الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٩ - السبت ٢ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


عنان والتواطؤ الدولي مع النظام السوري





ما الذي فعله كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا أو للشعب السوري منذ ان طرح خطته وبدأ مهمته حتى اليوم؟

الذي فعله بالضبط انه وفر غطاء للنظام السوري كي يمضي قدما في عمليات القتل والذبح للشعب السوري وفي استباحة المدن السورية.

الذي فعله بالضبط انه لعب دور الواجهة للتواطؤ الدولي، وتواطؤ القوى الكبرى، بوجه خاص، العملي مع النظام السوري وضد الشعب.

هذا هو التوصيف الدقيق لما «أنجزه» كوفي عنان منذ ان طرح خطته حتى يومنا هذا.

حين طرح عنان خطته، وأعلن النظام السوري قبوله لها ، كانت استراتيجية النظام واضحة تماما، وكان الكل في العالم يعلم بها.

كانت هي نفس الاستراتيجية التي سبق أن اتبعها حين أعلن قبوله للمبادرة العربية التي طرحتها الجامعة.

واستراتيجية النظام هي إعلان قبول الخطة وكل بنودها، فقط كي تخف عنه الضغوط، ويتاح امامه مزيد من الوقت للمضي قدما في خطته الأصلية المتمثلة في القمع الى أقصى حد، والقتل، ثم القتل، وذلك على أمل ان يتمكن عبر هذا من ذبح الثورة في نهاية المطاف.

فعل النظام هذا حين قبل المبادرة العربية، وكسب بضعة أشهر واصل فيها عمليات القتل والتنكيل بالمدن كالمعتاد.

وفعل هذا أيضا مع خطة عنان.

لقد تضمنت خطة عنان ستة بنود، حتى يومنا هذا، ورغم مرور كل هذا الوقت منذ ان دخلت الخطة حيز التنفيذ كما هو مفترض، لم ينفذ النظام السوري بندا واحدا من هذه البنود، ولم تدخل الخطة حيز التنفيذ أصلا في الواقع العملي.

ومنذ ان بدأ التنفيذ المفترض للخطة، تصاعدت عمليات القتل والتنكيل بالشعب السوري أكثر من ذي قبل بكثير، الى ان وصلت إلى ذروة البشاعة والهمجية في مجزرة الحولة قبل أيام.

ورغم كل هذا، فقد ظل كوفي عنان في تصريحاته العامة، يعطي الانطباع الزائف بأن تقدما يحدث، وبأن هناك أملا في ان تنجح خطته.

وظلت دول العالم، وعلى رأسها الدول الكبرى، تعلن تأييدها لخطة عنان، وتدعو الأطراف الى الالتزام بها، وتعلن أنها تنتظر لترى الأفعال لا الأقوال.. الى آخر هذه المواقف التي لا تعني إلا غض النظر تماما عن الواقع المأساوي الموجود في سوريا بالفعل.

أقصى ما تفعله الدول الكبرى، رغم كل المجازر التي وقعت في سوريا هو التحذير من حرب أهلية. وأقصى إجراءات عملية اتخذتها هي خطوات من قبيل طرد دبلوماسيين سوريين، أو الحديث عن احتمال فرض عقوبات على النظام. هذا مع ان كل دول العالم تعلم ان مثل هذه الإجراءات لا قيمة لها في نهاية المطاف، وان النظام الذي تقوم خطته على تصعيد القتل والتنكيل بالشعب الى أقصى حد، لا تعنيه مثل هذه الأمور ولا تؤثر في قراراته.

حقيقة الأمر ان موقف كوفي عنان والدول الكبرى على هذا النحو هو في جوهره تواطؤ مع النظام السوري، وتمكين له من الحصول على الوقت الذي يريد للمضي في خطة القتل والتنكيل بالشعب السوري. وفي غضون ذلك، يشاهد العالم يوميا أبناء الشعب السوري يذبحون ويسقطون قتلى.

لماذا يفعلون هذا؟

اللعبة معروفة ومكشوفة. مصالح القوى الكبرى تقتضي ذلك.

دولة كبرى مثل روسيا تعتبر سوريا احد آخر معاقل نفوذها وساحة لمساومة الغرب والدفاع عن مصالحها في المنطقة، ولهذا تدعم النظام السوري مهما ارتكب من مذابح.

أمريكا وباقي الدول الغربية، لحسابات مصالحها الخاصة، لا تريد ان تتدخل في سوريا، وليس يعنيها كثيرا في واقع الأمر ان تنزلق الى حرب أهلية، أو ان يستمر نزيف الدم هذا الى فترة طويلة أخرى قادمة.

سوريا أصبحت ساحة للعبة دولية كبرى مكشوفة. الذي يستفيد من ذلك هو النظام ، والذي يدفع الثمن هو الشعب السوري.

لا أحد يريد تدخلا عسكريا خارجيا في سوريا يمكن ان يفاقم المحنة أكثر مما يعالجها، لكن الأمر المؤكد ان هناك الكثير الذي يمكن عمله لإجبار النظام على الأقل ان يوقف آلة القتل والتنكيل بالشعب السوري، وان يوقف استباحة المدن وعمليات الذبح للأطفال والنساء والشباب والشيوخ التي يمارسها بدم بارد.

حتى هذا لا تريد الدول الكبرى ان تقدم عليه كما هو واضح.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة