مستقــــبل الأمـــن الخـــليجي بعـــد أزمــة البحــــرين
 تاريخ النشر : السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. شمسان بن عبدالله المناعي
بعد أزمة البحرين في الرابع عشر من فبراير ٢٠١١م تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الأمن الخليجي أصبح أمراً ملحّاً لدول المنطقة ومن الأولويات التي يجب على قادة دول مجلس التعاون الخليجي التركيز عليها في أي اجتماع قمة قادم، وهو أولاً وقبل كل شيء أصبح مطلب شعوبها. إن ما جرى في البحرين لم يكن مجرد أعمال شغب وتخريب وعنف، إنما هي محاولة انقلابية بامتياز تم التخطيط لها من قبل إيران والموالين لها في البحرين وحزب الله اللبناني، والأطماع الإيرانية في البحرين قديمة ليست بخافية على أحد ومازالت، ولذلك استغلت إيران أحداث البحرين لكي تجد ما تبرره لتحقيق حلمها القديم.
إن فشل المحاولة الانقلابية في البحرين لا يعني أن إيران تخلت عن مشروعها التوسعي، لأن البحرين في رأيها هي الحلقة الأضعف والأنسب لمد نفوذها إلى دول الخليج العربي لكي تحقق ثلاثة أهداف، أولها أن تثبت للعالم أنها مازالت القوة العظمى في المنطقة كما كانت قبل الثورة، وثانيهما هو تحقيق مشروعها التوسعي بإقامة الإمبراطورية الفارسية الذي هو حلمها الذي لن تتخلى عنه، وثالثها لعلها تجد من إثارة المشاكل مع دول مجلس التعاون والتدخل في شئونها الداخلية ورقة رابحة تستخدمها متى تشاء لتخفيف الضغوط الناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من قبل أمريكا ودول حلف الأطلسي بسبب مشروعها النووي، وما زيارة الرئيس الإيراني أحمد نجادي لجزيرة أبوموسى الإماراتية المحتلة إلا اكبر دليل على نوايا إيران المبيتة تجاه دول الخليج العربي.
لم يكن الأمن الخليجي مهدداً من قبل كما هو عليه الآن، وما زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية للمملكة العربية السعودية ولقاؤها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبعدها نظراءها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في المنتدى الذي أقيم بمقر الأمانة العامة لمجلس التعاون بمدينة الرياض بحضور الأمين العام لمجلس التعاون وتأكيدها في المؤتمر الصحفي في ختام زيارتها العلاقات الاستراتيجية مع دول المنطقة إلا دليل على أن أمريكا بدأت تستشعر خطورة الوضع الإقليمي، وتأخذ على محمل الجد التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربي الذي يمتلك ثلثي الاحتياطي للنفط العالمي، ولذا كان تبدل الموقف الأمريكي واضحاً عندما أرسلت أمريكا وزيرة خارجيتها هلاري كلينتون إلى المنطقة والتي بدأتها بالمملكة العربية السعودية، وأكدت للمسئولين السعوديين حرص الولايات المتحدة الأمريكية على أمن وسلامة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي عندما أكدت استمرار موقفها الرافض لامتلاك إيران أسلحة نووية من شأنها تهديد أمن منطقة الخليج والتزامها، وبعدها مباشرة قيام وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية وهناك جددت وزيرة الخارجية الأمريكية هلاري كلينتون تعهدها بالشراكة مع المملكة العربية السعودية عند لقائها وزير الدفاع السعودي, عندما أكدت أن المملكة العربية السعودية شريك وثيق واستراتيجي للولايات المتحدة في العديد من القضايا الحرجة التي تواجه العالم اليوم. كل هذه التحركات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أمريكا بدأت تدرك خطورة تعرض مصالحها في الخليج للتهديد الإيراني.
ومما يزيد الأمر تهديداً للأمن الخليجي هو تأزم الوضع الداخلي في إيران والأزمة السورية وما تمثله من عبء على النظام الإيراني الذي مازال يكرر التزامه بالدفاع عن النظام السوري, هذه العوامل تجعل النظام الإيراني يبحث له عن مخرج من الوضع الحرج الذي يعيشه، ولذا فإن إثارة المشكلات والتهديدات التي يطلقها لدول الخليج في تصوره هو حل لكل مشاكله وإذا ما استدعى الوضع أن يقدم على عمل عسكري ضد هذه الدول فهو عمل لا يستبعده. إن النظام الإيراني يحاول الآن تحريك أتباعه في البحرين وخاصة في المملكة العربية السعودية لكي يجعل الوضع الداخلي في هذه الدول مهيأ له للقيام بأي عمل عسكري.
كل هذه المعطيات تفرض على دول مجلس التعاون الخليجي اخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد، وأن تعي أن كل دولة لا تستطيع أن تحقق الأمن لنفسها بمفردها من دون التحاقها بمنظومة مجلس التعاون الخليجي وتكون فيه المملكة العربية السعودية هي مركز الثقل في هذه المنظومة لاعتبارات عديدة، وتحقق فيما بينها صيغة سياسية وحدوية. بغير ذلك يكون الأمر خطيرا في ظل التهديد الإيراني بالتحديد والأوضاع الإقليمية بشكل عام فهل تعي دول مجلس التعاون هذه الحقيقة؟
* باحث أكاديمي بحريني
.