مصر وأول انتخابات رئاسية حرة: الديمقراطية والمفارقة
 تاريخ النشر : الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} ونحن نكتب هذا المقال (يوم الجمعة ٢٥ مايو) لم تتضح كامل الصورة في الانتخابات الرئاسية، رغم ظهور النتائج الأولية بعد فرز أكثر من ٩٠% من الأصوات (ماعدا أصوات القاهرة والجيزة)، ليتصدر «محمد مرسي» قائمة المرشحين، وهو رئيس «حزب العدالة والحرية» الذي يمثل الاخوان المسلمين في مصر، يليه بفارق ٢٠٠ ألف صوت فقط «أحمد شفيق» من النظام السابق، «رئيس وزراء سابق».
وإذا بقيت النتائج كما هي فإن جولة الرئاسة ستنحصر بين ممثل الاخوان المسلمين، وممثل النظام السابق الذي تم ابتكار تسمية لمن كانوا جزءا منه قبل الثورة وهو «الفلول» وشن الحملات السياسية والإعلامية عليه من هذا المنطلق.
} ورغم أهمية وفرادة هذه الانتخابات الرئاسية التي تجرى المرة الأولى في مصر منذ آلاف السنين، لأنها جاءت بعد ثورة ٢٥ يناير، التي حلم من خلالها الشعب المصري ببناء «مصر» قوية تتلاقى فيها مع ثقليها التاريخي والحضاري، ومركزيتها العربية، انطلاقا من معالجة كل المشاكل الداخلية المتراكمة، والتأسيس لنظام ديمقراطي جديد، وبناء نموذج اقتصادي قوي يضاهي الدول ذات المكانة الاقتصادية المهمة في العالم، وبناء سياسة خارجية تعيد الثقل الاقليمي الحقيقي لدولة بمكانة مصر، ورغم ما اتضح ـ حسب المراقبين ـ من نزاهة وشفافية الانتخابات وكثرة انتشارهم في المراكز الانتخابية ومراكز فرز الأصوات، فإن نتائج الانتخابات كما يبدو حملت مفارقة لافتة، إلى جانب انها شكلت صدمة، كما أعلنت قوى الثورة المصرية وشبابها، بعد أن أثارت هذه الانتخابات الرئاسية اهتماما عربيا وعالميا كبيرا، بقدر حجم أهمية مصر للجميع، وحيث هذا الجميع يضم بين دفتيه مناصرين لجهة أو أخرى، لشخصية مرشحة أو أخرى، حسب انقلاب ميزان القوى الاقليمي، ومحاولة اللعب بأوراقها في مصر، بما يدخل في لعبة المصالح الاقليمية أو الدولية المختلفة، فيما كان اهتمام الشعوب العربية تحديدا يصب في إطار مجيء رئيس مصري بامكانه ان يسهم في ولادة مصر قوية، وناهضة، ومتقدمة، ومجسدة لكونها قلب العروبة، وقادرة على الوقوف في وجه التحديات الداخلية والتحديات الخارجية، بعد ان برزت تهديدات خطرة أهمها التهديدات الامنية الداخلية، ومحاولة جر المصريين إلى خنادق الانفلات والفوضى، ولعل هذا ما أسهم في صعود نجم (أحمد شفيق) حسب صناديق الاقتراع لوعده باعادة الامن والاستقرار إلى مصر سريعا، بعد انفلاتهما في ظل تبعات الثورة وأجندة ما سمي الربيع العربي الغامض.
} المفارقة في الانتخابات المصرية ان الثورة قامت ضد النظام السابق، فإذا بصناديق الاقتراع الشعبية تضع أحد وجوهه في مقدمة المنافسة. والمفارقة أيضا ان الشعب المصري لم يكن راضيا عن أداء «الاخوان المسلمين» بعد صعودهم إلى مجلس الشعب، جراء الفتاوى والتصريحات التي أخافته، واكتشاف الفارق بين الوعود وبين حقيقة الممارسة، فإذا بأحد وجوههم (يتصدر) قائمة المتنافسين على الرئاسة، ورغم ان أوساط التيارات المحسوبة على الثورة لم تستطع الصعود بـ (حمدين صباحي) مثلا إلى قمة المنافسة ثم الاعادة حسب النتائج الأولية وهي التي في أغلبها كما يبدو مؤيدة له، فإنها بعد خروج تلك النتائج الاولية اكتفى بعض وجوهها بالتعبير عن الصدمة والتحليل من واقع الدهشة.
} والسؤال: إذا كانت صناديق الاقتراع هي الحكم، واذا كان «أحمد شفيق» يمثل النظام السابق، فهل الاخوان المسلمون هم ممثلو الثورة؟
واذا كانت الثورة قد قامت ضد النظام السابق، فيما الاخوان لا يمثلون كل أطياف الشعب المصري أو التيارات المحسوبة على الثورة، رغم صعودهم على أكتاف الثورة حسب التهمة الرائجة عنهم لدى شباب تلك الثورة، فأين تلك الانتخابات إذًا من تلك الثورة؟ أين وجوهها وأين طموحاتها وأين أحلامها التي أخرجت المظاهرات المليونية بحثا عنها؟ ولماذا لم يرشح شباب ٢٥ يناير من يمثلهم في الانتخابات؟
لماذا أفرزت أول انتخابات رئاسية تاريخية تم وصفها بالنزاهة والشفافية والتعبير عن الارادة الشعبية هذه النتائج رغم أوليتها فانها مثلت أكثر من ٩٠% من أصوات الناخبين؟
وهل أصبح الشعب المصري وبإرادته الحرة في جولة الإعادة بين خيارين أحلاهما مر، كما صرحت أوساط التيارات المحسوبة على الثورة؟
} هل ستدخل مصر في حالة فوز «أحمد شفيق» مثلا تفاعلات جديدة يتم التهديد بها من جانب الاخوان المسلمين؟
ولماذا تتوقع وجوه يسارية ليبرالية اضطرابات قادمة في حالة فوز أحد المرشحين (مرسي أو شفيق)؟ أليست النتائج تلك هي نتائج ممارسة الديمقراطية، والانتخابات الحرة التي وصفها المراقبون بأنها أقرب كثيرا إلى النزاهة والشفافية؟ وإذا رفض بعض التيارات المصرية تلك النتائج بعد ان حشدت لانتخاباتها وأعلنت أنها حرة ومن دون أي تزوير فماذا ستفعل؟ وإذا كان شباب الثورة أو التيارات المحسوبة عليها ضد «محمد مرسي» وضد «احمد شفيق» فهل سيحشدون مثلا لمظاهرات مليونية جديدة تعلن رفضهم ما اختاره الشعب نفسه؟
واذا كانت الحياة السياسية المصرية بعد الثورة لم تستطع كتابة بنود دستور متوافق عليه في ظل اضطراب ملامح النظام السياسي الموجود بعد الثورة، فهل القادم، (ومن كان الرئيس) بإمكانه، ان يبقى على سدة الرئاسة في حال رفض نتائج الديمقراطية النزيهة؟
من الواضح ان هناك أسئلة وأسئلة لا نملك هذه اللحظة غيرها، طالما ان القوى المحسوبة على الثورة لم تعجبها النتائج حتى الآن، وللحديث صلة.
.
مقالات أخرى...
- أبناء «العلقمي» واستنزاف الوطن.. إلى متى؟ - (24 مايو 2012)
- الشهية الإيرانية المفتوحة وأبناء ((العلقمي)) الجدد (٣-٣) - (23 مايو 2012)
- الشهية الإيرانية المفتوحة وأبناء «العلقمي» الجدد (٢) - (22 مايو 2012)
- الشهية الإيرانية المفتوحة وأبناء «العلقمي» الجدد - (21 مايو 2012)
- الأمن القومي البحريني ولحظة الحقيقة - (20 مايو 2012)
- من الذي يهدد استقلال البحرين: الاتحاد الخليجي أم إيران وأدواتها؟ - (17 مايو 2012)
- حاجة البحرين إلى معارضة رشيدة - (16 مايو 2012)
- للرئيس الأمريكي: هل «الوفاق» وأذنابها وإرهابيوها مصدر السلطات؟ - (15 مايو 2012)
- خليجنا واحد ووحدته حتمية - (14 مايو 2012)