الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٠ - الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


بلا رياضة بلا دوشة (٢)





وعدتكم في مقال الأمس أن أحكي لكم وقائع قد تجعلكم مثلي تنفرون من الارتباط بالرياضة، وخاصة كرة القدم، ولو بالتشجيع والفُرجة: في الأردن مثل رجل أمام القضاء متهما بقتل عياله الثلاثة وأمهم وأختها.. في آخر جلسة للمحكمة حدد القاضي موعد الجلسة التالية، ولكن المتهم وقف معترضا: ما أقدر أحضر الجلسة هذي!! سأله القاضي عن السبب فقال إن منتخب الأردن يخوض مباراة مهمة في ذلك اليوم.. ركِّز معي.. انس أن الرجل متهم بقتل كامل أفراد أسرته: زوجته وعياله.. افترض أنه بريء تماما من تلك التهمة.. فإدانته غير ثابتة حتى يصدر القاضي حكما بها.. ومن ثم دعنا نفترض أنه فقد جميع أفراد أسرته في جريمة ارتكبها مجرم بلا قلب ما زال هاربا من العدالة.. كيف يستطيع شخص كل ساعات يومه طوال أشهر استجوابات تذكره بما حصل لأسرته أن يفكر حتى في شرب كوب شاي؟ هب أنهم ماتوا بسبب الطوفان او الإسهال أو في حادث مروري.. هل يفكر إنسان سوي في الترفيه عن نفسه والتصفيق للاعب الذي يحرز الهدف وكل أسرته تحت التراب.

الأردن في المشرق العربي.. وتونس في المغرب العربي، وفي الأخيرة انهال شاب في الـ ٢٥ على والده البالغ من العمر ٦٥ سنة باللكمات والركلات غير الترجيحية، ثم ضربه عدة مرات بمكنسة كهربائية حتى دخل في غيبوبة، أُدخل على إثرها المستشفى، وبعد علاج مطول خرج بشلل دائم في الساق!! طيب ما هي الجريمة التي ارتكبها الأب حتى يستحق مثل ذلك العقاب القاسي؟ هذا الشاب الحقير يشجع نادي «الإفريقي» التونسي، ولا شغل ولا مشغلة عنده سوى متابعة مباريات النادي في الملاعب، وان تعذر ذلك في التلفزيون، وفي ذلك اليوم المشؤوم كان نادي الإفريقي يخوض مباراة وصاحبنا المهووس يصيح ويبرطم وينط ويملأ البيت صخبا غير عابئ بالضيق الذي سببه لبقية أفراد العائلة، وفي لحظة ضيق صاح والده: إن شاء الله الإفريقي يخسر المباراة كي نرتاح من صراخك.. لم يصدق الشاب ما سمعته أُذناه: هل يتجرأ كائن من كان ويدعو لـ «الإفريقي» بالخسارة؟ وخلال ثوان كان قد قرر أن شرف النادي لن يسلم من الأذى حتى يُراق على جوانبه دم أبيه.. للحكاية نهاية أكثر إيلاما: حكمت المحكمة على الشاب بالسجن ثلاث سنوات فقط.

وبعد هذا نستغرب سلوك الغوغائيين في مصر والجزائر بسبب منافسات في كرة القدم حتى لو وصل ذلك السلوك إلى الاشتباك بالأيدي؟ هناك من ينسى فقدان الولد بل ينسى أن حبل المشنقة قد يكون قريبا من رقبته بسبب مباراة في كرة القدم.. وهناك من يشرع في قتل والده بسبب عبارة عابرة تمس ناديه المفضل «وأعتقد ان الشاب التونسي توقف عن ضرب أبيه بعد ان دخل في غيبوبة مفترضا أنه مات.. يعني الغيبوبة أنقذت الوالد من الموت ولو أنها سببت له الشلل».. قالها قبلي كثيرون: كرة القدم لم تعد تستحق التاء المربوطة في آخرها، بل ينبغي ان تنتهي بالهاء «كره» أي كاف بالضم وراء بالسكون! بلا أخلاق رياضية بلا بطيخ.. أين عنصر الأخلاق في الفاولات- الخشونة المتعمدة في الملاعب؟ أين هي في الاشتباك المفضي إلى الموت بين المشجعين؟ أين هي من إرغام اللاعبين على تعاطي الحبوب المنشطة كي يحتفظوا بحيويتهم طوال المباريات، وما على المدربين من حرج إذا سببت تلك الحبوب الوهن العضلي لمن يتعاطاها ولو كان في سن الثلاثين.

مرة أخرى أقول إن الرياضة ممتعة لمن يمارسها ولمن يتابعها، ولكن ارحمونا من الكلام الفارغ.. أتمنى من المعلقين الرياضيين العرب بالذات أن يكفوا عند التعليق على مباريات بين فريقين عربيين التوقف عن استخدام كلمة «الأشقاء» في وصف لاعبي الطرفين فهي كلمة صارت مسكوكة ومبتذلة.. نفس المعلق الذي يتحدث عن فريق عربي «شقيق»، يلاعب فريقا من بلده.. ما ان يحرز فريق بلاده هدفا حتى يهتف: الله أكبر.. الللللله أكبر فتحسب ان سمكة قرش ابتلعت اسرائيل وأراحتنا من الذل.. ولو أحرز الفريق الشقيق هدفا يصيح المعلق: الحَكَم ما عنده ذمة وأكيد اشتراه «الأشقاء».





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة