«بي بي سي» البريطانية.. فلسطين.. الطائفية
 تاريخ النشر : الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢
بقلم: أحمد صالح
أثارت قناة الـ«بي بي سي» في الأسبوع الماضي تساؤلاً على مستمعيها من الجمهور العربي ومفاده.. هل أثرت الثورات العربية في الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟ أعتقد أن الجواب نعم، فمن الملاحظ أن العناوين الرئيسية في الصحف العربية وتوجه غالبية الكتاب الصحفيين وعناوين الأخبار الرئيسية في القنوات الإخبارية ومن بينها الـ« بي بي سي» كانت تتصدرها أخبار تلك الثورات، في مقابل غياب ما يحدث في فلسطين إلا ما ندر.
وبالنسبة إليّ كمواطن عربي وعلى الرغم من اعتباري أن القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية والمفصلية وأمّ القضايا في وطني العربي الكبير، بل هي القضية العالمية الأكبر والأهم، فإن متابعتي في الفترة الأخيرة لما يحدث في فلسطين قلّ بسبب انغماسي وقلقي على ما يحدث في البحرين تلك الجغرافيا الصغيرة من الوطن الكبير التي تنتمي إليه، وذلك شعور طبيعي على اعتبار أن قلق الانسان على حياته اليومية ومستقبله ومستقبل أجياله يتزايد كلما اقترب الخطر المكاني له. وليس لهذا الشعور علاقة بصدق إيماني بالقضية الفلسطينية ومؤازرتي لها، وأنا مَن يدعي بأنه لا يوجد جريمة عبر التاريخ أكبر مما اقترفته بريطانيا من جريمة بحق الشعب العربي في فلسطين، واليوم وكما يقوم به الكثير من الدول والقوى والتيارات والمنظمات من استغلال القضية الفلسطينية والتلاعب بمشاعر الجماهير العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، من أجل تحقيق مشاريع وأجندات وسياسات تصبّ في مصلحتها بالدرجة الأولى، وليست في مصلحة القضية الفلسطينية. وهنا نتساءل عن سبب إثارة أو اهتمام قناة الـ «بي بي سي» التابعة لبريطانيا مرتكبة تلك الجريمة بالقضية الفلسطينية من خلال مذيعين عرب إخوة لنا وكأن بريطانيا مؤازرة ومدافعة عن الشعب الفلسطيني.
على العموم ، أعود إلى قضيتي الحالية في البحرين، فإنه وبكل تأكيد، البحرين معرّضة اليوم إلى ما تعرضت له فلسطين لاحتلال أو لانتزاعها من محيطها الأصلي وهو الوطن العربي الكبير، وهذه المرة بواسطة مفاهيم جديدة تشبه انتزاع العراق ذلك البلد العربي من محيطه الأصلي ليتلاعب به الفرس والصهاينة والغرب، فهناك مشروعان ليسا من محض خيالي الشخصي، بل مشروعان معلنان، الأول من قبل الأمريكان سمي «الشرق الأوسط الجديد أو الكبير»، ويهدف إلى تقسيم الدول العربية على أساس طائفي مذهبي، ومشروع آخر يتناغم معه وهو المشروع الإيراني، الذي يهدف إلى إقامة جمهورية اسلامية شيعية كبرى وجمهوريات اسلامية صغرى تابعة لها، والاثنان يستغلان كُلا من مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والطائفية المذهبية من خلال تراتبية هرمية تفضي إلى الولي الفقيه في إيران وذلك عند المشروع الثاني تحديداً.
واليوم، هل المطلوب منا أن نغفل عن ما يحدث في البحرين، وألا نقاوم ذلك المشروع، وبالتالي نرى أنفسنا في النهاية شعبا ووطنا مسلوبا كفلسطين أو ضائعا ومتناحرا لا سمح الله كالعراق؟ أنا لست ضد الديمقراطية، وأنا أيضا لست ضد مفاهيم حقوق الانسان، ولا يمكن لي من أجل أن أثبت أنني مع هذه المفاهيم أن أنصاع إلى كل من يدعي الديمقراطية وحقوق الانسان وهو يهدف إلى غير ذلك، أنا ضد الديمقراطية التي لا تتأسس على مقوماتها الصحيحة، وضد الكيل بعشرات المكيالات، فالديمقراطية تأسست ونمت في الغرب بشكلها المثالي بسبب انتصارها على استغلال الدين في الشأن العام السياسي من خلال انتصارها على مستخدمي علم الكلام الذي يستحوذ على عواطف الفرد ويجرده من حريته وإرادته، فيأتي اليوم علم الكلام هذا مستغلاً، بالإضافة إلى الدين، مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان التي هو أبعد ما يكون عن احترامه لها.
نحن نتذكر جيداً أن من يدير الحراك السياسي المعارض اليوم ويدعي الوطنية، ويطالب بتطبيق الديمقراطية بشكلها الغربي، قد أسس حركته على أسس مذهبية وطائفية، وفي الماضي القريب وتحديداً في فترة التسعينيات كنا نستمع إلى إذاعة الـ« بي بي سي» وهي تصف هذه الحركة بالمعارضة الشيعية في البحرين أي أنها حركة مذهبية وطائفية تمثل فئة واحدة في البحرين على أساس مذهبي طائفي، وكانت أي الـ «بي بي سي» تسمي هذه الحركة بالغالبية الشيعية في البحرين بل وصل بها الأمر خلال أحداث العام الماضي إلى أن وصفتها أنها تمثل أكثر من ٩٠% من البحرينيين، وأتساءل هنا من أين حصلت الـ .بي بي سي، على تلك النسب أو الأرقام؟ وكما يبدو جليا هنا تناغم الـ« بي بي سي» والحركة الشيعية المذهبية السياسية في البحرين من أجل تحقيق هدف واحد وهو طأفنة المجتمع البحريني، ويأتون اليوم ليسوّقوا لنا هذه الحركة على أنها حركة وطنية، وأن السلطات في البحرين هي من عمل على طأفنة المجتمع، ونسوا مَن هو الذي عمل على تأسيس حركته على أسس مذهبية، ومَن الذي قام على تقسيم المجتمع إلى قسمين: يزيديين وحسينيين، وفئة ضالة وفئة ناجية، ومن الذي اتبع دولة أجنبية معادية على أساس مذهبي، ومن ثار مع ثورتها في بداياتها وقام بمحاولة انقلاب، ومن يوالي رأس الهرم السياسي والمذهبي فيها.
وفي النهاية.. رسالة إلى أغلب أصدقائي وهم من الشيعة، رأيي هذا وكما تعلمون جيداً أنه ليس ضد المذهب الشيعي، بل ضد من يعمل على اختطاف الشيعة وبالتالي انتزاعهم من تآلفي معهم أنا وغيري من البحرينيين. فانتقاد تلك الحركة ليس معناه أنني ضد المذهب الشيعي، وبكل تأكيد انتقاد النظام السياسي الحالي في إيران أيضاً ليس معناه أنه انتقاد للمذهب الشيعي. فأنا كنت ومازلت فخورا بصداقتي بكم.
.