الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٣ - الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


روسيا والصين تتصديان للهيمنة الأمريكية في المنطقة





يتساءل بعض العرب عن سر تحولات الموقف الروسي والموقف الصين من مجريات الأحداث في الاقليم العربي وخصوصا في البلدان التي اكتسحها ما يسمى الربيع العربي، ولذلك رصدوا في الأشهر الأخيرة بقدر من القلق والاستغراب الموقفين الروسي والصيني مما يحدث من دون التوفق في كثير من الأحيان إلى معرفة الأسباب الحقيقية والموضوعية وراء هذا التحول الذي نراه من خلال المتابعة والاطلاع يعود في تقديرنا إلى عدة عوامل منها على وجه الخصوص ما يلي:

١ ؟ العامل الايديولوجي: صحيح أن روسيا تجاوزت محطة الاتحاد السوفيتي السابق ايديولوجيا إلا أنها لم تتحول إلى بلد رأسمالي على النمط الغربي وإنما بنت لها رؤية اجتماعية واقتصادية وفق تراثها وشخصيتها القومية وبيئتها الثقافية والدينية بما يمكن اعتباره أيديولوجيا وخاصة أن روسيا تتقاطع في بعض جوانبه مع الغرب وتختلف معه في جوانبه الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين التي هي على الصعيد الايديولوجي مختلفة عن البنية الايديولوجية الغربية فهي مازالت ثابتة على موقعها الاشتراكي وإن تطورت خياراتها الاقتصادية والاجتماعية.

٢ ؟ يمكن أن نصفه بالاقتصادي والاستراتيجي في ذات الوقت: حيث تبين أن تدخل الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية في التحولات الجارية في العالم العربي خصوصا والإسلامي عموما هو تدخل مصلحي بالدرجة الأولى يهدف إلى تسويق الثقافة الغربية والمصالح الغربية، وقد بين الدرس الليبي اللعبة الحقيقية التي يلعبها الغرب حين خرجت كل من روسيا والصين من المولد بلا حمص نتيجة لغفلة روسيا والصين السياسية التي أدت إلى تمرير قرار مجلس الأمن لتفويض حلف الأطلسي لحماية المدنيين الليبيين، هذا التفويض الذي تحول إلى غطاء عسكري للعبة سياسية استثنت منها المصالح الروسية والصينية.

٣ ؟ يتعلق بالمخاوف الروسية والصينية من تصاعد الإسلام السياسي وتأثيره المتنامي في البلدان العربية سواء كان شيعيا أو سنيا، فهذا الإسلام السياسي له امتداداته في آسيا والقوقاز وشرق المتوسط بما يعني في النهاية أن تمكين الإسلام السياسي وسيطرته على المنطقة العربية بوجه خاص ابتداء من المغرب وموريتانيا ومرورا بالجزائر وتونس وليبيا ومصر ووصولا إلى سوريا والعراق ودول الخليج العربي سوف يعنيان في النهاية تأثيرا مخيفا بالنسبة إلى روسيا والصين اللتين تمتلكان قطاعا واسعا من المسلمين في الإقليمين الروسي والصيني وما يمكن أن يؤول إليه هذا التأثير من قلاقل وإشكالات قد تكون مخيفة.

تلك بعض العوامل التي نراها جوهرية في اليقظة الروسية الصينية من السبات السياسي أو السكتة السياسية التي أصيب بها البلدان في بداية الربيع العربي، ونعتقد أن كلا من موسكو وبكين قد تعاملت مع الأزمة السورية من هذا المنظور في ظل وضع دولي يعاني أزمة مالية كبرى تعصف باقتصادات أوروبا وأمريكا، وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الأمريكي أوباما خفض النفقات الأمريكية في الخارج بما يعنيه هذا الخفض من تقليص الدور الأمريكي العسكري الخارجي مما شجع كلا من روسيا والصين على استعادة بعض المواقع والنفوذ على المسرح العالمي، وتوسيع مجالات الاهتمام العسكري لروسيا والاقتصادي بالنسبة إلى الصين.

وبالرغم من أن روسيا تحديدا لا تقف عمليا ولا ايديولوجيا مع النظام في سوريا ولا توافق على المجازر التي يرتكبها وعلى دمويته العسكرية فإنها تتحرك ضمن الحلف السوري في إطار الاستراتيجية الجديدة من موقع الدفاع عن المصالح الاستراتيجية لروسيا، كذلك بالنسبة إلى الصين فإن دخولها معترك العولمة الاقتصادية حتم عليها العمل على تعزيز قدرتها على التنافس في العالم، وهذه القدرة لا يمكن أن تكون من دون مكانة سياسية أو دور استراتيجي على الصعيد العالمي.

لقد تنبهت كل من روسيا والصين إلى الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الخطرة بدءا من العراق ووصولا إلى الخليج العربي، هذه الاستراتيجية القائمة على إشعال حروب أهلية والتشجيع على ما يسمى الديمقراطية لإضعاف هذه الدول ونشر توترات لإضعاف المنطقة وإنهاكها وتغذية روح الحروب الطائفية بين الشعوب خاصة بين السنة والشيعة وبين العلمانيين والمتدينين وبين العرب والأتراك والفرس والأكراد، ومثال ذلك النموذج العراقي الذي وضع هذا البلد العربي الكبير على خريطة التقسيم والتجزئة وإعادة بنائه بالصورة الملائمة للمصالح الأمريكية وهنا جاء الانتباه الروسي الصيني إلى ضرورة وقف هذا التيار لأن الاستراتيجية القائمة على نشر التوترات والعداء والتعصب بين الجماعات الأساسية التي يتكون منها المجتمع في الشرق الأوسط وزرع التناحر بين السنة والشيعة وافتعال المعارك تحت عنوان الديمقراطية الجديدة سوف تكون لها تأثيرات عاصفة ليس فقط على المنطقة العربية والإسلامية فقط وإنما أيضا على كل من روسيا والصين في النهاية.

وبناء على ما تقدم يمكن أن نفهم حقيقة الموقف الروسي وحقيقة الموقف الصيني بشكل موضوعي وبعيدا عن الصراخ العاطفي الذي نستمع إليه كل يوم وليلة في إذاعات وتليفزيونات الدول العربية لأن موقف كل من روسيا والصين ليس معاديا في الحقيقة لحق الشعب السوري في التحرر من الديكتاتورية إنما هو موقف معاد ورافض لبسط الهيمنة الأمريكية الغربية بشكلها الخبيث الذي يلعب على الشعوب لعبة تنتهي بالضرورة بتبديد الكيانات الوطنية وتحويلها إلى بلقان جديد.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة