واعتصموا بحبل الله جميعا.. ولا تفرقوا
 تاريخ النشر : الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
حديث الوحدة والاتحاد لمن صدقت نياتهم، وصفت نفوسهم، وأخلصوا لله تعالى، ثم لأوطانهم، حديث يسر القلوب، ويشفي الصدور، وتهفو إليه الشعوب، ومن يرفض الوحدة، ويستنكر الإتحاد، فإنه خائن لله تعالى، ولرسوله( صلى الله عليه وسلم) وللأمة وللوطن.
هذه قضية محسومة، ولا يصح أن يثور حولها الجدل، أو تختلف حولها الآراء، أو تتعدد فيها الاجتهادات.
ذلك لأن الدعوة إلى الوحدة، أو إلى الاتحاد، جاء النص عليها في كتاب الله تعالى، وفي أحاديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم).
في القرآن جاء قوله تعالى: }واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون{ (آل عمران/١٠٣).
وجاء في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) قوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه، أخرجه البخاري برقم ٦٠١١، ومسلم برقم .٢٥٨٦
وكما حض الإسلام ورسول الإسلام ( صلى الله عليه وسلم) على الوحدة والاتحاد، حذرا من الفرقة والتمزق، فقال سبحانه وتعالى: }وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين{ الأنفال/.٤٦
وقال عليه الصلاة والسلام: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، قيل: أومن قلة بنا يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: «بل إنكم يومئذٍ كثيرون، ولكنكم غثاء، كغثاء السيل وقد نزل بكم الوهن» قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» رواه أبوداود.
إن من أسباب ضعف الأمة الإسلامية وذهاب ريحها، اختلاف كلمتها، وتعارض إراداتها، وحرص كل قوم على مصالحهم الخاصة من دون الاهتمام بمصالح الأمة، ولقد ضرب الرسول (صلى الله عليه وسلم) المثل على ذلك بقوله: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» رواه البخاري، وأخرجه برقم .٢٤٩٣
إن اختلاف وجهات النظر في القضايا أمر وارد، ولا مناص منه، وهذا أمر من طبائع الخلق لاختلاف قدراتهم العقلية، وملكاتهم الحسية، أما التعصب للرأي من دون النظر إلى ما يحققه من مصلحة للأمة، أو يسبب لها من خسارة، فذلك ما ينهى عنه الإسلام، ويحذر منه رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم).
ونحن اليوم والعالم كله يسعى إلى تجميع طاقاته، وتوحيد بلدانه، والتنسيق فيما بين دوله، لجلب أقصى ما يستطيعون من نفع لشعوبهم، ودرء أكبر ما يقدرون عليه من شر قد يقع لهذه الشعوب، في هذا الوقت بالذات يستنكر علينا الغير أن نسعى إلى ما يسعون إليه من وحدة أو اتحاد، ويشيعون عنا مقالات السوء، ويهددون ويتوعدون، كل ذلك لأننا أردنا أن نجمع كلمتنا، وأن نوحد صفوفنا، وأن ننسق فيما بيننا، لنكون يدا واحدة تجلب الخير لشعوبها، وترد الظلم والشر عنها.
إن الأمم الصغيرة في عددها، المتواضعة في إمكاناتها، لا تستطيع أن تقف في مواجهة من يريدون بها الشر، ويتحينون لها الفرص للقضاء عليها، وزرع بذور الفرقة بين شعوبها.
نحن أمة ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها.
الوحدة عندنا عبادة نستمد أصولها ومكوناتها من التوحيد، واقرأوا إن شئتم قوله تعالى: }إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون{ (الأنبياء/٩٢).
فالوحدة عندنا نحن المسلمين تنبع من التوحيد، ولا يصح لأمة تعبد إلها واحدا، وتتبع رسولا واحدا، وتتوجه إلى قبلة واحدة، وتتكلم لغة واحدة، ولها مصير واحد، وحضارة واحدة، وتقاليد وأعراف وعادات واحدة، أمة هذه صفتها، وهذه مكوناتها، كيف يستنكر عليها أعداؤها ان تسعى إلى ما يسعون إليه، وأن تجمع المفرق، وتوحد الممزق، وتنسق بين مواقفها؟
أمة يقول دستورها الإلهي: }قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (١٦٢) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (١٦٣){ (الأنعام).
