الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٨ - الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


بين حرارتين.. يصهرني عشق البحرين





أطل علينا الصيف بحرارته المحرقة وشمسه الحارقة لتمتزج تلك الحرارة بالشعور الملتـهب الجـياش في حـب البحريـن وأهلها والانتماء إليها.. كأنه الامس حينما كتبت في أخبار الخليج موضوعا بعنوان «ملاحظات حول شهرين في البحرين»، وتبعته بمقال آخر بعد عامين بعنوان «ملاحظات حول عامين في البحرين»، وتعاقبت السنوات ومرت متسارعة ليزداد مع مرورها عشق البحرين التي ضاهت نهضتها العمرانية والحضارية أرقى دول العالم.

كانت البحرين قبل عقد من الزمان ونيف تتميز بمجمع السيف التجاري كمعلم بارز من معالمها الذي كان يستقطب الاف الزوار كل يوم، وكانت المحال التجارية تتميز بالطابع التقليدي آنذاك.. وبين عشية وضحاها انتشرت في ارجاء البحرين المتاجر الكبيرة (السوبرماركت) التي تبيع عن طريق الخدمة الذاتية والمجمعات التجارية الضخمة.. وأصبح الزائر يراها تنتشر ذات اليمين وذات الشمال فيحار من أيها يبدأ.

لم تعد البحرين مثلما كانت في عام ٢٠٠٠ حينما تشرفت بالانضمام إلى جامعة البحرين كعضو هيئة تدريس فيها.. لينتهي بي المطاف إلى أن أتشرف بالعمل في كلية البحرين للمعلمين حاليا التي هي صرح علمي وتعليمي يمثل أحد مؤشرات تطور التعليم في البحرين ويعكس التقدم الحضاري الهائل في مملكة البحرين، وهذا الصرح العظيم تقوم على إدارته نخبة من المواطنين ذوي الكفاءات العالية والخبرات الرائدة المشهود لها، منها سعادة الشيخ هشام آل خليفة، ومعالي د. ماجد النعيمي وزير التربية والتعليم، وسعادة د. ابراهيم جناحي رئيس جامعة البحرين ونائبه سعادة د. خالد بوقحوص، هذه النخبة التي تسعى جاهدة إلى تحقيق معايير الجودة الشاملة في مجال التربية والتعليم وتتابع عن كثب ما يجري من أحداث.

ويلاحظ الزائر لهذه الكلية الفتية حرص طلبتها على ربط العلم بالعمل والنهل من مناهل المعرفة ما أمكنهم ذلك، والتوجه إلى العمل الجماعي التعاوني، وعمل كل ما بوسعهم للحصول على التأهيل المناسب الذي يؤهلهم للقيام بواجباتهم الوطنية وخدمة ميدان التربية والتعليم على الوجه الاكمل.. هؤلاء الطلبة هم أمل المستقبل وهم جزء من الوجه المشرق للمجتمع البحريني.. فكم يثلج الصدر ملاحظة دأبهم ومتابعتهم والتعبير عن تقديرهم لأساتذتهم فليبارك الله فيهم.

هكذا هي البحرين.. وهكذا هو شعبها العظيم يسعى إلى المثالية دائما.. ويذود عن وطنه بكل ما أوتي من قوة.. ويفخر بنشوة بمنجزات هذا البلد المعطاء.. لم تعد البحرين كما كانت في عام ٢٠٠٠ على وجه التحديد.. فهذه البنايات الشاهقة التي تطاول السحاب تتألق في معظم شوارعها لتجعلها زينة للناظرين وهذه المنتجعات الراقية التي يحار الزائر في إطلاق حكمه على أيها الأجمل والأرقى في التصميم والعمارة والخدمات المتميزة ذات الجودة العالية.. وهذه الفنادق المنتشرة هنا وهناك تتحدى في رونقها وتجهيزاتها أجمل الفنادق الموجودة في الدول المتقدمة.. وهذه المدارس والجامعات المتطورة في مبانيها وأروقتها وتجهيزاتها ومناهجها المطابقة لمواصفات الجودة الشاملة، أما المستشفيات والمراكز الصحية التي اتسمت بنظافتها وخدماتها السريعة فحدث ولا حرج.. وهنا لا أريد أن أسترسل لأتغزل بمملكة البحرين فأذكر كل ميدان فيها وكل مرفأ تطاول في بنيانه ليجعل البحرين عروس الخليج متألقة دائما.. ودعني أيها القارئ الكريم أتناول هنا طيبة شعب البحرين.. هذا الشعب الذي يذكرني بطيبة أهل زمان وتكاتفهم واحترامهم لبعضهم وللغرباء عنهم.. لقد تجولت في معظم دول العالم المتقدمة وغير المتقدمة ولست مبالغة إذا كتبت: ما رأيت قط مثل أفراد مجتمع البحرين.. كل فرد يسعى إلى أن يثبت ذاته، وكل فرد يبذل قصارى جهوده ليطور نفسه، وكل فرد يعتمد على ذاته تماما مهما كانت إمكاناته.. وفوق كل هذا وذاك، كل فرد يقدم المساعدة للغريب ويجيب عن أسئلته.. وعندما يضل أحد الغرباء الطريق لا يكتفي المواطن البحريني بوصف الطريق له بل يقتاده بنفسه ليوصله إلى ضالته، وكم مرة ضللت طريقي وسألت أحد المارة ليرشدني إلى الوجهة الصحيحة، وكل مرة أجد من أسأله يقول لي بكل أدب وذوق: (اتبعيني حياك) هذه هي قمة الرقي.

وأبناء المجتمع البحريني يفخرون ببلدهم.. يتباهون وهم يطلعونك على معالم البحرين ومتاحفها وجامعاتها وأماكن الترفيه فيها.. هذه هي المواطنة الحقة، فمن خلال المواطنين الخيرين تعرفت كل معالم البحرين وشوارعها، وأسواقها الشعبية وأزقتها.. حتى المقابر فيها.. وأحببتها ولست مبالغة حين أقول: انني أوصيت المقربين مني بأن أدفن في إحدى مقابر البحرين عند موتي.

هكذا أحببت هذا البلد الأمين الوديع الآمن المحب الجميل بكل ما فيه.. هذا البلد الصغير بمساحته الكبير في حضنه واحتضانه.. هذا البلد الذي يقدر خدمات الوافدين مهما كان نوعها ويدعم عطاءاتهم ليعود ذلك حبا وعرفانا واعتزازا.

لقد عشت الغربة وذقت مرارتها وحرمانها أعواما طويلة أثناء الدراسة والعمل في دول الغرب بعد أن قضيت حقبة من الزمن في وطني العزيز المملكة العربية السعودية.. وانتهى بي المطاف لأستقر في البحرين العزيزة التي أقمت فيها اثني عشر عاما ومازلت وسأبقى هنا بإذن الله فقد أصبحت البحرين بلدي الثاني.

وهنا لسان حالي يقول قول الشاعر: هناك شبابي قد تقضى وههنا مشيبي وفي الحالين أشكو وأشكر أي أشكو النوى عن وطني وأشكر البحرين العظيمة لاحتضانها لي، وأشكر الله سبحانه وتعالى لنعمته لأستقر في بحرين الهوى والحب والأمان والعطاء، وأعاهدها بأن أترجم عشقي لها ولاء ووفاء وعطاء دائما مادمت حية، وأسترشد بقول الشاعرة لميعة عمارة:

شموع لها أضلعي ما أقل عطاء الفقير إذا ما نذرْ؟

نعم، فالبحرين تستحق منا العمل المضني والعطاء الدائم والولاء المتجدد.

كلمتان عاميتان وجدتهما في قاموس المجتمع البحريني فواجهت صعوبة في التمييز بينهما في بادئ الأمر هما: (مبند) أي مغلق، و(مبطل) مفتوح.. سيبقى قلبي (مبطل) لخدمة هذه البقعة الطيبة وأهلها الشرفاء الأوفياء، ولعلي أترجم ذلك في أبيات بسيطة نظمتها، أقول فيها:

فـتـحت قلبي إلى البحرين أخـبرهـا هـنا مكانـك ما بين الشرايـين

فأنت مأوى عجيب صرت أعـشقه يكاد عن وطني فعلا ليغنيني

قـد اتخـذتك عـشـقـًا لا مـثـيل له من فرط شدته والله يبكيني

تـبقـين يا درة الأوطـان شامخة يا موطن الخير يا حبا بتكويني

حفظ الله البحرين وشعبها، ووفق طلبتنا الأعزاء في كلية البحرين للمعلمين والجامعات كافة وكلل مساعيهم بالنجاح الدائم.

* كلية البحرين للمعلمين



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة