الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٠ - الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


إعادة القطار الخليجي إلى سكّته الصحيحة





كتبت في العام الماضي في عمودي المتواضع أنه بحسب المفهوم التقليدي أو الدارج للثورة فإن ما يمكن تسميته «الثورة» التي حصلت في البحرين قد فشلت، ولم تحقق أهدافها المتمثلة في إسقاط النظام. غير أنه وفقاً للاستقصاء والبحث والمعاينة على أرض الواقع الآن فإن ثورة البحرين قد نجحت بمختلف المقاييس في إحداث التغيير الذي يقصده عدد من المفاهيم الحديثة لمعنى مصطلح (الثورة) والذي يعني التغيير الذي يحدثه الشعب سواء في الأوضاع السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية أو الاقتصادية. واستطردت آنذاك في ذكر عدد من هذه التغييرات الإيجابية على المستوى المحلي. ثم أفردت عموداً آخر لإيجابيات ما حصل في البحرين على المستوى الخليجي، لا غضاضة بالنسبة الي أن أعاود نشرها بمناسبة انعقاد القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي من المؤمل أن تبحث اليوم مسألة إعلان صيغة اتحاد طال انتظاره بين البحرين والسعودية. الإيجابيات التي أحصيتها تتلخص في: أولاً: إعادة بعث روح الانتماء الخليجية لدى شعوب دول مجلس التعاون ودفعهم مع قياداتهم لدق نواقيس الخطر والإحساس بقيمة وحدتهم والشعور بالمصير المشترك الذي يربط علاقاتهم والعمق الاستراتيجي بينهم ويضع على عاتقهم مسؤوليات جديدة للمرحلة المقبلة من العمل الخليجي عنوانها: «ست دول في وطن واحد» يتمكنون من خلالها من مواجهة سائر التحديات والتهديدات المحيطة بدولهم بما في ذلك التحالفات المشبوهة والأدوار المتبادلة بين الأمريكان والإيرانيين وأطماعهم المعروفة لتقاسم الكعكة الخليجية.

ثانياً: دخول قوات درع الجزيرة لأراضي مملكة البحرين تفعيلاً للاتفاقيات والمعاهدات الأمنية والدفاعية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ثاني مشاركة لها منذ تأسيسها إذ كانت المشاركة الأولى لها في عام ٢٠٠٣م إبان حرب تحرير الكويت. هذه القوات شكلت بدخولها للبحرين ضمانة مفادها دعوة الى الانتباه إلى العمق الاستراتيجي للبحرين، كما رفعت رسالة الى الطامعين والمتآمرين والمتربصين وخاصة على الضفة الأخرى للخليج فحواها أن البحرين ليست وحدها. والجميع عرف بعد ذلك أن هذه الضمانة والرسالة التي مثلتهما درع الجزيرة (لخبطت) الأوراق ولم يكن دخولها البحرين في حسبانهم ووارد احتياطاتهم.

ثالثاً: بروز موقف خليجي موحد تجاه أحداث البحرين ومؤيد لطريقة معالجة حكام البحرين للأزمة، وفوق ذلك الدعم الاقتصادي الذي تقرر لمساعدة البحرين خلال الفترة المقبلة؛ كلّ ذلك هو نجاح محسوب بكل المقاييس لثورة البحرين يتضاعف أكثر عند النظر الى حجم الالتفاف والاهتمام الشعبي عند دول الخليج بما حدث في البحرين، بل تزداد أهميته لكونه الموقف الذي نال إجماع دول المجلس واتفاقهم عليه بعد عدة سنوات من التذبذب والتردد فيما يخص بعض القضايا والمشروعات الخليجية المشتركة. رابعاً: هيأت ثورة البحرين الأجواء الإقليمية والدولية ومراكز اتخاذ القرار فيها لإعلان أو تطوير شكل جديد من أشكال الوحدة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث لم يعد من المعقول أو المقبول الإبقاء على الإطار الحالي الذي يجمع دوله دونما تغيير يتناسب مع ما أفرزته أحداث البحرين من معطيات جديدة تضعها كلّها في مرمى خطر واحد يستلزم التعامل معه بروح وجسد واحد. وقد صار من المتاح الآن سماع هذه الدعوة وكثرة تكرارها من مستويات خليجية كثيرة، سواء القيادات والمسؤولون الرسميون أو العلماء والمفكرون والإعلاميون والاقتصاديون و... إلخ، وليس أدلّ على ذلك من أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية قد أعلن بكل وضوح إبّان القمة الخليجية الأخيرة أنه قد آن الأوان للدول الخليجية أن تنتقل من مرحلة التعاون إلى مرحلة الوحدة.

بمعنى آخر ان ما حصل في البحرين ربما أعاد وضع القطار الخليجي على سكّته مرّة أخرى بعدما ظلّ يراوح فيها حوالي ثلاثة عقود، وسكّته الصحيحة يجب ألاّ تغادر ما جاء من أهداف في نظامها الأساسي الذي نصّ على أن هذه المنظمة الإقليمية تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.

وفي هذا الصدد فإن الغرابة، كلّ الغرابة أن تنبري الآن بعض الأصوات لتبدي اعتراضها على خطوة الوحدة المرتقبة في إقامة هذا الاتحاد، الاعتراض الآن وليس في السابق. نفس هذه الأصوات كانت تنادي وتدعو في منابرها السياسية والإعلامية إلى الوحدة الخليجية وكانت تبارك أي إنجاز أو خطوة تقرّب الى هذا الهدف. كما أنها لم تبد سابقاً أي اعتراض على النص الموجود في النظام الأساسي لدول مجلس التعاون، وخاصة ما يتعلق منه بالوحدة بين دولها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة