انتخابات مصر .. لماذا الغضب؟!
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢
السيد زهره
«خياران أحلاهما مر». هذا هو التعبير الذي أصبح الأكثر شيوعا في مصر في اليومين الماضيين وما شابهه من تعبيرات. من قبيل «السيئ والأسوأ» وهكذا.
المقصود هنا بالطبع ما أسفرت عنه انتخابات الرئاسة من نتائج، وضعت المصريين أمام الخيار في جولة الإعادة بين مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي ومرشح «الفلول» أحمد شفيق.
كما ذكرت في مقال الأمس، هذه النتيجة سببت حالة من الصدمة والغضب العارم لدى قطاع واسع من الشعب ومن النخب والقوى السياسية.
هذه الحالة من الصدمة والغضب والشعور والإحباط مفهومة أسبابها، لعل اهمها ما يلي:
١ – انه في حين تتطلع مصر الى المستقبل بعد الثورة وتحلم باقامة نظام جديد يحقق اهداف الثورة وغاياتها، فان المرشحين الفائزين ينتميان الى الماضي. مرشح الاخوان معروفة افكار ومبادئ الجماعة التي لا يمكن القول انها افكار تغيير او مستقبل. وشفيق ينتمي الى النظام السابق فعليا، وبحكم افكاره ايضا.
٢ – ان المرشحين الفائزين لا علاقة لهما بالثورة ولا يمكن اعتبارهما باي حال يمتان اليها بصلة. الاخوان في احسن الاحوال ركبوا موجة الثورة التي لم يكن لهم أي فضل في اندلاعها واستماتوا من اجل جني ثمارها لحسابهم هم فقط. وشفيق معروف موقفه العدائي من الثورة اصلا، وتعلقه بالنظام القديم كمثل اعلى معروف ومعلن.
٣ – انه بالنسبة الى الكثيرين فان فوز أي من الاثنين بالرئاسة في جولة الاعادة، يهدد فعليا بقتل الثورة وقتل الآمال المعلقة بإقامة نظام جديد. بالنسبة الى الكثيرين، ورغم اعلان كلا المرشحين حرصهما على الثورة واهدافها، فان البلاد يمكن ان تكون مهددة اما بفاشية دينية في ظل حكم الاخوان، واما بديكتاتورية عسكرية في ظل حكم شفيق.
٤ – ويضاف الى هذا، هناك احساس عام بالحسرة والالم لأن ابرز المرشحين الممثلين للثورة والتغيير، وهو حمدين صباحي، كان قاب قوسين او دنى من دخول انتخابات الاعادة، ولم يكن من العدل ابدا ان ينتهي الامر باقصائه وانحسار المنافسة بين هذين الاثنين.
إذن، كما قلت، حالة الصدمة والغضب هذه التي شعرت بها قطاعات واسعة لها مبرراتها الكثيرة.
لكن في غمرة هذا، لا بد من طرح السؤال: لماذا حدث هذا؟.. كيف انتهت الانتخابات الى هذه النهاية؟.. كيف نفسر هذه النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات؟.
طرح هذا السؤال مهم لأننا اذا حاولنا الاجابة عنه بشكل هادئ، فسوف نكتشف ان هناك عوامل واسباب كثيرة موضوعية تفسر هذه النتائج ربما تجعل من هذا الغضب غير مبرر تماما.
نقصد ان هذه النتائج هي تعبير عن حال المجتمع، وعن حقيقة الاوضاع في مصر بعيدا عن آمال وتصورات النخبة السياسية.
قبل يومين، نشرت وكالة «رويترز» تحليلا للانتخابات استطلعت فيه آراء خبراء ومحللين مصريين اعتبروا ان نتيجة الانتخابات هي فشل للنخبة المصرية، واعتبروا ان هذه النخبة هي المسئولة عن هذه النتيجة. وقدموا اسبابا كثيرة لذلك منها ان النخبة ابتعدت عن الواقع وتفتقر الى التواصل مع الشعب، ومنها انها منقسمة الصفوف ولا تجيد غير الصراع والكلام.. الى آخره.
والحقيقة ان القضية اكبر بكثير من مجرد دور للنخبة السياسية والفكرية المصرية.
نعني ان هناك عوامل كثيرة لا بد من التوقف عندها لتفسير هذه النتائج. نشير باختصار شديد هنا الى العوامل الرئيسية التالية:
١ – ثورة ٢٥ يناير نجحت في اسقاط النظام السابق، او بالاصح في اسقاط قمة النظام، لكن النظام نفسه ما زال قائما. على امتداد العقود الماضية كان لرجال النظام السابق شبكة تنظيمية واسعة، وشبكة واسعة من المصالح. هذا عامل من الواضح انه لعب دورا اساسيا في الانتخابات. وكما قال بعض المحللين، فان رجال النظام السابق خاضوا ما اعتبروا انها معركة حياة او موت، ووقفوا وراء شفيق بكل قوتهم.
٢ – ان الثورة وان نجحت في جعل مطالب التغيير مطروحة بكل قوة، فانها بداهة لم تنجح بعد في تغيير الثقافة العامة السائدة في المجتمع. والثقافة السائدة في المجتمع لا تجعل اختيار المرشح بحسب معايير الكفاءة الوطنية بالضرورة او لأنه الأصلح بالضرورة. الذين صوتوا لمرشح الاخوان مثلا صوتوا في الغالب الاعم بحكم الالتزام التتنظيمي او الديني.
حتى فكرة اهمية المشاركة السياسية في حد ذاتها لم تترسخ بعد بدليل ان اكثر من نصف المصريين قاطعوا الانتخابات.
٣ – ان الانتخابات اثبتت ان هناك قطاعات لا يستهان بها من الشعب لها اولويات اخرى غير تلك التي تراها النخب السياسية.
وكما ذكرت أمس، اتضح مثلا ان قضية الامن والاستقرار والخوف من الفوضى تمثل هاجسا بالنسبة الى قطاعات واسعة اكبر بكثير مما تتصوره النخبة.
هذه فقط بعض الجوانب المهمة في فهم نتيجة الانتخابات, لكن هذا كله لا يعني فشل الثورة كما ذهب بعض المحللين ولا يعني فشل الداعين الى التغيير الشامل وخاصة ان هناك كما ذكرت أمس قيودا فرضها الشعب على رئيس قادم، كما ان المرشحين الممثلين للتغيير والثورة حصلوا في النهاية مجتمعين على اصوات اكثر من التي حصل عليها المرشحين الفائزين.
كل ما في الأمر ان هذه النتيجة للانتخابات تعني ان الطريق ما زال طويلا امام مصر كي تحقق التغيير الشامل المنشود.
.
مقالات أخرى...
- حكم مصر: قيود وضوابط فرضها الشعب - (28 مايو 2012)
- «الثلاثة الكبار» ومستقبل مصر - (27 مايو 2012)
- اليوم في مصر - (23 مايو 2012)
- الجريمة المسكوت عنها آراء ومساهمات مهمة - (22 مايو 2012)
- متى احترمتم إرادة الشعب أو سيادة الوطن؟! - (21 مايو 2012)
- في مواجهة الخطر الإيراني - (20 مايو 2012)
- إيران والاتحاد: الجنون والرعب - (19 مايو 2012)
- الخائفون من الاتحاد الخليجي العربي - (16 مايو 2012)
- الدولة المدنية المؤجلة - (14 مايو 2012)