حول إشراك موظفي الحكومة في الرقابة
 تاريخ النشر : الأحد ١٧ يونيو ٢٠١٢
لطفي نصر
البيان الذي صدر عن ديوان الخدمة المدنية منذ أيام والقاضي بدعوة موظفي الحكومة إلى التبليغ عن أية معوقات تعترض أو تخالف قانون الخدمة المدنية.. هذا البيان يتضمن دعوة صائبة ومطلوبة بل وضرورية لتحقيق الإصلاح المنشود في الجهاز الحكومي بأكمله.. ذلك لأنه من دون إشراك الموظف في عملية الرقابة على الأجهزة المختلفة فإن الرقابة التي ستمارسها إدارة الرقابة الإدارية بالديوان.. ستكون رقابة مهزوزة أو ناقصة بل ومبتورة, ولا يمكن من خلالها تحقيق الرقابة المنشودة.. ذلك لأن الموظف يمكن أن يكون العين الدائمة على كل أمور ودقائق الجهة الحكومية التي يعمل فيها.. إضافة إلى أنه من الضروري أن يعد الموظف شريكا رئيسيا أو صاحب المصلحة الأساسية في عملية الرقابة لضمان حسن تسيير الأمور في أجهزة الدولة.
قلنا إن هذه الدعوة التي وجهها الأستاذ فهد الذوادي مدير إدارة الرقابة الإدارية بالديوان هي دعوة جادة وصحيحة.. حيث رأيناه وقد رتب لها كل مقومات نجاحها، فذكر رقم الخط الساخن الذي سيتم الإبلاغ من خلاله وهو (١٧٣٦٤٤٧)، كما ذكر أيضا البريد الإلكتروني.
وضمانا لجدية الإبلاغ وضع ديوان الخدمة المدنية شروطا عدة أو عناصر لضمان سلامة ما أسماه «البلاغ الإداري» ومنها: ذكر اسم المبلغ ورقمه الشخصي ورقم الاتصال به, وأن يكون البلاغ مقدما من صاحبه شخصيا, وأن ترفق به المستندات اللازمة والدالة على ما يفيد أن المبلغ قد قام بمراجعة الجهة المختصة بالنظر في الموضوع إذا استدعى الأمر ذلك.. كما كان ديوان الخدمة واضحا جدا عندما أشار إلى أنه من لا تتوافر في بلاغه الشروط المذكورة, فلن يتم النظر في بلاغه.
وقد أراد الديوان بذلك كله أن يضمن الجدية في هذه العملية برمتها.. وعدم ترك أي ثغرة تنفذ منها البلاغات الكيدية.. وخاصة نحن نعيش مجتمعا يكيد فيه الكثيرون لبعضهم البعض.. وهناك من هو أنكى من ذلك وأشد خطرا وهو الذي يريد أن يسود.. أو أن يزيح الآخر من على وجه الأرض عاجلا أم آجلا.
ورغم إيجاز بيان ديوان الخدمة المدنية فقد حرص مصدره على أن يجيء بيانه كاملا متكاملا.. فلم ينس أن يحدد الهدف من هذا التشجيع أو هذا الحث للموظفين على مراقبة الاعوجاجات والانحرافات وكل أوجه القصور داخل دولاب العمل الحكومي حتى تستقيم الأمور.. فقال: إن الهدف من وراء هذه الخطوة المطلوبة هو «الكشف عن المعوقات الإدارية التي تعيق سير العمل في المرفق العام بصورة دائمة أو متقطعة لدراستها، واقتراح الوسائل المناسبة لعلاجها والوقاية منها مستقبلا».
الهدف نبيل.. وكل شيء جميل.. والتحرك من أجل تحقيق هذه الخطوة مشروع ومطلوب.. لكن من ذا الذي سوف يحمي الموظف المسكين الذي سوف يقوم بالإبلاغ عن الانحرافات والاعوجاجات في جهة عمله؟.. من الذي سوف يقيه شرور البطش والتنكيل به وخاصة ان كل شيء سوف يكون معروفا؟
صحيح أن السيد مدير إدارة الرقابة الإدارية قد قال مؤكدا في تصريحه: ان جميع المعلومات والبلاغات الواردة ستخضع لحماية إدارة الرقابة الإدارية مع محافظتها على السرية الدائمة.. لكن يبقى أنه من الضروري أن يؤكد لنا الديوان أنه سيحمي الموظف نفسه من أي بطش قد يطوله.. وليس مجرد حماية بلاغه وضمان السرية له.. ذلك لأنه في هذا الزمن لم يعد هناك أي شيء يمكن أن يخفى على أحد.
والحساسيات الملازمة لهذه الخطوة كثيرة جدا.. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر أن بعض الجهات تنظر إلى ديوان الخدمة المدنية ودوره نظرة «عنجهية» أو نظرة استخفاف له ولدوره.. وخاصة أنه كانت هناك في السابق جدلية لايزال لها بعض الآثار أو الظل على الأرض, ومقتضاها بكل صراحة هو: أنه كان هناك وزراء في السابق - وقد يكون هذا موجود في اللاحق أيضا - يرددون في تعالٍ: من الذي يأمر من؟ ومن الذي يحكم من؟ الوزارة أم الديوان؟.. لذلك كنا نجد وزراء أو وزارات تسيّر أمورا من دون العرض على ديوان الخدمة المدنية.. بينما هذه الأشياء التي تم تمريرها تكون من صلب اختصاصات ديوان الخدمة المدنية.. وله وحده حق البت فيها.. وأن تمريرها بدون العرض على الديوان يجعلها باطلة.. والسبب في ذلك أن القائمين على هذه الجهات - إذا كان لايزال لها وجود على الأرض - لم يقرأوا قانون الخدمة المدنية أو قانون إنشاء الديوان، ولا اللوائح التي يؤدي الديوان دوره من خلالها.. وإنه يقوم بدور إشرافي هدفه خدمة جميع جهات الدولة.. كما أنه مستشار الدولة في مجال شئون الخدمة المدنية.. كما أن هذه الجهات قد نسيت وربما تناست أن ديوان الخدمة المدنية يعمل تحت غطاء مجلس الخدمة المدنية الذي يترأسه سمو رئيس الوزراء.. ونائبه هو نائب رئيس الوزراء.
ثم انه يجب ألا ننسى أن ديوان الخدمة المدنية يجسد مبدأ حضاريا يهدف إلى ضمان حسن استقامة سير الأمور في كل أجهزة الدولة هذا إذا كنا نريد لها أن تستقيم.. ولذلك فإنه لا يسعني إلا أن أشيد بهذه الخطوة.. أقصد خطوة إشراك جميع موظفي الحكومة في مراقبة سير العمل الحكومي بشرط ألا تكون عين إدارة الرقابة الإدارية بالديوان على المبلغين وحدهم ضمانا لجديتهم وإبعادا لكيد الكائدين منهم.. بل لابد أن تسلط هذه العين على الباطشين الذين لم يعد هذا الزمان زمانهم.
.
مقالات أخرى...
- إنه المهموم بالوطن .. اقترب منه أو بعد - (14 يونيو 2012)
- فوجئت به باقياً على مبادئه - (10 يونيو 2012)
- قضية تخلو من كل أسانيدها! - (9 يونيو 2012)
- عشنا زمنا يدمر فيه الآباء الأبناء! - (5 يونيو 2012)
- محاكمة القرن... - (3 يونيو 2012)
- من المتهم؟! - (31 مايو 2012)
- هذا الذي أوقعت نفسها فيه!! - (28 مايو 2012)
- هذه الأفراح.. ماذا تعني؟ - (26 مايو 2012)
- مواقف غير حضارية! - (24 مايو 2012)