامريكي باراك أوباما عن كيم بانه يملك «خبرة عالمية حقيقية» اكتسبها «من آسيا، إلى إفريقيا، إلى الأمريكيتين، من العواصم وحتى القرى الصغيرة». واضاف: «ان كيم أمضى أكثر من عقدين من الزمن يعمل من أجل تحسين الأوضاع في الدول النامية في أنحاء العالم».
توجهات كيم
لكن المفارقة انه منذ مباركة البيت الأبيض ترشيحه للمنصب، وحتى عشية اختياره، لم يكن كيم قد تحدث على نحو واضح عن توجهاته وآرائه في القضايا التنموية والاقتصادية عالمياً، ما يجعل توجهاته غامضة جداً، وهو ما زاد من الانتقادات لاختياره والتكهنات في شأن ولايته التي تنتهي عام ٢٠١٧، ولاسيما أن العالم يمر اليوم بمرحلة معقدة تتنازع فيها الأفكار والاتجاهات بشأن السبل الكفيلة بإنقاذ الرأسمالية من أزمتها.
غير أن كيم سرعان ما قلل من أهمية تلك الانتقادات حيث قال في تصريح له إن «التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر أكثر تعقيداً بحيث لا يكفي نهج واحد لمعالجة هذه المشاكل الكبرى. وللبنك الدولي عدد كبير من الخبراء المحنكين وأنتظر بفارغ الصبر العمل معهم».
وحدد الرئيس الجديد للبنك الدولي ملامح خطته للعمل في بيان أصدره في وقت لاحق أكد فيه أنه سيعيد اصطفاف مجموعة البنك الدولي في عالم يتغير بسرعة وبالتعاون مع «شركاء قدامى وجدد، وسنعزز مؤسسة تتجاوب بفعالية مع حاجات زبائنها ومانحيها المتنوعين، وتقدم نتائج قوية تدعم النمو، وتضع أولوية للحلول التي تستند إلى الأدلة بدل الأيديولوجية، وتسمع أصوات البلدان النامية».
وقال انه يضع النمو القائم على السوق على رأس أولوياته، مشيرا إلى أن «النمو القائم على السوق يعتبر أولوية بالنسبة إلى أي دولة داخل النظام الرأسمالي». واعتبر أن دعم هذا النوع من النمو يعتبر أفضل طريقة لتوفير فرص العمل واخراج الفقراء من حالة المعاناة.
ورداً على سؤال بخصوص مدى الإسهامات التي سيضيفها للمؤسسة الدولية في منصبه الجديد، أشار إلى أنه يتمتع بخبرة كبيرة في الدول النامية ونظام التعليم العلمي. وأضاف كيم «أنا في الأساس طبيب، والأطباء يعملون بناء على التجارب والأدلة، وليس وجهة نظر سياسية معينة».
أمر واقع
ورغم كل ما يقال عن قلة خبرة الرجل السياسية والمالية، فقد أصبح أمر تولي جيم يونغ كيم رئاسة مؤسسة دولية تضم ١٨٧ بلداً عضواً وتقدم قروضاً بمستوى ٢٥٨ مليار دولار أمريكي، أمرا واقعاً، رغم انه تعرض لمنافسة كبيرة هذا العام من قبل خوسيه أنطونيو أوكامبو من كولومبيا ونجوزي أوكانجو - إيويالا من نيجيريا، وقد دانت جهات كثيرة عملية تعيين كيم من قبل الولايات المتحدة بشكل تعسفي واعتبرت ان عملية التعيين كانت مشينة اذ تم الضغط على المرشحين الآخرين كونهما ينتميان إلى دول نامية ليس لها كلمة على الساحة الدولية، لكن الحقيقة ان كيم كان قد حظي بدعم دول كبرى عدة ابرزها روسيا والصين.
وسيتولى جيم مهام منصبه في وقت يعتمد فيه البنك على نحو متزايد على مؤسسات الاستثمار الخاصة والأسواق الكبيرة الصاعدة مثل الصين في تمويل اقتصادات الدول النامية، وهو ما يمثل تحديا لبرامج الإقراض التي يضطلع بها البنك في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، لذلك من المفيد ان يكون على رأس البنك شخص مطلع على أوضاع البلدان النامية وحاجيات اقتصادها.
ومنذ الاعلان عن ترشيحه، اعتبر المنتقدون لترشيح كيم أن الرجل يفتقر إلى المؤهلات الأساسية للمنصب مثل خبرة الإدارة الحكومية والخبرة في مجالات الاقتصاد الكلي والمالية، في المقابل استقبل الداعمون لقرار أوباما بترشيح جيم يونغ كيم بشكل جيد، أن خبرة كيم في مجالي الصحة والتنمية وبكلية دارتموث تجعله في وضع ممتاز يتسنى له من خلاله إعادة صياغة دور البنك الدولي في قضايا التنمية العالمية.
قيم أكثر إنسانية
ومن البديهي أن يحظى اختيار كيم بترحيب وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غاتنر الذي رأى أن خلفية الرئيس المهنية «سيكون لها قيمة في تعزيز عمل البنك في مكافحة الفقر»، مشيرا إلى أن «خلفيته التنموية العميقة بالإضافة إلى تفانيه في التوصل لتوافق في الآراء سيساعدان في بث حياة جديدة في جهود البنك لضمان النمو الاقتصادي السريع».
اما الذين عملوا مع كيم فقد تأثروا بقدرته على معالجة المواقف المعقدة في البيئات الصعبة مثل هايتي التي كلف فيها بإقناع الحكومة باتخاذ خطوات لتجنب تفشي مرض السل، كأقل مثال على جهوده، وبالتالي هم يؤكدون انه سيتمكن من تحقيق تغيير ايجابي في عمل البنك الدولي. ولكنه سيعيد من دون شك توجيه البنك الدولي نحو قيم أكثر إجتماعية وانسانية بدل ان يكون مجرد اداة للرأسماية تحركها الدول الكبرى بما يخدم مصالحها.
لغاية الآن، كان رؤساء البنك رجال سياسة أتوا من الحكومة الأمريكية مثل روبرت ماكنمارا وروبرت زوليك أو حتى محامين أيضاً، لكن ليس من الضرر بمكان ان يتم اختيار طبيب متفان لمعالجة الخلل في عمل مؤسسة كالبنك الدولي.
.
مقالات أخرى...
- تباين المواقف الأمريكية من الخيار العسكري تجاه المفاعلات الإيرانية - (4 مايو 2012)
- حلف «ميركوزي» بين ألمانيا وفرنسا قد يذهب أدراج الرياح - (4 مايو 2012)
- فصل جديد من الحرب الإلكترونية بين إيران والغرب - (29 أبريل 2012)
- معركة كسب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية - (28 أبريل 2012)
- لماذا لم يحقق أردوغان غرضه من زيارة الصين؟ - (27 أبريل 2012)
- الخطايا العشر لجماعة «الإخوان» في مصر منذ ثورة ٢٥ يناير - (27 أبريل 2012)
- المحكمة قد تقضي بعدم دستوريته شرعية البرلمان المصري تنتظر رصاصة الرحمة من المحكمة «الدستورية» - (26 أبريل 2012)
- مأساة أطفال فلسطين في السجون الإسرائيلية الوحشية - (25 أبريل 2012)
- الرئيس التوافقي في مصر.. حقيقة أم وهم؟ - (23 أبريل 2012)