الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٤ - الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


هل هي بداية تصعيد.. سوريا تتهم لبنان بأنه وكر للإرهابيين؟





فجأة من دون سابق إنذار اشتعلت الجبهة اللبنانية على أكثر من صعيد مهددة أمن البلاد واستقرارها، فأتت الأحداث الأمنية لتواكب التكهنات والمخاوف من انتقال شرارة الأزمة من سوريا إلى جارتها لبنان التي لطالما تأثرت بها.

في شمال لبنان، برزت حركة تسلح كبيرة على الأرض، وسرعان ما دارت معارك طاحنة بالرصاص الحي والقذائف بين الموالين للنظام السوري والداعمين للثوار وللجيش السوري الحر. السبب الأول لهذه المعارك لم يقتصر فقط على اقدام الجهات الامنية على توقيف الشاب السلفي الداعم للثوار شادي المولوي بتهمة الانتماء للقاعدة ومن ثم اطلاق سراحه، بل تعدى ذلك إلى خلافات مبيتة بين ابناء المدينة الواحدة تأثراً بالخارج. كالعادة، سقط عدد من القتلى والجرحى، وبرزت الخطابات الملتهبة إلى الواجهة لتجيش الرأي العام، ولم تكد حدة الاشتباكات تخفت، حتى برزت احداث امنية أكثر تعقيدا تمثلت في مقتل الشيخ السلفي احمد عبدالواحد على حاجز للجيش اللبناني بعدما رفض الامتثال لطلب العساكر بتفتيش سيارته. وتزامن ذلك مع حادثة اختطاف حافلة في حلب تقل زوارا لبنانيين قادمين من إيران، حيث تبين ان فصيلا من الثوار اعتقل الرجال وأطلق سراح النسوة، لإجراء عملية تبادل للسجناء مع النظام، بعدما وردته معلومات عن احتمال ان يكون عناصر منتمين إلى «حزب الله» على متن الحافلة.

إزاء ما يحدث، كان لافتاً موقف النظام السوري الذي اتى على لسان مندوب سوريا إلى الامم المتحدة بشار الجعفري الذي قال إن لبنان يصدر الارهاب إلى سوريا، وقد حملت رسالته اكثر من تأويل لكن الهاجس الاكبر كان فيما سرب من معلومات لاحقة من ان النظام السوري ربما يفكر في القيام بعمليات عسكرية محدودة في لبنان، كما تفعل تركيا ضد الاكراد في العراق.

«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:

كما في كل موسم اصطياف كان اللبنانيون يأملون خيراً من حركة السياح والمغتربين التي عادة ما تدفع عجلة الاقتصاد المتراخية، لكن الرياح كالعادة لم تجر كما تشتهي السفن، وبرزت مجموعة من الملفات الامنية الخطرة التي من شأنها ان تدخل البلاد في المجهول، ومع ان الحكومة اللبنانية التزمت سياسة الناي بالنفس حيال الأحداث التي تحصل في سوريا، وآثرت غض الطرف عن الداعمين للثوار او الموالين لنظام بشار الاسد في لبنان، إلا انها لم تتمكن من ضبط ايقاع بعض المناطق المتاخمة للحدود مع سوريا، وسرعان ما برزت شرارة الفتنة والصراعات بفعل قوى خارجية.

رسالة الجعفري

رغم ان ما يجري من احداث واضطرابات امنية في سوريا ينعكس سلباً على لبنان وليس العكس، فإن القيادة السورية ارتأت أن توجه اصابع الاتهام إلى بعض المجموعات اللبنانية بأنها هي التي تصدر الارهاب إلى سوريا. هذه الرسالة نقلها «بإخلاص» المندوب السوري إلى الامم المتحدة بشار الجعفري الذي لفت إلى أن بعض المناطق اللبنانية، المجاورة للحدود مع سوريا، أصبحت «حاضنة لعناصر إرهابية من تنظيمي القاعدة والإخوان المسلمين»، في اشارة واضحة إلى منطقة الشمال اللبناني.

وأرفق الجعفري رسالته بمجموعة من المعلومات الموثقة المتعلقة بتزويد الجماعات الإرهابية في سوريا بالسلاح وتهريب الإرهابيين عبر الحدود اللبنانية السورية، حيث تحدث عن عدة مستودعات للسلاح والعتاد أقيمت في بعض المناطق اللبنانية الحدودية، وهي وثائق رفضها العديد من الجهات اللبنانية واعتبرها مفبركة.

ولم يتوقف الجعفري عند هذا الحد بل أكد أن مقار الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها الجماعات السلفية وتيار المستقبل في الشمال تحولت إلى اماكن مخصصة لاستقبال وإيواء عناصر ارهابية من السوريين وغيرهم ممن ينطلقون من الاراضي اللبنانية لتنفيذ عملياتهم الاجرامية في سوريا، وكشف أن نحو ٥٠ ارهابيا موجودون في بلدة القلمون بطرابلس بقيادة خالد التنك وخالد حمزة وزكريا غالب الخولي، موضحاً أن هؤلاء يحملون بطاقات ممهورة بشعار الأمم المتحدة، «يستخدمونها للمرور عبر حواجز الجيش اللبناني وبحوزتهم اسلحة مختلفة، وان قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد وصل إلى لبنان مؤخراً للتحضير لإقامة منطقة سورية عازلة انطلاقاً من الأراضي اللبنانية».

وفيما أكد الجعفري في ختام رسالته أن استمرار عمليات تهريب الأسلحة والإرهابيين إلى سوريا عبر الحدود، بدعم وتمويل وتغطية من بعض الدول العربية والإقليمية والدولية، من دون أي مساءلة، لا يشكل فقط انتهاكاً لكل القوانين والأعراف الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة، بل يتعارض بشكل تام مع خطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا كوفي عنان، حملت رسالته اكثر من تهديد للبنانيين وكان لها تأويلات خطرة ولاسيما فيما يتعلق بما ستقدم عليه السلطات السورية ضد لبنان في الفترة المقبلة، فكأن دمشق ارادت من خلال رسالتها هذه ان تبرر أي عمل تقدم عليه في المستقبل القريب.

واعتبر العديد من الأطراف اللبنانية رسالة الجعفري افتراءات تعكس المأزق الذي وصل إليه النظام السوري الذي يريد ان يهرب إلى الامام عبر توجيه الاتهام لفصائل لبنانية بأنها تدعم الثوار، ورأوا أن إيراد المؤسسات الخيرية والمشافي في هذه «الرسالة»، يهدف إلى تشويه صورة العمل الخيري، ومحاصرة النازحين وتحويل حياتهم إلى جحيم لقتلهم مرتين.

وفيما عبر فرقاء كثر عن ارتياحهم لموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الرافض لجملة الافتراءات السورية كما وصفوها، طالب هؤلاء الحكومة بالتخلي عن سياسة النأي بالنفس وبموقف واضح يؤكد سيادة لبنان وحرية قراره، ويضع النقاط على الحروف حتى لا يبقى المواطن اللبناني عرضة للاتهامات بالإرهاب.

تمويه سوري

من الواضح ان قرارا سوريا اتخذ بالتمويه على ما يجري في سوريا ومحاولة حصر انتباه العالم في لبنان من خلال تحويله إلى مكب للصراع الحاصل وتوصيفه بأنه وكر للإرهاب وإيهام المجتمع الدولي بهذه الصورة بما قد يبرر أي عمل عسكري تريد سوريا القيام به ضد اهداف في لبنان.

وتشي رسالة الجعفري بأن سوريا تمهد الطريق لزيادة تدخلاتها عبر الحدود اللبنانية وربما للقيام بعمليات عسكرية محدودة النطاق تحت شعار مواجهة «الإرهابيين» على الحدود اللبنانية السورية وربما ابعد من ذلك باعتبار ان تقرير وزارة الخارجية السورية يرسم خريطة طريق اتهامية تمر عبر مجمل المناطق التي تؤيد المعارضة السورية من منطقتي جونية وكسروان المسيحيتين وصولا إلى الضنية وعكار. وليس بعيداً من ذلك ما فهم من كلام المسؤول السياسي في الحزب الديمقراطي العربي في طرابلس رفعت عيد حليف سوريا الذي قال إن ضبط الوضع في طرابلس قد يوجب الطلب إلى الجيش السوري الدخول إلى لبنان لوقفه، فهل تعليقه مجرد هفوة ام انه مؤشر إلى خطة ما في هذا الاتجاه؟

إلى ذلك، لم يستبعد بعض الاوساط المراقبة من ان يكون النظام السوري قد افاد من حسن النيات الأمريكية الإيرانية في هجومه المعاكس، وخصوصا في ضوء التقارير التي تحدثت عن ان شادي المولوي، الشاب السلفي الذي اوقف بطريقة غريبة في احدى المؤسسات الخيرية التابعة للوزير محمد الصفدي بتهمة الانتماء إلى القاعدة، قد اوقف بالتنسيق مع الامريكيين. ويذكر في هذا الإطار ان الحلحلة التي تشهدها العلاقات الأمريكية الإيرانية أفضت إلى استجابة طهران لطلب من واشنطن بترحيل رأس احدى شبكات القاعدة، وهو الأردني عبدالله عثمان عبدالسلام، الذي وصل إلى دمشق وانتقل إلى لبنان، بدل تسليمه إلى السلطات الاردنية، وثمرة التعاون الأمريكي الإيراني في ملف عبدالسلام تجلت في إمرار المعلومة المتعلقة بالمولوي إلى الأمن العام اللبناني الذي تولى مهمة توقيفه، قبل ان تكر سبحة الكلام عن هجرة تنظيم القاعدة إلى لبنان، وانتشاره بين المجموعات السلفية، وقيامه بتصدير الارهاب إلى سوريا.











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة