الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٦ - الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


هل يستطيع العراقيون عزل أو تنحية المالكي؟





ابتداءً لابد لي من التأكيد أني لست من أنصار العملية السياسية القائمة في العراق، التي احسبها فتنة بغيضة لعن الله من أسسها ومن أججها، وان استمرارها يعني استمرار العنف والفساد والدمار لتنتهي بالتقسيم والتفتيت ما لم يكتب الله لها الفشل والسقوط قبل أن يجني ثمارها الفاسدون والعملاء. كما أني لم أعد أرى أن التنظير أو المشورة لأطراف العملية السياسية بعد مرور تسعة أعوام على الصدود والتنكر لما يعلنونه من تصريحات ووعود غير صادقة، لا يجدي النصح لهذا الرهط من الساسة النفعيين رشدا ولا ينعكس لمصلحة شعبنا المقهور أو عراقنا المنكوب بنفع.

ما جدوى تغيير المالكي وتنحيته من قبل خصومه لما تبقى من فترة رئاسته للسلطة من دون أن يعلن هؤلاء الخصوم وقيادات الكتل السياسية التي تتبنى تنحيته برنامج إصلاح وخطوات جادة لتقويم مسيرته التي ينتقدونها، يتعهدون فيها للشعب بالتنفيذ العاجل والصادق؟ سؤال يطرح نفسه لكل متابع ومراقب للحدث العراقي.

لقد اثبت المالكي انه الرجل الأقوى إصرارا وعنادا وتصميما بين أركان مثلث السلطة لتحقيق ما يدور بخلده، وأصبح بنفسه يتولى كل مفاصل السلطة يسخرها كيفما شاء لترسيخ حكمه ومنصبه وهو يطمح إلى مسك السلطة لأطول فترة ممكنة وعلى أكبر بقعة يؤمن هيمنته عليها حتى إن خرج في طموحه هذا على مبادئ حزبه والتزامات كتلته وتحالفه ومراجعه، وهو لا يخفي اليوم بسبب ذلك تخليه عن الفيدرالية والأقلمة المقيتة اللتين تبنى نصوصهما عند كتابة الدستور مادام هو السيد الحاكم فيه، أما إذا اضطر إلى التنحي، فليتقسم العراق وليتفتت وسيكون حينها بإمكان أعوانه وعملائه ممن اشترى ولاءهم وربط مصيرهم بمصيره وهم كثر، ما سيضمن هيمنته على إقليم يهددون اليوم بإعلانه فور تنحيته عن السلطة.

هذا هو المالكي وهذا هو مشروعه يحكم بعقلية الدكتاتور المتعسف مستغلا فراغ الساحة وانقسام المجتمع ونخر منظومة القيم وإثارة الأزمات والانفعالات ليكون هو حل لها ويجيّرها لمصلحة شخصه بعد أن يكشف بها زيف وفساد خصومه للتخلص منهم.

ولهذا تسعى الأطراف الأخرى المشاركة في العملية السياسية إلى تنحيته بعد كل هذا الهوان الذي ألحقه المالكي بها وتتحرك خوفا من تعاظم نفوذه حتى لا تكون لقمة سائغة يلوكها بطواحينه في قادم الأيام، لكن طبيعة الانقسامات والتكتلات والتصريحات المتناقضة في صراع القيادات السياسية مع المالكي وردود فعله للبقاء على رأس السلطة في اجتذاب هذا وفضح ذاك، تنم بشكل واضح عن أن ملامح وطبيعة هذا الصراع لا تنم عن دوافع وطنية أو ثوابت ومتطلبات عراقية، وإلا لماذا يهدد البعض بإعلان الأقاليم وآخرون بإيقاف تصدير النفط او بقطع المياه أو بالهيمنة على العتبات والمراقد؟ ولماذا تتقاطر الوفود إلى هذه الدولة أو تلك؟ ولماذا يستباح القضاء ويسيَّس الجيش وتمنح الرتب وتشترى الأصوات والذمم؟

لم تستطع العملية السياسية القائمة التي تتبنى المحاصصة الطائفية والعرقية لتسع سنوات تعاقبت خلالها انتخابات وحكومات وقيادات عديدة، بناء دولة وأمن وتنمية واعمار وجيش مهني وقوات امن محترفة مهنية باعتراف المشاركين فيها، على العكس من ذلك تفاقم العنف والشحن الطائفي والخطاب التقسيمي وساد الفساد في إدارة معظم مناحي الحياة العامة، واتضح بما لا يقبل الشك ان المالكي يؤسس في ظل هذا الفلتان لدكتاتورية الفرد واستلاب السلطة بالقوة.

تنحية المالكي وتغييره إذا أريد بهما أن يروجا وينجزا بدوافع وطنية يتطلبان ان يكون الاصطفاف ضده وطنيا وليس بدوافع شخصية وفئوية وطائفية وعرقية، وإذا كانت دوافع الخصوم خالصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لشعب نخرت بنيته وتفتت وحدته وقضمت هويته وتصارعت مكوناته، فهذا يعني ان على الجميع التوافق والاعلان والتعهد بتنفيذ خطوات إصلاح وبرنامج تغيير سريع لتحقيق ذلك ضمن فترة وجيزة تصلح ما أفسدته الثغرات وما أحدثته سياسات المالكي ومن سبقوه، وإلا فان أطروحة الوقوف بجانب الشعب المغلوب على أمره زائفة وغير صادقة.

تغيير الدستور وكتابته بشكل يحفظ هوية العراق وشعبه ويحترم مشاعره ومعتقداته ووحدة أرضه وكيانه، ويسخر ثرواته وقدراته لمصلحة الجميع من دون تمييز أو طائفية أو مذهبية أو عرقية، في دولة مدنية عصرية يتم تثبيت نظام الإدارة فيها والعلاقة بين السلطات بشكل واضح واستغلال الثروات بشكل عادل يحسب هو الأساس المطلوب لإحداث الإصلاح، ناهيك عن كونه التزاما نص على وجوبه الدستور الملغوم والمستورد نفسه.

تغيير وتعديل هذا الدستور يحسبان اليوم هما الحجر الأساس في إحداث التغيير لأن ما شرَّع فيه من مقالب وألغام شكلت كل الخلفية البائسة التي ألحقت بالعراقيين.

تفعيل نصوص استقلالية القضاء ومهنية القوات الأمنية والقوى المسلحة وطبيعة قيادتها وإعدادها بشكل مهني وحرفي فاعل ضمانة لإقامة دولة العدل والأمن أصبح ضرورة ماسة ليعيش الإنسان العراقي بكرامة وأمان.

ضمانات ترصين الديمقراطية والحرية والنزاهة تتطلب إعدادا سريعا لقوانين الأحزاب والعمل السياسي والانتخابات وضمانات إجرائها بنزاهة وشفافية وهي ضرورة وحاجة ماسة إلى بناء الدولة المنشودة.

الشعب بحاجة إلى قرارات جادة وفعلية لاجتثاث الفساد وتوفير الخدمات وتوفير العمل ومستلزمات التربية والتعليم والصحة والسكن والعيش السليم بأمن وأمان كونها أسبقيات أساسية لا ترقى إليها سمة السلطة القائمة على أساليب قهر الإنسان وهدر حقوقه واستلاب حريته وتضليل معتقداته وتهميش كفاءته وقدراته وتحجيم دوره.

ليس أمام خصوم المالكي الذين يتنادون اليوم لتنحية المالكي إلا النزوع إلى تبني برنامج إصلاح يتعهدون بتنفيذه لما تبقى من فترة الدورة البرلمانية الحالية تمهيدا لتشكيل حكومة فاعلة تعمل على إنشاء أرضية وسياسة ممكن أن يتفاءل بها الشعب ويتعامل معها في ضوء ما تنجزه، وإلا فان شعار التنحية كما يروج له يبقى نمطا من أنماط الصراع الشخصي والفئوي على السلطة لن يفضي إلا إلى المزيد من إضرام النار وتفشي المحن والأزمات.

لقد فقد العراقيون ثقتهم بكل من أفرزته العملية السياسية الحالية البائسة من سياسيين وقيادات على اختلاف مواردهم ومشاربهم، ولم يعد يحسبهم إلا «شلة» من الفاسدين والمنتفعين لا يشكل المالكي بسياساته وطموحاته إلا واحدا من فيض منهم، لا يعني تغييره وتنحيته بدوافع شخصية وفئوية، تغييرا حقيقيا في تقويم الواقع العراقي المؤلم، وما لم ينتبه هؤلاء الساسة إلى حجم الجريمة التي ألحقوها بهذا الشعب فان مصيرهم بالنهاية محتوم لأن الشعوب لا تقهر، والتاريخ لا يرحم، والفساد لا يدوم، ووعد الله نافذ

* كاتب وسياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة