الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٠ - الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الانقسام المجتمعي حقيقة أم خيال؟





فقط أولئك الذين وصلوا إلى حالة من فقدان الوعي والإحساس إلى الدرجة التي لا يتورعون فيها عن المكابرة بعدم رؤية مدى وضوح سطوع قرص شمس ظهيرة أغسطسية وعدم الاعتراف بلسعة الألسنة الشمسية في تلك الظهيرة، فقط مثل هؤلاء هم الذين يريدون أن يوهمونا «بأريحية» العلاقات المجتمعية وسلامتها بين مكونات المجتمع البحريني في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا منذ أكثر من أربعة عشر شهرا، وخاصة العلاقات ذات الصبغة الطائفية، فنحن نعيش حالة انقسام مجتمعي خطر يجب الاعتراف بحدتها وبخطورتها على مستقبل بلادنا والأجيال القادمة، فالهروب عن مواجهة الحقيقة كمن يسهم أو يتفرج عليها وهي تتفاقم يوما بعد آخر.

من السهل جدا إلقاء اللوم وتحميل هذا الطرف أو ذاك مسئولية ما وصلنا إليه من حالة تمزق مجتمعي خطر، فتقاذف الاتهامات في مثل هذه الظروف هو حالة مألوفة، ليس في البحرين فقط، وإنما في جميع الحالات المشابهة التي ابتلي بها بعض الشعوب، ولكن تقاذف الاتهامات أو الوصول إلى المسئولين عن ذلك يجب ألا يسبق البحث عن الحلول الناجعة القادرة على إخراجنا من الدوامة التي وجد الجميع نفسه يئن تحت وطأة تأثيرها السلبي على مختلف أشكال العلاقات المجتمعية، فالبحث عن الأعذار قبل إطفاء الحريق لا يقدم الحلول ولا يساعد على إخماده.

علينا جميعا أن نعترف بوجود المرض وبأن هناك تمزقا مجتمعيا ذا صبغة طائفية مذهبية يضرب أوصال المجتمع البحريني في الظروف الحالية العصيبة التي يمر بها، فالاعتراف بالعلة سوف يدفع إلى تشخيصها ومن ثم العمل كفريق مجتمعي واحد من أجل إيجاد العلاج الناجع لها لانقاذ المجتمع والوطن من التهديدات الخطرة التي يحملها هذا التمزق، فالحقيقة ان هذا الخطر وصل إلى درجة متطورة لا يمكن تجاهلها أو التهوين منها، ولكن للأسف فإن هناك من لا يريد أن يفتح عينيه لرؤية هذه الحقائق، ربما لأنها مزعجة بالنسبة إليه أو لأن هناك مصالح ضيقة تتعارض مع الاعتراف بالحقيقة القائمة، أو أن شكلا من أشكال المكابرة و«عزة» نفس يحولان دون هذا الاعتراف.

وبالنظر ببصيرة فاحصة ومتأنية إلى الأوضاع التي تمر بها بلادنا والعلاقات المجتمعية في شكلها الحالي، وتحديدا بعد أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي، وما واكبتها من أحداث وتداعيات مرتبطة بإفرازاتها، سنجد أمامنا خيارين لا ثالث بينهما: فإما أن نترك الشرخ المجتمعي يتسع ويتعمق والقبول بالنتيجة المأساوية التي ستنجم عن ذلك وتحمل المسئولية الوطنية والأخلاقية أمام الأجيال القادمة التي سترث تلك النتائج، وإما الاعتراف وبكل شجاعة بأننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من التمزق المجتمعي الصريح الذي يأخذ أشكالا مختلفة، ويكفي متابعة ما يدور من ملاسنات عبر وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة أو المقاطعة الاقتصادية الطائفية.

فحين نصل إلى مثل هذه الحالة من التمزق المجتمعي، وهي حقيقة قائمة وليست استنتاجات أو هواجس وطنية، فإن الأمر يستدعي تدخلا سريعا من خلال القيام بخطوات عملية شجاعة تعمل على محاصرة مسببات هذا التمزق وتحييدها بحيث نتمكن من وقف نمو واتساع هذا التمزق، وليس الاكتفاء بأنشطة في ظاهرها أو من خلال عناوينها توحي بأنها تستهدف صون اللحمة الوطنية وحمايتها من التمزق، في حين أنها في الواقع لا تخرج عن كونها حفلا من حفلات العلاقات العامة التي إن عبرت عن شيء فإنما هي تعبر عن عدم إدراك وفهم لطبيعة وحجم الضرر الذي لحق بالنسيج الوطني البحريني على مدى الأشهر الماضية حتى الآن.

في الحقيقة أننا لا نلمس مساهمة جادة وحقيقية، سواء من جانب الطرف الرسمي أو الأهلي (وللعلم فإن الأخير محدود الإمكانيات والخيارات)، موجهة نحو وقف الاستنزاف المجتمعي والاتساع المتواصل للشرخ الذي أصاب العلاقات بين مكونات الشعب البحريني، وخاصة في شقها المذهبي، الأمر الذي يوحي بعدم إدراك لحجم الخطر أو تجاهله، فالجميع يردد أن هذا الوطن هو بمثابة سفينة واحدة وأن المواطنين ومن جميع المكونات العرقية والدينية والمذهبية هم ركابها، مثل هذا القول يدحضه الواقع المعاش، فالنزيف المجتمعي مستمر وخطابات التمزيق والتأجيج الطائفي لا تتوقف، بل تخرج من على منابر الخطابة الدينية، من دون أن نرى تحركا يوقفها من الجهة الحكومية المسئولة عن شئونها، أليس ذلك يعبر عن عدم إدراك لحجم الخطر الذي يهدد نسيجنا الوطني؟



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة