الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٢ - السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الجميع سيدفع ثمن تفتيت المجتمع





وقفة رصد وتقييم للجهود التي سخرت حتى الآن لوقف النزيف المتواصل في العلاقات المجتمعية بين مكونات الشعب البحريني الحاصل منذ أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي، فإن تلك الجهود أو المبادرات، سواء تلك التي تطوعت الفعاليات والشخصيات المجتمعية للقيام بها لرأب الصدع في تلك العلاقات، أو تلك «البرامج» والأنشطة التي وضعها بعض المؤسسات الحكومية على أجندة جهودها لإعادة الروح إلى اللحمة الوطنية، تكشف عن أنها دون مستوى المهمة التي وضعتها على عاتقها، فلم تستطع وقف النزيف في العلاقات المجتمعية أو منع الفتق من الاتساع، ذلك أن «ألف عمار لا يقدرون على خراب واحد»، فكيف والحال أننا نواجه أكثر من مخرب وعلى عدة جبهات؟

وللإنصاف يجب ألا نبخس جهود القائمين على تلك البرامج والنيات الطيبة التي تقف وراء جهودهم، ولكن حجم المهمة لم يكن هينا، ناهيك عن أنه في الوقت الذي تتطوع فيه هذه الفعالية الأهلية أو الرسمية للعمل على ترميم البيت الوطني من التصدع، تواجه جهودها ونياتها ما يشبه عملية تخريب متعمد لإفساد البذور قبل غرسها، وهو الأمر الذي أسهم في عدم تحقيق هذه الجهود نتائج ملموسة في هذا الاتجاه، أضف إلى ذلك فإن معاول هدم البنيان الوطني وإفساد اللحمة الوطنية مستمرة من دون هوادة، كأن هناك هدفا غير معلن لتفتيت المجتمع البحريني.

من حيث المبدأ فإن الجزء الأكبر من اللوم والعتب يقع على عاتق بعض الأجهزة الحكومية وليست الفعاليات الأهلية، فهذه الأخيرة لا تمتلك الإمكانيات المادية (وأنا لا أعني هنا المالية) للدفع بجهودها إلى الأمام وتعزيزها بإجراءات عملية من شأنها أن تسهم في تضميد الجراح ومنع الفتق المجتمعي من الاتساع، وهي أيضا ليست في موقع صنع القرار وتمتلك الأدوات القانونية الكفيلة بوقف مقص تخريب النسيج المجتمعي من الاستمرار في عملية تقطيع خيوطه، على العكس من ذلك فإن الجهات الحكومية أقدر على أن تتصدى لهذه المهمة مدعومة بالفعاليات والمبادرات الأهلية.

المتتبع لبرامج وأنشطة الجهات الحكومية التي نفذت حتى الآن سعيا وراء تحقيق أهداف مختلفة مثل: «إعادة اللحمة الوطنية»، «حماية النسيج الوطني»، «التصدي لمحاولات تمزيق الوحدة الوطنية»، يكتشف أنها لا تعدو أن تكون سوى أنشطة وفعاليات اجتماعية يمكن لأي مؤسسة أهلية أن تقوم بها، بل ان بعضا من هذه الأنشطة كانت تزاول حتى قبل تفجر الأوضاع بعد الرابع عشر من فبراير العام الماضي، وبالتالي نجد أن ما تسمى «البرامج» هي بعيدة كل البعد عن جوهر الهدف ودون مستوى حجم المهمة والقضية اللتين يواجههما مجتمعنا في الوقت الحاضر.

فهناك عملية هدم مستمرة للبنيان الوطني ولم تتوقف منذ ذلك التاريخ، بل انها تستخدم أساليب متنوعة لمواصلة عملية الهدف، ولا يخفى على أحد أن هذه الأعمال غير المسئولة قد أحدثت شرخا وثقبا خطرين في النسيج الوطني نجم عنهما شكل من أشكال النفور بين مكونات المجتمع البحريني التي عرفت على مدى عدة قرون علاقات تسودها سمات التسامح والألفة والتداخل، بحيث كان مجتمعنا البحريني صورة مميزة في البحيرة الإقليمية، لهذا فإن عملا تخريبيا بهذه الخطورة وبهذا الحجم، بحاجة إلى مواجهته ببرامج حقيقية تتعدى ما يقوم به بعض المؤسسات الحكومية ذات المسئولية.

وبسبب هاتين الميزة والصورة الجميلتين للعلاقات المجتمعية بين مختلف مكونات الشعب البحريني، كنا نعتقد أن كل هذه العوامل كفيلة بأن تفشل أي محاولة لتخريب هذه الصورة أو التأثير في العلاقات بين هذه المكونات، لكن هذا الاعتقاد لم يكن في محله، فقد أثبتت النتائج أن الحصانة التي أوجدتها وكونتها علاقات الألفة والتسامح على مدى عدة قرون، سرعان ما انهارت، فلم تكن قادرة على التصدي ومقاومة هجمة بالحجم الذي تعرض له النسيج الوطني على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا متواصلة.

مصادر الهدم والتهديد ليست مخفية كما المحرضون على تفتيت اللحمة الوطنية وناشرو خطاب التجزيء ومثيرو النعرات الطائفية الخطرة التي تعتبر أكبر تهديد لنسيجنا الوطني، ليسوا أشباحا، وبالتالي فإن استمرار عملية الهدم وتخريب العلاقات المجتمعية ينم، إما عن عجز يعتري عمل بعض المؤسسات الرسمية المسئولة عن حماية هذا النسيج، وإما عدم إدراك أو لا مبالاة لحجم الخطر الذي تحمله مثل هذه الممارسات على المدى البعيد، فإذا كنا الآن في مرحلة من الممكن معالجة الشرخ والتصدع اللذين يعتريان علاقاتنا المجتمعية، فإن عدم وقف عملية الهدم من شأنه أن تترتب عليه نتائج خطرة سيكون من الصعب معالجة آثارها السلبية، وإن تم ذلك فسيكون الثمن أضعاف ما دفعه مجتمعنا حتى الآن.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة