هل تقلب مجزرة «الحولة» الطاولة على رأس الأسد؟
 تاريخ النشر : الجمعة ٨ يونيو ٢٠١٢
بيروت ـ من: أورينت برس
نظرا إلى بشاعتها ودمويتها اللتين أرقتا العالم، يمكن الجزم بأن مجزرة الحولة قد تكون لحظة فاصلة في تاريخ الثورة السورية، ومدماكا يهد أركان نظام الرئيس بشار الأسد.
لم يكن بوسع المجتمع الدولي الذي بقي وقتا طويلا في مقعد المتفرج، ولم يحرك ساكنا لدعم الثوار السوريين باستثناء بعض المواقف الواهية، ان يتابع صمته بعد الآن، بل توالت المواقف الصارمة التي تستنكر فداحة هذه الجريمة وقسوتها التي لا تمت إلى الانسانية بصلة.
صور الأطفال الأبرياء الذين قتلوا بدم بارد استفزت الكثير من الدول بمن في ذلك حلفاء سوريا الأقربون، فخرج «حزب الله» ببيان يستنكر فيه المجزرة البشعة بغض النظر عمن قام بها، فيما بدا ان روسيا قد تكون في صدد إعادة النظر في علاقتها بالنظام.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
لعل أهم ما في المجزرة التي لا تنسى التي ارتكبت في الحولة وذهب ضحيتها نحو ٣٠ طفلا بين القتلى انها اثارت حس الانسانية المتجمد لدى العديد من الجهات الدولية، والحدث الابرز بعد نشر صور المجزرة الفظيعة تمثل بتلمس تغييرا واضحا في موقف الادارة الروسية، بحيث يعتقد الكثير من الخبراء ان موسكو ربما بدأت تفكر في ان تتخلى عن الأسد، لأنه سيأخذ سوريا إلى حرب اهلية طائفية مدمرة تتعارض مع مصالح الروس في المنطقة.
ورغم ان المعارضة السورية المنقسمة على نفسها، فشلت في اجتذاب تأييد كثير من المجموعات الدولية، وبالأخص الولايات المتحدة التي رفضت تزويد الثوار بالسلاح كونها لا تعلم من هم بالفعل بالنظر إلى تشرذمهم، فان المجازر الانسانية المتلاحقة من شأنها ان تقلب الطاولة على رأس نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي استنكر هو بدوره المجزرة.
تحول روسي
اثارت المجزرة ردود فعل عالمية واسعة، استدعت عودة ممثل الامم المتحدة كوفي عنان إلى دمشق لمقابلة الرئيس الأسد، فيما يبدو أنها محاولة إنقاذ لخطته، لكن مجزرة الحولة ستكون نقطة تحول في الصراع، وربما تثبت الايام القادمة ان هذه المجزرة قد تغير مصير الثورة السورية برمتها.
وتشير التقارير إلى مسؤولية الحكومة السورية عن المجزرة التي تعد الانتهاك الاكبر لخطة عنان، ولهذا كانت ردود الفعل الواسعة من المجتمع الدولي، إلى درجة قيام بعض الدول بطرد السفراء السوريين، والاهم ان هذا الحدث قد يحدث تحولا في الموقف الروسي باتجاه تخليه عن بشار الأسد، بالرغم من ان موسكو وبكين صوتتا ضد مشروع قرار قوي ضد سوريا في شهر فبراير من العام الحالي.
مع ذلك، فقد أيد الروس والصينيون حتى الآن ثلاثة قرارات لمجلس الأمن، كان آخرها في ٢٧ مايو المنصرم، وربما يكون ذلك تحولا بطيئا لكنه أكيد في الموقف الروسي، فهم يعتقدون ان الأمور ربما تنزلق إلى حرب طائفية قذرة. ومن وجهة نظر الروس، ستكون هذه نتيجة سيئة بالنسبة إلى مصالحهم في الشرق الأوسط، فسوريا تمثل آخر معاقل النفوذ الروسي في العالم العربي، فضلا عن وجود القاعدة الروسية في ميناء طرطوس، وبالإضافة إلى ذلك، استثمر الروس مليارات الدولارات في مشاريع اقتصادية، وفي الدعم العسكري لسوريا. والآن، وبعد ان وصل الروس إلى الإدراك أن الوضع يتدهور بشكل خطر، وانهم قد يخسرون كل أرصدتهم هذه، فإنهم قد يتخذون موقفا استراتيجيا بالتخلي عن بشار الأسد والمحيطين به عن قرب. وبالطبع، فهم ليسوا معنيين بتغيير كامل للنظام، وربما يكون هذا هو موقفهم الجديد.
وبرأي الخبراء فإنه لو كانت للروس السيطرة على الوضع في سوريا فسوف يستغلون علاقاتهم العسكرية للتأثير باتجاه سيطرة عسكريين مقربين لهم على السلطة، وسيبلغون بشار الأسد أن ساعته، وكذلك ساعة المحيطين به، قد أزفت، وما قد يرغب فيه الروس هو شكل من أشكال الانقلاب العسكري المرتب له جيدا، بشكل يحافظ على هياكل السلطة في سوريا، وفي الوقت ذاته يتخلص من بشار الأسد والدائرة المقربة منه.
مكان للجميع
بحسب الروس، فإن في سوريا ما بعد الأسد، من الضروري ان تجد كل الاقليات مكانا لها في هذا البلد وفي هياكل السلطة حتى لا تتكرر الأزمات، أي انه يجب تقديم ضمانات للعلويين والمسيحيين والدروز والأكراد والأقليات الاخرى في حال سيطر السنة وهم الاكثرية على السلطة.
أما واشنطن فلا يخفى على احد انها تراقب الوضع السوري بقلق شديد وموقفها حتى الآن يتمثل في المطالبة بتصعيد الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية ضد الاسد.
وتحدث كثيرون من اركان ادارة اوباما عن مخاطر التدخل العسكري، حتى ان قائد القوات المشتركة مارتن ريمبسي الذي صرح ذات يوم بأن التدخل العسكري يصبح ضروريا اذا تدهور الوضع الانساني بشكل كبير في سوريا، حذر اخيرا من ان احدا لا يمكنه التنبؤ بديناميكيات اي تدخل عسكري. هذا القلق هو الذي مازال يحكم السياسة الامريكية تجاه سوريا.
وهناك أيضا، اصوات اخرى في الكونجرس وربما في الإدارة الامريكية، تدفع باتجاه تسليح المعارضة السورية او غض الطرف عن قيام اخرين بتسليحها. اما الآن، فتقدم الولايات المتحدة المساعدات الانسانية ومساعدات فنية غير عسكرية مثل معدات الاتصال وغيرها، وهذا هو ابعد ما تقدمه واشنطن من مساعدات للثورة السورية.
فمن المعروف ان المعارضة السورية لم تكن موحدة منذ البداية وهذه من الاسباب التي جعلت الاحداث في سوريا تنحو مثل هذا المنحى، لقد عجزت المعارضة عن توحيد صفوفها في الداخل والخارج لأسباب مختلفة، فالمعارضة تعكس بشكل أو بآخر التعقيدات الشديدة للمجتمع السوري. وفي الخارج، كانت ثمة اتهامات بأن الانقسامات تعود إلى صراعات سياسية وخلافات ايديولوجية، وان المعارضة في الخارج بعيدة عن نبض الشارع السوري في الداخل. لذلك فشلت هذه المعارضة المنقسمة في الحصول على الدعم العسكري الكامل من الولايات المتحدة والدول الكبرى كما حدث في ليبيا.
وجود القاعدة
هناك مخاوف من تحقيق المتشددين من القاعدة اختراقات مهمة بحيث يفرضون هيمنتهم في النهاية، على الثورة. وتوجد تقارير متواترة عن وجود عناصر جهادية متورطة في بعض الهجمات وبعض العمليات الانتحارية التي وقعت منذ شهر سبتمبر الماضي، وقد ظهرت منظمة غامضة تدعى «جبهة النصرة» التي أعلنت مسؤوليتها عن بعض الهجمات، وليس معروفا مدى ارتباطها بـ «القاعدة في العراق» أو تنظيم القاعدة، أو إذا ما كانت من صنع أجهزة النظام الأمنية. عموماً، انه وضع غامض، ولكن للأسف ان التطورات على الأرض تبرز المزيد من التطرف والمتطرفين الذين سيستغلون الفوضى خلال الاسابيع والأشهر المقبلة.
في المقابل، فإن العقبات التي تواجه كوفي عنان كبيرة جدا، والكثير يعتمد على الموقفين الروسي والصيني، فهل يمكن للمجتمع الدولي ان يتوحد لاتخاذ خطوات أشد ضد النظام السوري اذا وجد انه انتهك خطة عنان؟ ومن ثم فان السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الخطوات التالية المطلوبة؟ فإذا انضمت روسيا إلى الجهود الدولية وتخلت عن الأسد، فسوف يكون ذلك نقطة تحول في الصراع السوري،ولكن هذا لم يحدث حتى الآن. وقد عقد اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اخيرا بحيث نقل هولاند كل هواجسه لنظيره الروسي وأكد له ان لا حل إلا برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، في حين تمسك بوتين بالموقف الروسي المعتاد من ان الدعم الخارجي للمتمردين وتزويدهم بالسلاح هما اللذان يؤججان الوضع في سوريا.
لكن الواقع ان الروس يشعرون بقلق متزايد مما يحدث في سوريا ومن سلوك النظام، ولذلك، قد تصبح مجزرة الحولة العامل الأبرز الذي يساعد على تحول الموقف الروسي بقليل من الضغط من المجتمع الدولي على الكرملين، وهذا قد يغير الوضع داخل سوريا برمته.
.
مقالات أخرى...
- ماذا بقي من فلسطين بعد ٤٥ سنة من نكسة ١٩٦٧؟ - (4 يونيو 2012)
- هيمنة إيرانية سياسية واقتصادية على بغداد في ظل حكومة المالكي - (2 يونيو 2012)
- هل هي بداية تصعيد.. سوريا تتهم لبنان بأنه وكر للإرهابيين؟ - (28 مايو 2012)
- في انتظار رئيس مصر القادم «الخطوط الحمراء الأمريكية» عصا هنا وجزرة هناك - (28 مايو 2012)
- حرب أدمغة بين مهندسي الصواريخ في إيران وإسرائيل - (26 مايو 2012)
- في أوسع ائتلاف حكومي تشهده تل أبيبالتحول والانتهازية وفقدان الثقة تحكم الموقف في إسرائيل - (26 مايو 2012)
- هل يذكي النفط حروب المستقبل؟ - (25 مايو 2012)
- المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية العبيد مروح يؤكد:لن يتوقف القتال إلا بعد سحب الجنوب لجيوشه - (18 مايو 2012)
- مروان البرغوثي زعيم بالفطرة يتحدى القضبان الحديدية - (18 مايو 2012)