الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٦ - السبت ٩ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


التحديثُ من قلبِ المدن





إذا كانت المدنُ العربية الإسلامية قد عجزتْ عن تشكيلِ الحداثة فهذا بسببِ عجزها عن تأسيس أسلوبِ إنتاجٍ جديد.

إنتاجُ الغربِ للحداثةِ تأسس من خلالِ ظهورِ مدنٍ جديدة حرة، هي مدنُ (الأبراج)، المنفصلةُ عن عالم الإقطاع، فظهرتْ تسمية البرجوازية.

لكن الدول الشمولية الشرقية لا تتيح نمو طبقات برجوازية مستقلة داخلها، وفي الثورات العربية تأسستْ بذورُ ذلك.

انكسر بعضُ السيطرات السياسية على رأس المال الوطني العام.

ويمكن للرأسمال العام المستقل المُدار بطرائق ديمقراطية أن يبعثَ التغيير في الخريطة الاقتصادية الاجتماعية، وأن توجهه القوى المنتخبةُ إلى إعادة تجديد الإنتاج بطرائق تحديثية واسعة للقطاعين العام والخاص لتجاوز التخلف.

هذا يتطلب من القوى المنتجة البشرية المساهمة في هذا التجديد الديمقراطي، لا أن تقفز لمهماتٍ أخرى تحدث الاصطدام وتعرقل التطور فتفرق البناةَ التحديثيين بدلا من أن توحدهم.

وتبقى القوى الدينية المحافظة كحارسٍ على البناء الاجتماعي التقليدي، وهو بناءٌ يعرقلُ ذلك التجديد.

هي لحظات تاريخية لم يسبق للمدن العربية الإسلامية أن توصلت إليها، وليس بإمكان أغلبية القوى الدينية أن تفهم طابعَ هذه المرحلة وأهميتها في تغيير الشعوب العربية.

فهيمنة هذه القوى على العائلة وتحويلها لعائلات ذكورية مجمدة كبيرة الأعداد يتناقضان مع تنامي الديمقراطية، وهما أمرٌ يرتبط كذلك بفهم النصوص الدينية بطرائق تقليدية، تضعفُ من تطور العلوم الطبيعية والاجتماعية وظهور أجيال جديدة تدير قوى إنتاج متقدمة على مستوى العائلة وعلى مستوى المنشأة الاقتصادية الحديثة.

الإقطاع المنكسر في الحكومات المتحول لرساميل هو شبيه بتحول الإقطاع البروسي إلى أصحاب مصانع ومزارع حديثة، وتم ذلك بالقوة القسرية للدولة.

لكن هنا في التطور العربي تغدو المجتمعات الفقيرة غير مسيطرة على وسائل إنتاج عامة وفيرة الأرباح، ولهذا فإن المجالَ مفتوح للقطاع الخاص بصور كبرى ومن خلال أدوات ديمقراطية وثورة عالمية تقنية، وعبر انفتاح واسع.

خلال أكثر من نصف قرن عاشت الدول العربية بفضل الطبيعة الخام، وليس على قوى العمل المتطورة، فظهرت فيها مواد خام ثمينة كالنفط والفوسفات أو جلبت مواد خاما من الخارج.

عيشها على الطبيعة الخام هو مثل عيشها على النصوصية والعائلة الأبوية والدولة المالكة للسوق.

ليس ثمة علاقات إنتاج متطورة، فاستخراج النفط أو أنشطة التعدين هي أعمالٌ تمثل تعديلات بسيطة على المواد الخام.

ولكن حتى الفيض المالي الذي نتجَ عن ذلك لم يُعدْ تشكيل هذه الدول بحداثةٍ عميقة، فهي حداثة مظهرية سطحية، وتعتمد على الاستيرادات المختلفة للبضائع المادية والفكرية من الدول المنتجة.

وكثيرا ما تكشفتْ هذه الإنشاءات الكبيرة كذلك عن جداول تتحول لصواريخ تتوجه للشوارع فبدلا من أن تستوعب مياه الجداول والأمطار تحطمتْ منها وفاضتْ بها.

وغدت مشروعاتُ المجاري والجسورِ والشوارع مآسي اقتصادية حيث تكشفت عن عجز عن القيام بوظائفها.

وهذا مجردُ مظاهر ساطعةٍ بارزة أثر مشكلاتٍ واختباراتِ جدوى قامتْ بها الطبيعةُ والاستخدامُ البشري العادي.

أحزابٌ وقوى سياسية جديدة حية في الحكومات، وبرلمانات تعبرُ عن الترمومتر الشعبي المحدد الأكثر رهافة للمشروعات التي تغير كل بلد وتوزع الفيض على الشعوب.

مرحلةٌ معقدةٌ مركبة لكنها ممكنة التحويل، لكون التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية حادة، بين من يملكون ومن لا يملكون، بين من يعرفون والذين لا يعرفون، بين من لا يعملون ويغتنون ومن يعملون ولا يعيشون.

وهي تتداخلُ بين الشعوب العربية فالمتأخرُ يتعلمُ من المتقدم، وليس من الضروري أن يدخل ثوراته، ويعيشَ حطامَه، بل أن يستثمر التجربة ويساعد على تطورها وإنقاذها في النمو المشترك للأمةِ العربية المنقسمةِ خريطةً المتحدة تاريخًا.



.

نسخة للطباعة

من أصداء الحوار

عندما نتصدى بالكتابة عن وزير الداخلية فإننا لا نتناول شخصه الكريم، إنما نخوض في معاناة شعب بأكمله، ونتعامل ... [المزيد]

الأعداد السابقة