المواطن الذي قال: خذوا البرلمان.. وأعطونا وظيفة وإسكانا
 تاريخ النشر : السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم : د. عبدالرحمن بوعلي
قال مواطن طيب من أهل البحرين الطيبين: (لو أن الدولة وفرت لنا سكناً كريماً وتغلبت على مشكلة البطالة، لكان خيراً لنا ألف مرة من البرلمان)! وأنا لا ألوم هذا المواطن الطيب، الذي بلغ به اليأس والإحباط مداه، والذي يعيش على أرض وطنه ويشعر أنه مواطن مع وقف التنفيذ، إذ يسكن بالإيجار ويحلم من سنوات طويلة بامتلاك بيت، فيما يحلم ابناؤه بوظيفة مناسبة لكل منهم، وقناعتهم المشتركة مع كثير من أهل البحرين المتعففين أن مصير هذا النوع من الأحلام أن تبقى أحلاماً، وتنتقل مع أصحابها إلى عالم البرزخ.. إلى أن يكتب لهم بيتاً في الجنة لقاء صبرهم على وعود وزراء ومسئولي الاسكان والعمل التي لا نهاية لها..!
ومع أنني لم أحاول مناقشة المواطن الطيب في مقولته، إلا أنه كان يبدو مستعداً وجاهزاً لتبرير رأيه وتأكيد مقولته عندما طرح رقماً هائلاً قال إنه يمثل ما أنفقته الدولة على مجلسي النواب والشورى حتى الآن، وهو رقم يكفي لحل المشكلتين الإسكانية والتوظيفية حلاً جذرياً من وجهة نظره.. وأضاف: حين يجد المواطن سكناً لائقاً كريماً ووظيفة مناسبة توفر له العيش الكريم، فماذا يريد من البرلمان..؟!
ومرة أخرى وجدت نفسي، عاجزاً عن لوم أو مجادلة مواطن طيب لا يعرف المشاكسة والتظاهر والاعتصام والإضراب عن الطعام، كما لا يعرف لغة التهديد بالتخريب والعنف.. ولكنه يشعر أن آخر ما تفكر فيه الدولة هو تحقيق مطالبه وحقوقه الأكثر حيوية وإلحاحاً وضرورة، فيما تستنفد الدولة الكثير من طاقاتها ومواردها في أمور غير ذات أهمية بالنسبة إليه، وبعيدة جدا عن همومه ومشاكله ومطالبه واحتياجاته.
إن مشاعر الإحباط التي يمكن التماسها بسهولة لدى شريحة كبيرة جداً من المواطنين جراء المشكلتين الدهريتين: الاسكان والبطالة، يجب أن تصل بحقيقتها وكما هي، ومن دون تجميل إلى القيادة الحكيمة.. وهذا هو دور المستشارين والمسئولين والوجهاء ورجالات الدولة المخلصين، كما هو دور الإعلام الوطني المسئول والنظيف. فالواقع الذي تم الكشف عنه مؤخراً أن بعض المسئولين لم يجدوا بأساً في تجميل الحقائق وتضخيم الارقام التي يرفعونها للقيادة الحكيمة عن إنجازاتهم، وكانت النتيجة، تراكم المشكلات، وزيادة حدتها، وانفاق عشرات ومئات الملايين على مشاريع بلا نتائج حقيقية وملموسة.. فيما بقي المواطن عاجزاً عن المقاربة بين كل هذه التصريحات والارقام والاحصائيات الوردية التي يسمعها من المسئولين، وبين حقيقة أنه لايزال ورغم مرور السنوات الطوال والتصريحات والوعود الأطول، يسكن ذات البيت المتواضع بالايجار ويعجز عن تدبير أية وظيفة لأبنائه وتوفير العيش الكريم لهم.
والسؤال الطبيعي الذي لا يجد إجابة شافية من كل المسئولين هو كالتالي: إذا كانت الأراضي متوافرة، والأموال اللازمة لبناء المشروعات الاسكانية متوافرة، والإمكانات الإنشائية متوافرة.. والنوايا الصالحة متوافرة أيضاً، وفوق كل هذا وذاك توجيهات القيادة الرشيدة التي تؤكد دائماً إعطاء الأولوية القصوى لحل هذه المشكلات وبأسرع وقت ممكن.. فمن أين تأتي كل هذه المعوقات، التي تبقي مشكلة الإسكان في البحرين مشكلة دهرية تزيد أرقامها يومياً وتتزايد الشكوى منها مع كل إشراقة لشمس يوم جديد؟
السؤال بسيط جداً.. ومتكرر جداً.. وهو موجود بقوة وكثير من الإحباط على شفاه كل مواطن بحريني. والعجيب أن أحداً من المسئولين المعنيين لم يحاول حتى الآن الإجابة عنه، أو مصارحة المواطن بما يحول دون تحقيق مطلبه الذي تجاوز عمره سنوات عديدة..؟!
أما المواطن الذي يبحث عن وظيفية مناسبة منذ سنوات طويلة ولا يجد، وفي الوقت نفسه يقرأ تلك الأرقام والاحصائيات التي تؤكد لنا أن البحرين هي أكثر الدول نجاحاً في العالم بالنسبة إلى معالجة مشكلة البطالة وأن نسبة العاطلين فيها هي من أقل النسب في العالم.. فهذا المواطن ليس له إلا الشكوى لله عز وجل، والهجرة إلى بلد ليس فيها أجهزة متخصصة في صناعة الأرقام غير الحقيقية وإعطاء صورة للقيادة بعيدة عن واقع الحال الذي يعيشه المواطن.. ولا عزاء لمواطن بلا سكن كريم ووظيفة مناسبة.
في الشأن الوطني: وما أدراك
ما البيروقراطية البحرينية؟
من العبارات اللاذعة لرئيس الوزراء الايطالي السابق بيرلوسكوني، أن الوقت الذي يلزمه لحجز موعد لحلق دقنه عند الحلاق في إيطاليا، تقوم فيه اليابان بتأسيس شركة ووضعها في البورصة..! أما في البحرين فالوقت الذي يلزم لاستخراج البطاقة الذكية أو استخراج شهادة ميلاد او شهادة وفاة، يكفي لبناء جسر في تايلند.. ومشروع إسكاني في دبي.
.