فنون الدعاية بسينما رفع الغطاء وأعواد ثقاب وبوسترات
 تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
بقلم: فيصل عبدالحسن
افتتح في المركز الثقافي الاسباني «سيرفانتس» بالرباط يوم ١٢ ابريل ٢٠١٢ معرض للوحات والصور الفوتغراقية، والبوسترات، والافلام، وأدوات الدعاية بين عامي ١٩٧٦ - ٢٠١١، وقد حضر الافتتاح مفوض المعرض رامون أديل أرخيليس، الذي أسهم بشروحات وافية لما معروض من لوحات وأعمال فنية، وقد تميز المعرض برسومات لفنانين مشهورين مثل خينوبيس ومجموعة كرونيكا وكينو وخوسي رامون سانتشيث، وخوسي رامون بايتستيروس، وكوبري، وأغاتا رويث دي لا برادا، كما خصص في المعرض جناح صغير للملصقات، والصور والمطبوعات لبعض اللقطات من افلام مختلفة المستوى، حاول مخرجوها أن ينقلوا وجهات نظر الجهات السياسية التي يمثلونها، والتي تحث النائب الأسباني البسيط على انتخاب الجهة السياسية التي صور الفيلم من أجلها، فنجد لقطات من فيلم «النائب» ١٩٧٨ وفيلم «صوتوا لغوندينسالبو» ١٩٧٨ وفيلم «عمدة بالانتخاب» ١٩٧٦ و«العمدة والسياسة» ١٩٨٢ وفيلم «صوت السيد كايو المتنازع عليه» ١٩٨٦ المأخوذ عن رواية لميغيل ديليبيس وبالعنوان نفسه.
لقد كانت الافلام السينمائية في بداية المرحلة الانتقالية طفرة نوعية في سياق التوظيف السياسي، الذي شجعته حرية التعبير في اسبانيا، وما سمي وقتها في أثناء تمثيل تلك الأفلام سينما «رفع الغطاء» التي خلال تصويرها يخلع الممثلون ملابسهم في بعض المشاهد لزيادة حماسة الناخبين، لانتخاب مرشح بذاته، أو لكي ينبهوا إلى حالة ما سلبية في سياسة الحكومة السابقة، ينبغي تغييرها مهما كانت الظروف والأحوال حتى بخلع الملابس والبقاء عراة تحت رحمة عدسات التصوير.
يعتبر هذا المعرض سياحة فنية حقيقية فيما انتجته مواهب الفنانين الأسبان خلال خمسة وثلاثين عاما من الدعاية السياسية للمرشحين للانتخابات الاسبانية، وقد قسم المعرض إلى أجنحة وضم كل جناح اللوحات والصور والبوسترات السياسية، وكذلك أدوات الدعاية الانتخابية الصغيرة، وما سمي «ادوات الترويج الانتخابي» كالملصقات الصغيرة، الشارات، العلامات، المسكوكات المعدنية، دفاتر اليوميات، قسائم الشراء، حاملات المفاتيح، الأقلام والأوراق، الأكواب، شفرات الحلاقة، مكعبات روبريك، وما يوضع على الصدر من شعارات، وما كان يطبع على الملابس الخاصة التي يستخدمها المروجون للمرشحين، خلال سنة الانتخابات، وقد وضعت نماذج من تلك الحاجات الصغيرة في رفوف ضمن المعرض، وقد بدأت الأجنحة بسنة ١٩٧٦ وقد تميزت تلك السنة، وما بعدها بعلب أعواد الثقاب، التي تحمل إشارات انتخابية، والولاعات ومنافض السجائر، التي كانت في وقتها من أهم الوسائل دعاية للمرشحين، وبعد ذلك ظهرت اليوميات، وأقلام الحبر، وأوراق النرد، والأسطوانات والأشرطة السمعية، وأشرطة الفيديو، ولُعب الأطفال، وقرب النبيذ، والمصابيح اليدوية، والسكاكين، وانتهت بجناح لسنة .٢٠١١
لقد منحنا المعرض نماذج من استفادة السياسي من الفنان ومن المثقف، فقد وظف الفن ووظفت الثقافة في صلب العملية السياسية، وليس كما في الدول الحديثة الديمقراطيات التي يعتبر سياسيوها - عن جهل وتخلف عما يحدث في العالم - الفن زائدا على الحاجة والثقافة لا مبرر لوجودها في الجهد الانتخابي، أو السياسي، لقد عبر الفنان والمثقف عن نفسه بما خطه من شعاراتها، وكذلك الفنون البصرية التي استخدمت في كتابة اسماء مرشحيها، ورأينا عبر اللوحات والصور كيف تطورت مختلف أساليب الاقناع المستعملة وبما توفره التقنيات للتواصل مع الناخبين، ومن خلال ما عرض في المعرض وبشكل كرونولوجي، مختارات جماعية من أكثر من خمسين إعلانا، ومئات البوسترات، والأشياء المتميزة التي زينت بها المدن والقرى الاسبانية خلال العقود الثلاثة ونصف العقد الأخيرة، إعلانات وأشياء كانت تدعو المواطنين إلى التصويت لصالح حزب معين أو لتحالف ما أو لصالح مقترح وطني أو ضده، وقد حمل المعرض صور بعض المرشحين، الذين صاروا فيما بعد رؤساء حكومات في اسبانيا مثل: «أدولفو سواريث، فيليبي غونثاليث، خوسي ماريا أثنار، خوسي لويس رودريغيث ثابا تيرو، ماريانو راخوي».
المنظمون لهذا المعرض أخضعوا ما توافر لديهم من لوحات وصور وبوسترات إلى انتقائية لاختيار النماذج التي تمثل المرحلة، وقد ركزت انتقائيتهم في جمالية الرسم أو أهمية الرسالة التي يوصلها إلى المشاهد، أو ابتكاره المتفرد بالتقاط الصورة أو موضوعها، فجميع الملصقات المختارة لها رسائل خاصة أو هي «تقول شيئا ما» لنعرف خفايا تلك المرحلة، وهواجس ناخبيها ومرشحيهم، إضافة إلى الملصقات التي تمثل مرحلة كلاسيكية في فن البوستر أو الإعلان الانتخابي، التي تتميز بصور للمرشحين المرجعيين وشعار الحملة في تلك الفترة، والخط والطريقة اللتين كتب بهما اسم الحزب، وهذه المرحلة الكلاسيكية هي السائدة اليوم في الانتخابات في دولنا العربية على سبيل المثال، بينما تجاوز العالم هذه الطرائق الدعائية منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وقد صارت الدعاية الانتخابية فنا راقيا مبدعا يتوسم أرقى ما خلقه الله تعالى في الإنسان عقله، وتفهمه للحق والعدل والجمال والبحث عن الانصاف، وتحقيق المجتمع الخالي من الظلم، والقهر، وسيادة الأقوياء الغاشمة.
ومما عرض من لوحات وبوسترات دعائية نرى أن بعض مثقفي اسبانيا المعروفين وكتابها ظهروا في تلك المعروضات كمرشحين من أمثال «الروائي غابرييل ثيلايا والشاعر الكبير روفائيل ألبيرتي»، ومن الملاحظات أنه مع مرور السنوات أصبحت الحملات الانتخابية وخاصة في الأحزاب الكبيرة تدرس بشكل أكثر عمقا ويشرف عليها فنانون ومثقفون مهمون، وتقنيون، وتصل إلى الناخب عبر وسائط متعددة بعد أن تطورت وسائل الاتصال «الراديو، السينما، التلفزيون» وخاصة التقنيات الحديثة «الانترنت، المواقع الالكترونية» التي أضافت إلى النشاط الدعائي «المدونات الخاصة، الفيسبوك، التويتر، وغيرها».
لقد غطى المعرض بحق ٣٥ عاما من فنون الدعاية الانتخابية في اسبانيا.
* كاتب وصحفي
.
مقالات أخرى...
- قصة قصيرة الشاعـــــــــــــــــــر (٢) - (12 مايو 2012)
- «فضائح الترجمة».. كتاب يكشف مشكلات وطرائف المترجمين - (12 مايو 2012)
- الأرضُ تحت الأنقاضِ مشاهدٌ روائيةٌ من غزو (١٦) - (12 مايو 2012)
- قضايا ثقافية شيء عن القصيدة الرمزية - (12 مايو 2012)
- أسرٌ مضطربة في (همسات نافذة) لنورا بوغيث - (12 مايو 2012)
- لمسة وفاء: تجربة راشد نجم - (12 مايو 2012)
- الباحثة: ضياء الكعبي: لا أحبُ أن أنتمي إلى الأوساط الثقافية الموبوءة - (12 مايو 2012)
- دخيل خليفة: نصٌ إبداعيٌّ وإنساني - (5 مايو 2012)
- قضايا ثقافية غربلة الثقافة - (5 مايو 2012)