أمة لا تملك دستورا كباقي الدساتير التي تملكها الأمم فحسب، بل هي تملك أبا الدساتير على الإطلاق لأن واضعه هو خالق البشر الذي يعلم ما توسوس به نفوسهم، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد.
دستور لا يهدي للقويم فقط، بل للتي هي أقوم، يقول سبحانه: }إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا{ (الإسراء/٩).
إن الدعوة المباركة إلى الاتحاد دعوة مبرورة طالما انتظرناها، وتمنيناها، وها هي بشائر تحققها تلوح في الأفق بعد أن استيقن قادة دول مجلس التعاون الخليجي أهميتها وضرورتها في عصر تداعت فيه الدول الكبيرة إلى الاتحاد والوحدة من أجل أن تصبح كيانات عملاقة يخشاها العدو ويخطب ودها الصديق، وإذا كان هذا مطلوبا من الدول الكبيرة التي هي في غنى عن ذلك، فما بالكم بالدول الصغيرة، المحدودة المساحة والإمكانات؟
ها هي رياح التغيير تهب على دولنا في الخليج العربي لتنشر عبيرها عليها، وترطب أجواءها في صيفها الحار اللاهب، وها هي صيغة التعاون تتحول إلى صيغة الاتحاد، ولأن في الاتحاد قوة لدول الخليج العربي، وفيه منعة لحدودهم، وخيرا عميما لشعوبهم، أخذت أصوات الدول المعادية التي لها أطماع في دولنا، أخذت هذه الأصوات تنبح مستنكرة، ومعترضة على هذه الدعوة، والعجيب في الأمر أنهم يسمحون لأنفسهم ما لا يسمحون لغيرهم! فهم يتدخلون في شئون دول الخليج العربي الداخلية، ولا يقبلون بأي حال من الأحوال أن يتدخل غيرهم في شئونهم، وهذا من أعجب العجب!
ذلك لأنهم يعلمون أنه متى ما التأم شمل دول الخليج في وحدة أو اتحاد، فإن ذلك سوف يفوت الفرصة عليهم فيما يسعون إليه من مصالح هي بالتأكيد لا تتفق مع مصالح شعوب هذه الدول، وأن هذه الوحدة أو الاتحاد سوف يكون سدا منيعا أمام أطماع إيران التوسعية في المنطقة، وإيران ومن يقف معها ضدنا لاتزال تشعر بمرارة الهزيمة التي منيت بها في مملكة البحرين حين أبطل الحق تبارك وتعالى خططهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، رغم ما قاموا به من تخطيط، وتدبير، ورغم ما بذلوه من أموال اشتروا بها ذمم مؤسسات حقوق الإنسان، وجمعيات المجتمع المدني والمحطات والصحف ووسائل الإعلام العالمية، كل ذلك ذهب أدراج الرياح بتوفيق من الله تعالى، وتأييد منه سبحانه، ربما لأن هناك بقية صالحة من شعب البحرين المسالم.
إن على أنظمة الحكم في دولنا الخليجية أن يتنبهوا إلى وجود طوابير خامسة وسادسة وربما سابعة تعمل ليلا ونهارا من أجل زعزعة الأمن والاستقرار، وإفساد ما بين الاخوة من ود وحب وسلام، وهذه الطوابير لابد أن تصحو لها هذه الأنظمة، وترصد نشاطها، وتكشف مخططاتها قبل أن تحقق أهدافها المعلنة والخفية.
إننا نناشد قادة الأنظمة في دولنا العربية أن يبادروا إلى تحقيق الحلم الذي طالما راود شعوبهم، ويبدأوا خطواتهم العملية ليكون الاتحاد أو الوحدة واقعا حيا بعد ان كان حلما في الصدور، ذلك لأن في الاتحاد علاجا لكثير من أمراضنا، علاجا لأمننا المزعزع، علاجا لاقتصادنا المهدد، علاجا لجمعنا الممزق.
ويكفي أن الوحدة في ديننا عبادة نقترب بها إلى مولانا سبحانه وتعالى، ونتلوها قرآنا في صباحنا وفي مسائنا، وعند الأسحار: }إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون{ الأنبياء/.٩٢
} وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون{ (المؤمنون/٥٢).
.