الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٢ - السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


آآآخ لو كنت ألمانياً!!





أعيش في منطقة الخليج منذ نحو ٣٠ سنة، ومن ثم فإن هناك الكثيرين من أهلي ومعارفي المقيمين في السودان يحسبون أنني غارق في النعيم.. بالتأكيد فإن العمل في منطقة الخليج منحني مستوى معيشيا لم أكن أحلم به عندما دخلت الحياة العملية، وأتاح لي السكن والراتب المريحين.. ولكنني مثل كل العمالة المهاجرة لا أملك ترف اتخاذ قرار بترك العمل والاستمتاع بـ«التقاعد».. فلن يكون لي راتب تقاعدي وعاجلا أو «عاجلا جداً» سيصلني خطاب: شكر الله سعيك.. وبما انك وصلت الى سن التقاعد أعطنا عرض أكتافك (ولكن تحسبا لمثل تلك المفاجآت غير السارة فقد حصلت على عدد من شهادات الميلاد التي تثبت أن الذي بيني وبين سن التقاعد كالذي بين طالبان والأمريكان.. وبالضرورة فمع شهادات الميلاد المزورة بطرق رسمية غير قانونية، جوازات سفر بعضها يثبت أنني من مواليد ١٩٧٥ وبعضها أنني مازلت طالب دراسات عليا.. وتبعا لذلك فإن لدي شهادات دراسية وشهادات خبرة عملية بطريقة لكل حادث حديث.. باختصار: لو مد الله في أيامي فلن أغادر منطقة الخليج ما لم أسمع ان السودان قدم قرضا لليابان).

نفسي وأمنيتي أن أتقاعد، أن أنال حريتي.. أتصرف بوقتي كما أشاء.. هناك كتب كثيرة أتمنى لو أملك الوقت لقراءتها، وكتب أخرى أتمنى تأليفها.. لا مانع عندي من أن أظل أعمل حتى أموت أو أصاب بالعجز التام ولكن بدون رئيس او مدير.. ولهذا حسدت الألماني آرنو دوبل.. عمره الآن ٥٤ سنة.. ترك المدرسة وعمره ١٦ سنة ليصبح نقَّاشاً أي عامل دهان وطلاء، ولكنه سرعان ما قال لنفسه «ما بدهاش»، ولم يلتحق بعمل طوال حياته.. ما حاجته الى العمل والحكومة الالمانية ظلت تعطيه شهريا ٦٥٠ يورو أي نحو ٨٠٠ دولار وليس عنده محمد أو فاطمة (كما نقول في السودان عن الشخص الذي لا يحمل أعباء عائلية).. وقد سبق للسيد دوبل ان ظهر في العديد من البرامج التلفزيونية ليشرح لماذا ظل عاطلا نحو ٤٠ سنة.. وكانت ردوده منطقية: العمل مرهق ويبدد القوى.. ولهذا لا يعمل سوى الأغبياء.. «الجميل» في الموضوع انه كان يتقاضى نحو ٧٠٠ دولار عن كل مشاركة تلفزيونية.

وأكثر ما أعجبني في دوبل هذا أنه كسول محترم.. كسول على مستوى.. فعنده مدير «أعمال»!! نعم شخص ليس عنده عمل وعنده مدير أعمال.. شوف العز.. ودور مدير الأعمال هذا هو ان يشتري له - مثلا - تذاكر القطارات والطائرات وتوصيل وجبات الطعام الجاهزة (هذا الشخص ألماني وليس سودانيا ايها الخليجيون المفترون الذين ألبستمونا تهمة الكسل).. وفي ألمانيا جمعية للكسالى تشجع أعضاءها على تقليد الدببة، والمعروف ان الدببة القطبية تروح في نومة حوالي ٦ شهور، وتصحو على أقل من مهلها وتذهب إلى حيث تتوافر أسماك السالمون وغيرها فتصطادها من دون بذل كثير جهد.. عندك مانع نتبادل جوازات السفر يا آرنو دوبل؟





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة