الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٣ - الاثنين ٧ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ما ضاع حق وراءه مطالب





كان متوقعا أن تؤدي الزيارة غير الموفقة سياسيا التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبوموسى الإماراتية التي احتلتها قوات شاه إيران محمد رضا بهلوي عام ١٩٧١ إلى جانب جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، إلى إثارة غضب دولة الإمارات العربية المتحدة التي لا يمكن لها أن تسلم بالأمر الواقع الذي تريد إيران فرضه من خلال رفضها مجرد مناقشة قضية الجزر الثلاث وتمسكها بما تسميه حقها السيادي على هذه الجزر في وقت تصر فيه دولة الإمارات العربية المتحدة على حقها التاريخي في جزرها الثلاث، وبغض النظر عن الموقف السياسي من قضية هذه الجزر، فإن هناك إشكالية قانونية تلف هذه القضية، وبالتالي فإن إيجاد الحل القانوني لهذه القضية هو ربما المخرج الوحيد المتاح لها.

تمثل قضية الجزر الإماراتية الثلاث أولوية سياسية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة ومن ورائها دول مجلس التعاون التي سارعت إلى التعبير عن «دعمها» المطلق لسيادة الإمارات على جزرها، ومن الطبيعي أن تقفز قضية الجزر حاليا إلى سدة اهتمام الدولة الشقيقة، فزيارة الرئيس الإيراني لجزيرة أبوموسى، في وقت كانت الإمارات تسعى جاهدة لإضفاء مرونة سياسية على موقفها من هذه الجزر والسعي إلى تطبيع علاقاتها مع الجمهورية الإٍسلامية الإيرانية وعدم جعل قضية الجزر حجر عثرة أمام مسيرة هذه العلاقات، لكن زيارة نجاد أفسدت هذه الجهود ولم تترك لدولة الإمارات من خيار سوى التشدد سياسيا.

سياسيا، لا يمكن إلا أن تحظى دولة الإمارات العربية المتحدة بالدعم الخليجي والعربي، فهذا الموقف ليس وليد المستجدات التي طرأت على علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع العديد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وليس هو ردة فعل على تردي علاقات إيران مع بعض من هذه الدول، وإنما هو الموقف القومي الذي لا بديل سواه، فحين احتل شاه إيران الجزر الإماراتية الثلاث، قبل ثماني سنوات من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، خرجت مظاهرات عارمة في شتى أنحاء الدول العربية تندد بهذا الاحتلال.

فإيران الشاه حين احتلت الجزر الإماراتية الثلاث استندت إلى ميزان القوة العسكرية الذي كان يميل بقوة لصالح إيران التي كانت تمثل قوة عسكرية إقليمية صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة موجات المد التحرري في المنطقة وخاصة إبان الحقبة الناصرية والدور الذي كانت تلعبه الكتلة الاشتراكية في دعم حركات التحرر العربي والعالمي، ويبدو أن قادة الثورة الإسلامية في إيران ورثوا عقلية القوة العسكرية في تعاطيهم مع قضية الجزر الإماراتية الثلاث، فهم يدركون أن دولة الإمارات ومعها دول مجلس التعاون لن تدخل في حرب ضد إيران من أجل تحرير هذه الجزر.

لكن عدم توافر الظروف الذاتية لتحرير الجزر الإماراتية، بالقوة يجب ألا يطغى على عقلانية التفكير في إيجاد حل سياسي وقانوني لهذه القضية التي ستبقى بكل تأكيد حجر عثرة أمام التطبيع الحقيقي والدائم للعلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران، ومن مصلحة إيران ودولة الإمارات ومعها دول مجلس التعاون ألا تكون هناك قضايا شائكة وعالقة تعكر صفو علاقات الطرفين، فالواقع الجغرافي يحتم عليهما فهم بعضهما بعضا والتخلص من عقلية الهيمنة وفرض الأمر الواقع استنادا إلى القوة.

فالإمارات العربية المتحدة قدمت إلى القيادة الإيرانية أكثر من مقترح لإيجاد حل أو صيغة لإنهاء هذه القضية بين الجانبين، بدءا من بحث القضية بين الطرفين وصولا إلى التحكيم الدولي، إذا ما فشلتا في إيجاد صيغة أو حل يرضيهما، إلا أن القيادة الإيرانية لم تعر هذه المقترحات والخطوات الإماراتية أي اهتمام وأصرت على التمسك بالموقف الشاهنشاهي الذي يعتبر هذه الجزر أراضي إيرانية غير قابلة للمساومة أو حتى للنقاش، وهذا منطلق لا يتماشى ومتطلبات علاقات حسن الجوار وانتهاج الطريق السلمي في معالجة الخلافات بين الجيران.

إيران وفي أكثر من مناسبة تؤكد أن الجزر الثلاث إيرانية تاريخيا وقانونيا، وهذا موقفها الرسمي، ولكن للإمارات العربية المتحدة أيضا موقفها الرسمي الذي يتحدث عن أحقية الدولة الشقيقة في هذه الجزر، فلماذا ترفض إيران التحكيم طالما أن موقفها القانوني قوي ومعزز بالوثائق التاريخية، كما تقول؟ ألا يثير هذا الرفض الشكوك في مصداقية ما تدعي إيران امتلاكه من وثائق تؤكد سيادتها على الجزر محل الخلاف؟ ثم أليس رفض التحكيم يعني العجز عن إثبات قوة الموقف القانوني من القضية المتنازع عليها؟ المهم أن تكون هناك مطالبة مستمرة، «فما ضاع حق وراءه مطالب».



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة