الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٩ - السبت ٢ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

د.عيسى أمين يكشف جزءا من الوثائق البريطانية في البحرين

شعب البحرين وقف مع عروبة بلاده عام ١٩٢٤ رافضا المطالب الفارسية





استعرض الدكتور عيسى أمين رئيس جمعية التاريخ البحرينية عددا من الوثائق التاريخية البريطانية في ندوة عقدت بمقر الجمعية مؤخرا، أماطت اللثام عن كثير مما لا يعرفه المتابعون وأبناء الوطن عن حقائق فترة زمنية امتدت من (١٨٢٠ إلى ١٩٥٦)، وكان في طياتها المنسية أو المغيبة ما هو مخالف لما يعتقده عدد كبير من المواطنين من المعلومات المنشورة في الأدبيات السياسية والوطنية.

وكشف، عبر هذه الوثائق -المكتوب بعضها باللغة العربية وبعضها الآخر باللغة الانجليزية- عن مضامين هذه الرسائل والخطابات المكتوبة أو المطبوعة تجسد حقا منهلا عميقا لمن يريد متابعة تاريخ هذا البلد الصغير بعدده وجغرافيته لكنه كبير بتاريخه وفعالياته، وكيف احتلت البحرين مكانة وموقعا مهمين بالنسبة إلى دول شمال الخليج أو جنوبه في الجانبين الأمني والتجاري، لذا نلاحظ تدفق التدخلات الأجنبية سواء بالبواخر الحربية أو بالسياسة في قضايا وشئون هذا البلد عبر تاريخه الحديث.

وقال المتحدث: «حرص الجانبان (البحريني والبريطاني) على وجود علاقة متميزة بينهما لحاجة كل منهما إلى الآخر»، وكذلك عدم ربط البحرين بأي دولة قوية بالمنطقة (إيران أو السعودية).. كما تشمل الأهداف البريطانية في البحرين ضمان الخط المفتوح مع الهند، وعليه تم نقل المصالح البريطانية من أبوشهر إلى البحرين حين تدهورت العلاقات مع (رضا خان) في إيران، وبالمقابل تطورت العلاقة بين بريطانيا والشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين في تلك الفترة، وتم نقل المنشآت البريطانية إلى البحرين مطلع ١٩٢٣.

كما استعرض وثيقة ثانية تكشف عن عدد البساتين والمحاصيل الزراعية والمبالغ التي تجمع من أصحابها كمصدر دخل، هذا بالإضافة إلى الدخل القادم من الضرائب على الجمارك واللؤلؤ حيث يستخدم جزء كبير من هذا الدخل في العملية التنموية.

تطوير الجمارك

وتكشف الوثيقة التاريخية في تلك المرحلة عن اللورد كرزون وهمه في تحسين وضع الجمارك، وكان يريدها دائرة رسمية فاعلة، وليست دائرة يسيطر عليها التجار الهنود (البانيان) كما هو حاصل في ذلك الوقت موضحا ان السبب في قوة التجار الهنود هو ان العلاقة بين الشيخ عيسى بن علي هي علاقة (سلف واستلاف)، فيما تعكس (وثيقة البساتين)، المزارع الموجودة في القدم وجدعلي وبديعة الغزال وأم العروق وبدخل يبلغ ٤٠ ألف روبية هندية.

أما الوثيقة الثالثة، فـأوضحت ان الشيخ عيسى بن علي لاحظ ان المعتمد البريطاني يحاول ان يأخذ منه السلطة شيئا فشيئا، فكتب رسالة إلى حكومة الهند البريطانية يذكر فيها «أنه هو الحاكم المنتخب في البحرين، ولا يريد أحدا يتدخل في شئونها»، وطالب بأن يكون المسئول عن المحاكم الشرعية، الإدارة المالية (الجمارك) وكذلك عدم تدخل بريطانيا في شئون العائلة الحاكمة، لكن بريطانيا لم تقبل بذلك.

وذكر المعتمد البريطاني (ديلي) في عام ١٩٢٣ ان مواجهات عنيفة قد حصلت في مايو ١٩٢٣، تطالب بضرورة تغيير الإدارة، وان هارولد ديكسن المعتمد البريطاني في البحرين سنة (١٩١٩- ١٩٢٠) هو الذي أسس أول بلدية في البحرين نقلا لتجربة النظام البلدي في البصرة، وفتح مجالس له، ويساعده (فرحان الرحمن) من العراق، وقام بترجمة شكاوى المواطنين، ثم هارولد ديكسن الذي انتقل إلى الكويت وعمل مع شيوخها، وبعد تقاعده عمل ممثلا لحكومة الكويت لدى شركات النفط.

كما يلاحظ من قراءة هذه الوثيقة ان ديلي كان مصمما على وضع ميزانية خاصة للبحرين، وبالفعل كانت اول ميزانية للبحرين مع تخطيط ديلي لنظام ضرائب، وعليه استجد الصراع بين التجار والعوائل الكبيرة في البحرين مع ديلي، والسبب ان العوائل الكبيرة كانت مستثناة من دفع الضرائب بينما يدفع المالك أو العاملون في البساتين وأصحاب الحظور والمزارع الضرائب، فيما تكشف وثيقة أخرى ان المواطنين طالبوا بالمساواة في الضرائب، وان الحاكم في تلك الفترة وافق على ذلك.

النجديون والعجم

وتابع المنتدي القول: «الحقيقة ان البحرين كانت سوقا تجارية وفيها تجار من المملكة العربية السعودية (عرب نجد) وفيها ايضا من إيران (الفرس) يعيشون بجنسيتهم وثقافتهم، وكلما حصل صراع بين الدولتين الكبيرتين في منطقة الخليج، ينعكس ذلك على البحرين مثلما حصل في مايو ١٩٢٣ حين تصادمت الجاليتين (النجدية والفارسية) وراح ضحية هذا الصراع ٨ قتلى، وعليه شاب أجواء البحرين الارتباك والقلق.

وكتب الحاكم حينها رسالة إلى بريطانيا يشكوها من الانفلات الأمني، فوصلت البوارج البريطانية إلى البحرين، وقام المقيم البريطاني بتهدئة الأمور والسيطرة عليها أمنيا وبترتيب مع الشيخ عيسى بن علي والشيخ حمد بن علي والشيخ عبدالله بن علي مع تعيين الشيخ حمد بن عيسى وكيلا عن الشيخ عيسى بن علي وتحويل الأمور إلى الشيخ حمد بموافقة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة.

ولفت المتحدث أنظار المستمعين والحاضرين للندوة إلى ان البريطانيين لربما يرون في شخصية الشيخ عبدالله بن عيسى شخصية طموحة وذو تطلعات بعيدة، وهو نفسه الذي ذهب إلى بريطانيا وركب طائرة بعد الحرب العالمية الاولى، وهو الذي طلب من الحكومة البريطانية ان لا تدخل في شئون البحرين وان تعامل أسرة شيخ البحرين مثلما تعامل أسر باقي حكام الخليج، كما طالب ان يخاطب شيخ البحرين الحكومة في بريطانيا وليس في الهند.

بريطانيا ترفض المطالب

ورفض الجانب البريطاني وانتهت المباحثات باصدار قانون سنة ١٩١٣ لكنه لم يطبق إلا في سنة ١٩١٩ ولكن كان بالمقابل إدخال القانون القضائي للمستعمرات الصادر في عام ١٩١٣ وتحولت السلطة القضائية إلى بيت الدولة فيما بقيت المحكمة الشرعية وسالفة الغوص في يد الحاكم.

وتابع، بعد ثورة مايو ١٩٢٣، أصبح المجتمع البحريني منقسما إلى مجموعتين، الأولى: مجموعة التجار والعوائل تطالب من الشيخ عيسى بن علي بعدم التغيير.. والثانية: مجموعة التطوير تطالب بالتغيير والتطوير، وعليه، صار الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة رائدا للإصلاحات التي رافقت تلك الفترة، ويلاحظ ان مصطلح «REFORM» والذي يعني «إصلاحات» لم يظهر في المستندات والتعاملات في تاريخ البحرين إلا في عام ١٩٠٤ للمرة الأولى من خلال اللورد كرزون حينما تبنى مشروع إصلاح الجمارك وغيرها من الدوائر.

وفي الرسالة (الوثيقة) الرابعة التي عرضها الدكتور عيسى أمين في ندوة أمس الأول، أوضحت ان هناك انقساما، ففي رسالة قدمها الشيخ عيسى بن علي إلى الهند تطالب بإبقائه في الحكم، وأرسلت منها نسخة إلى المقيم البريطاني في «أبو شهر» شرقي إيران، وأن البلد (البحرين) يريدها دولة مدنية، وطالب بالموافقة على (أول مجلس تشريعي)، وهذا الطلب حقيقة يميط اللثام بوضوح عن أن البحرين هي أول دولة خليجية طالبت بأن يكون فيها مجلس تأسيسي وبمبادرة من الشيخ عيسى بن علي، وتم رفع هذا التصور إلى حكومة الإنجليز عام ١٩٢٤، وقد لاقى هذا الطلب رفضا.

كما نجد في رسالة أخرى ان الشيخ عيسى بن علي كان متيقنا من قدرة ابنه الشيخ حمد على إدارة البلاد، فبعث رسالة إلى المعتمد البريطاني بهذا الخصوص، وجاء في الرسالة: «انني عينت الشيخ حمد وليا للعهد.. ومسئولا عن مشروع الإصلاح الذي يتضمن انشاء الطرق وتنظيم الشرطة وتنظيم مهنة الغوص»، وكانت هذه الرسالة تحكي عن فترة زمنية من ١٩٢٠ إلى ١٩٢٦.

مجموعتان

وتابع الحديث عن هذه الرسالة (الوثيقة) بأنها تكشف عن وجود حزبين (مجموعتين في البحرين حينها) منوها إلى ان البريطانيين دعموا وجود الشيخ حمد بن عيسى ان يكون حاكما للبحرين بدلا من عبدالله بن عيسى، وبالمناسبة هما أخوان، ويعود المتحدث إلى الحديث عن الصدام بين المجموعتين (النجود والفرس)، وحصول قتلى، حينها حضر الملك عبدالعزيز بن سعود إلى المنطقة الشرقية، ولم يستبعد نية التحرك للسيطرة على البحرين خوفا من سيطرة إيران عليها.

وبالمقابل، تحركت إيران (فارس) باسم حماية رعاياها، فكان لا بد من التهدئة وإلا نشبت حربا أهلية تأكل الأخضر واليابس في هذا البلد الصغير، وكرر المنتدي مقولة (كلما حصلت مواجهة بين القوتين الكبيرتين في الخليج)، فالبحرين تدفع الثمن، وعليه نرى وجود رسالة (وثيقة) خامسة في عام ١٩٢٣ تدور حول تدخل بريطانيا حينها لتهدئة الأمور، مشيرا إلى انه لو تدخلت إيران مذهبيا في البحرين، لحصلت أمور لا تُحمد عواقبها.

وفي تفصيل آخر، يذكر ان (عبدالله القصيبي) وكيل الملك عبدالعزيز آل سعود، وأن (محمد شريف خان بهدور) معاون البلدية وممثل للشرطة ورئيس للجالية الفارسية، حصل بينهما صِدام، وقد حاول أناس الاستفادة من هذا الحدث في التأجيج لكن حكمة الشيخ عيسى بن علي أكبر من المشكلة الطارئة، فطلب من المعتمد ديلي وضع نهاية لهذه الحادثة، ومرت بسلام، وعادت الأمور بعدها إلى الشكل الطبيعي، ونجد في هذا الخصوص رسالة من ديلي.

من أبوشهر إلى البحرين

بعدها، نجد في وثيقة (سادسة) قيام رضا خان بإلغاء الاتفاقيات المبرمة بين إيران وبريطانيا، واحضر خبراء ألمان وروس، وطالب بخروج البريطانيين ومؤسساتهم، فحولت هذه المؤسسات إلى البحرين، ومنها: الأسطول البحري والجوي البريطاني عام ١٩٢٣ ونقلوا السلطة بالكامل في عام ١٩٤٧، إلى مبنى «صحيفة الأيام» القريب من مبنى الجمعية في الجفير.

ثم انتقل الدكتور عيسى إلى وثيقة (سابعة) تكشف عن قيام (حجي عبدالوهاب الزياني) بكتابة رسالة إلى مؤسسة قانونية من بين أفراده (المحامي محمد علي جناح) في الهند ليرفعها أمام محاكم بومبي وذلك بالنيابة عن الشيخ عيسى بن علي، كما تكشف وثيقة (ثامنة) عن اهتمام الانجليز بدقة المصاريف منها على سبيل المثال: رسالة إلى لطفي علي خنجي الوكيل التجاري للشيخ تطلب منه إيضاح كم مصروفات القصر (الديوان).

ويسترسل في عرض مزيد من الوثائق البريطانية التي تكشف حقائق موغلة، لا يعرفها إلا المتابعون من أبناء هذا البلد الطيب، فيقول: هذه رسالة (وثيقة تاسعة) عبارة عن إعلان موقع من بلجريف، تعكس خلاف ما يثار حول قلة الانفاق، بل على العكس تدعو إلى البذخ في الصرف على الاحتفال بعيد جلوس الشيخ حمد بن عيسى بن علي، حث فيها على الاحتفال ببهجة وصرف كبير على هذا الحفل، وهناك رسالة (عاشرة) بالمقابل من الشيخ عيسى تشكره على هذا الاهتمام وبأنه الحاكم القادم للبلاد.

وفي وثيقة (رقم ١١) صادرة في سنة ١٩١٩، نجد رسالة بها صرف ٩٦٠٠ روبية دعما من البحرين للجهود الحربية لبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى، تليها وثيقة (رقم ١٢) توضح تولي الشيخ حمد ولاية العهد في عام ١٩٢٥، وفي عام ١٩٣٦ يقوم الشيخ حمد بزيارة إلى العراق، وأقاموا له مأدبة ملكية، وسكن في فندق «مود «ثم أخذوه في جولة إلى سوريا ولبنان ثم إلى إيطاليا وفرنسا ومنها إلى بريطانيا، اطلع فيها على تجارب هذه الدول في الحكم والإدارة.

احتفال عيد الجلوس

ثم يعرض المتحدث رسالة (وثيقة رقم ١٣) من الشيخ حمد يشكر فيها المقيم البريطاني على تقديمه ١٠ أكياس رز وزعت في احتفال عيد جلوسه، كما أقيم احتفال كبير لما عاد الشيخ حمد من سفرته الطويلة، حيث أقيم الاحتفال في دائرة البلدية، وألقى فيها الخطيب الشيخ محمد صالح يوسف خطابا، جاء فيه: «أرأيت أيها العظيم المحبوب لندن وما فيها من المصانع والمدارس والتطور الذي شاهدته هناك، نريده هنا».

وفي يوليو ١٩٢٥، هناك رسالة (وثيقة ١٤)، جاء فيها ترجمة ما جاء في هذا الخطاب على أرض الواقع.. وفي وثيقة لاحقة (رقم ١٥) تميط اللثام عن خطب ألقيت من قبل «إبراهيم خلفان» في أول احتفال ببلدية المنامة وذلك في عام ١٩١٩، وعين فيها الشيخ عبدالله بن عيسى رئيسا، ويساعده ريتان أختر، وتذكر الوثيقة أن تجاوزات (مالية) قد حصلت في البلدية، وعليه قرر تغيير بعض الوجوه، عين الشيخ حمد رئيسا ومحمد شريف خان معاونا واسند إلى البلدية مهام أخرى مثل العمل على ترتيب أوضاع سوق المنامة في الصباح وحراستها في المساء.

تلاها، كما تذكر الوثائق البريطانية عن تاريخ البحرين التي استعرضها رئيس جمعية التاريخ البحرينية في مبنى الجمعية بالجفير مساء أمس الأول في (وثيقة ١٦) أن أول مظاهرة حصلت أثناء حصول أول اجتماع للبلدية، قاطع المتظاهرون فيها الاجتماع ورفعوا رسائل بعدم رغبتهم في وجود البلدية وكان حينها الشيخ حمد رئيسا للمجلس البلدي.

فيما تشير بعض الوثائق (وثيقة ١٧) إلى دقة التدوين لدى البريطانيين منها على سبيل المثال: أن الشيخ الحاكم حينها احتاج مبلغا من المال أثناء أحدى زياراته إلى نجد، فدفع له المعمتد البريطاني في جدة (٦٢ روبية)، ولما عاد طلب منه ان منه ان يدفعها، بالإضافة إلى نصح الحاكم بالاهتمام بصحته ولاسيما ان (الشيخ حمد بن عيسى) كان مصابا بمرض «السكري» وعليه ان يأخذ «الأنسولين» كل يوم، ويبدو ان الانسولين تواجد في البحرين منذ ذلك الوقت و«السكري» موغل في التواجد في هذا البلد قبل هذا التاريخ.

وفي تواصل مع موضوع الندوة، استعرض رئيس جمعية التاريخ البحرينية وثيقة بريطانية (رقم ١٨) مرسلة من المناوئين لوجود بلدية في البحرين على أساس أنها بؤرة فساد، وأنها سمحت بفتح دور سينما، وحقيقة الأمر ان البلدية أصبح لها وزنها كمؤسسة تراقب وتسجل المخالفات، وتحمي التجار، وضع فيها شرطة من البلوش لمراقبة وحماية السوق، ولربما هيأ هذا الاختيار بان تكون شرطة البحرين فيما بعد من الأجانب.

بلجريف ١٩٢٦

وحينما حصل خلاف بين (النجديين والعجم)، اتهم النجديون الشرطة البلوش بانحيازهم إلى العجم (المقيمين الفرس)، وطالبوا بتسريحهم وعليه تم استخدام أفراد جدد من البنجاب، وانتقلت الشرطة من البلدية مع بداية إدارة «بلجريف» سنة ١٩٢٦، حصلت بعدها مناوشات في مبنى القلعة بين (إسماعيل البلوشي وآخرين)، قتل فيها اثنان من أفراد الشرطة وأصابت رصاصة بالخطأ (ديلي) المعتمد البريطاني في أذنه.

وكشف ان المدونات المحلية تذكر هذه الحادثة بأنها «ثورة شعبية» قد حصلت بينما الوثيقة التي أمامه، تقول خلاف ذلك، وأعدم الشرطي إسماعيل على فعله، في هذه المرحلة، تبين ان الشرطة قد وصلت إلى مرحلة تمكنها من ضبط الأحداث في البحرين.

واسترسل المتحدث بالقول: صاحب تلك المرحلة إصلاح الشوارع، وفكرة بناء المطار مع السماح بنوع من حرية التعبير أو ما أسموه «التعبير بصوت عال»، وأوضح ذلك بعرض نسخة (وثيقة ١٩) عبارة عن عريضة على الشاشة أمام الحضور مميطا اللثام عن أن (العريضة) كانت إحدى وسائل التواصل والاحتجاجات بين الناس والسلطة القائمة حينها.

إصلاحات إدارية

وتابع، لم يتوقف الإصلاح عند هذا الحد، بل حصل تطور في الشأن الإداري والقضائي، منها على سبيل المثال، تميط (وثيقة رقم ٢٠) عن ان الإصلاح نص على ان يكون في كل بلدة يفترض وجود أمير وسجن (تنظيم السجون) بالإضافة إلى التحقيق في حوادث القتل مشيرا إلى أن مواطنا من منطقة من (البلاد) قد قتل حينها في (وثيقة ٢١)، وباشرت الشرطة في التحقيق في أسباب القتل ومعرفة ملابسات الحادث مشيرا إلى ان ما تردد ان ديلي كان متصلبا ويريد تهميش الحكام غير صحيح مثبتا ذلك (بوثيقة ٢١)، والتي تكشف ان الشيخ (حمد بن عيسى بن علي) كتب رسالة إلى ديلي، يقول فيها: «الى جناب الأكرم صديقي ديلي»، وهذا التعبير يعكس ان لا خلاف بينهما كشخصيتين مسئولتين عن البحرين في تلك الفترة من الزمن بل تؤكد الرسالة العلاقة الوثيقة بينهما.

وفي رسالة أخرى (وثيقة ٢٢) مرسلة إلى الحاكم، تقول: نحن متابعون خطوات الإصلاح، تلاها مرحلة منفتحة من السماح للمواطنين بنوع من التنفيس من خلال العرائض والشكاوى عما يعترض أعمالهم وحياتهم من مشاكل ومخاطر، ثم كشف رئيس جمعية التاريخ البحرينية عن رسالة (رقم ٢٣) من الشيخ حمد بن عيسى بعد عودته من بريطانيا مهديا فيها جلالة ملك بريطانيا طوابع، وطلب منه دوام المراسلة مما ينم عن مستوى الصداقة بين الطرفين.

كما تذكر الوثائق حينها ان خلافا ظهر بين القطاع الأهلي والسلطة البريطانية مستوحيا ذلك من خلال كمية العرائض والشكاوى التي عبرت عن حجم الحركة الاحتجاجية لدى شعب البحرين، وكانت تلك المناوشات نتيجة فقدان الناس حقوقهم وأملاكهم، والمثير للعجب أنه على الرغم من الخلاف والمناوشات بين السلطة وشعب البحرين، فإن هناك وثائق تشير إلى وجود علاقة حميمية بين السلطة والشعب.

وفاة الشيخ عيسى بن علي

وفي وثيقة (رقم ٢٤) صادرة تكشف عن وفاة الشيخ عيسى بن علي عام ١٩٣٢، وقد دون (محمد علي التاجر) ذلك في مسودة مخطوطة (عقد الألسن في تاريخ البحرين)، وقرأ الملا عطية الجمري تأبين الشيخ عيسى بن علي في اليوم الثالث للتعزية في مجلس الشيخ حمد بالمحرق كما ألقيت قصائد من الحاج حسن العالي والملا عطية في مأتم بن رجب.

وتستمر الوثائق التاريخية البريطانية في كشف المزيد من قضايا ووقائع تاريخ البحرين الحديث، فتقول الوثائق (وثيقة ٢٥) ان (NOX) نوكس في مايو ١٩٢٣ وضع معيارا أو مقولة (من يعمل يأكل.. ومن لا يعمل لا يأكل)، وضبط عمل الجمارك وقضايا التعليم وشئون المحاكم، وأكد ان المخالفين يعاقبون والعاملون يكافئون، وهذا مدون في خطبته سنة ١٩٢٣ المكتوبة باللغة العربية، كما يطلب من الشيخ حمد مراعاة المواطنين، وعدم تهميشهم وان المجتمع البحريني مجتمع واحد ومتآخٍ.

توقف الدكتور عيسى أوراقه ووثائقه المجمعة من حقبة الوجود البريطاني، وتابعها على جهاز الكمبيوتر بدقات أصابعه على أزرة الجهاز، ثم قال: هذه رسالة (وثيقة ٢٦) من بلجريف بعد السماح للشيخ خلف العصفور بالعودة ثم تطرق الباحث إلى موضوع الطرف الإيراني وظهور الشعور القومي الفارسي، وكان ذلك في عام ١٩٢٠، هذا الشعور كان وراء مطالبة إيران بالبحرين حيث حصل خلاف بين إيران وبريطانيا حينها، وامتد إلى سنة ١٩٣٢، وحاولت بريطانيا بكل جهدها عدم السماح للتدخل الفارسي في شئون البحرين.

التمسك بعروبة البحرين

وتوقف مرة أخرى، ليتعمق في مستندات تؤكد عروبة البحرين وتشبث شعبها بعروبتها، استند قليلا إلى الوراء، وقال: «تؤكد وثيقة بريطانية أمامي أن شعب البحرين وقف مع عروبة البحرين في جميع المواقف عبر تاريخها الحديث»، منها على سبيل المثال: سنة ١٩٢٤، وقف شعب البحرين مع حكومة البحرين مدافعا عن عروبتها حينما طلب القنصل الفارسي في النجف من البحارنة المقيمين في النجف بتغيير جوازاتهم إلى الأخرى الفارسية، ورفض البحارنة ذلك.

ثم أرسلت رسالة (وثيقة ٢٧) من البحارنة المقيمين في المحمرة تبلغ حكومة البحرين بأن السلطة الفارسية تمارس الضغوط عليهم من أجل تغيير جوازات سفرهم إلى أخرى فارسية وإلا يتم تجنيدهم الإجباري، ورفض البحارنة ذلك وطلبت إيران من المواطنين في البحرين إرسال ممثل عنهم للمجلس (البرلمان في طهران)، ورفض شعب البحرين ذلك ثم حاولت إيران فرض (تأشيرة دخول) إلى أراضيها وبالمقابل طلبت حكومة البحرين تأشيرة للفرس الراغبين في زيارة البحرين.

والمثير في هذه الوثائق التاريخية حقيقة أنها تكشف عن طبيعة بعض البحرينيين بكتابة عرائض يعترضون فيها على قيام الحكومة ببناء أرصفة على البحر، وهذا يعكس الروح التي كانت سائدة.

بدايات الفتنة

ثم كشف عن وجود رسالة (وثيقة ٢٨)، يدل فحواها على قيام البعض بتهيئة أجواء الخلاف والصدام والطائفية، منها الرسالة التي ذكرت (ان العجم والبحارنة يريدون الاستيلاء على البحرين)، وكان الشيخ عيسى بن علي واعيا وذكيا واعتبر هذه الرسالة فتنة «بين السلطة وجزءا من شعب البحرين، وقال المنتدي: «تصوروا لو أن الشيخ عيسى أخذ موقفا انحاز فيه إلى طرف ضد طرف»، كما نرى رسالة من الشيخ الحاكم إلى المعتمد البريطاني بأن عليه العمل على إعادة الأمن إلى البلاد، وان هذه المقولات ماهي إلا «فتنة».

ومن ضمن الذين تحركوا بالشكل المضاد ضد حاكم البحرين حينها مستغلا الظروف التي تمر بها البحرين، هو حافظ وهبة مدير مدرسة الهداية الخليفية حينها حيث بعث برسالة (وثيقة ٢٩) إلى الشيخ عبدالله بها توقيعات على عريضة تعارض للإصلاح، ويدعي أنها ضد الإنجليز، والكل يعرف كيف انتهى الأمر بهذا الرجل الذي استضافته البحرين ثم أصبح سفيرا للملكة السعودية في بريطانيا.

ثم استعرض رئيس جمعية التاريخ فترة زمنية أخرى من تاريخ البحرين الحديث حينما تطرق إلى وثيقة (رقم ٣٠) تميط اللثام عن طلب عدد من تجار البحرين بتأسيس بنك (مصرف مالي) فيما تشير وثائق تشارترد بنك ان تجار البحرين رفضوا تأسيس البنك، فناداهم المعتمد، ووافقوا على تأسيس بنك، بينما تذكر وثيقة أخرى أنهم كتبوا إلى الشيخ عيسى بن علي مبدين معارضتهم لتأسيس بنك لأنه يخالف الشرع مشيرا إلى وجود وثيقتين في هذا الأمر وكل واحدة تخالف الأخرى.

مطالب جديدة

وهكذا تستمر الندوة في استعراض وثائق جديدة بشكل رائع نال استحسان الحاضرين بدليل الجو الهادئ الذي سيطر على الندوة، وذكر الدكتور عيسى أمين انه مع تقدم الزمن وحاجة البحرين إلى مزيد من النظم الإدارية الحديثة، قدمت إلى الشيخ حمد بن عيسى رسالة (وثيقة ٤١) من (منصور العريض وعبد علي العليوات وغيرهم) مطالبين فيها بعدم تهميش المواطنين، وطالبوا في الوقت ذاته بتعيين مواطنين بحرينيين في مجالس التجارة والتعليم والمحاكم والصحة وغيرها.

ورد عليهم المعتمد البريطاني أن حسم الأمور في يد الشيخ حمد، ووافق الشيخ حمد على هذه المطالب، كما أمر بتقديم دعم مالي لبناء مدارس جديدة في البحرين، فتم تأسيس مدارس العلوية في الخميس ثم المدرسة الجعفرية، لكن الرياح لم تجرِ كما تشتهي السفن مثلما يقول المثل، إذ ظهر خلاف في مجلس التجار حول مطالب «مجموعة العريض»، وأطلق سراح المساجين وشكل مجلس للتعليم وآخر للقضاء، وتم تأكيد تطبيق القانون على الجميع والمشاركة في المجالس الأهلية.

ظهورالحركة الأدبية

وكلما تعمق المنتدي في الحديث عن حقبة من الزمن، كلما تشوق المتابعون إلى معرفة المزيد من المعلومات التي ظهرت في تلك المرحلة، منها على سبيل المثال (وثيقة ٣٢) تكشف ظهور الحركة الأدبية في البحرين سواء كانت ثقافية أو رياضية مثل نادي (إقبال أوال) سنة ١٩٢٠، النادي الأدبي سنة ١٩٣٤ ونادي العروبة والأهلي وغيرها سنة ١٩٣٨، وظهور شخصيات وطنية ورموز ثقافية منهم: عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وحسن جواد الجشي وتقي البحارنة وغيرهم فيما تذكر الوثائق ان صحة الشيخ حمد بن عيسى في تلك الحقبة الزمنية أخذت تسير في التدهور، وكان التساؤل: من سيكون محله حاكما للبحرين؟ ومن سيكون وليا للعهد، هل هو الشيخ سلمان بن حمد؟ وكان هناك اجتماع لـ (مجموعة العريض) مع الشيخ سلمان بن حمد، وبايعوه بولاية العهد قبل إعلان ذلك بعد وفاة المغفور له الشيخ حمد بن علي آل خليفة.

كما كشف عن مقولة إلى بلجريف المستشار البريطاني في البحرين، حينما قال: «أكره كل عربي في البحرين «عندما شاهد أعمال التكسير والحرق والتدمير التي حصلت أثناء أحداث ١٩٥٦، وقبض على عدد من الشخصيات منهم: عبدالعزيز الشملان وعبدالرحمن الباكر وعبدعلي عليوات، وتم نفيهم إلى خارج البحرين وذلك في عام ١٩٥٦ وعلى الرغم من ذلك، أكد المتحدث في ختام حديثه عن الوثائق التاريخية البريطانية ان «بلجريف» هو باني البنية التحتية من مدارس ومستشفيات وطرق في البحرين.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة