الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٨ - الخميس ٢١ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


كانت لنا إنجازات رائدة





الإنجاز الضخم الذي رفعت به رأس أهلي النوبيين في شمال السودان عاليا هو الفوز بمنحة دراسية في بريطانيا في النصف الثاني من السبعينيات، ومن الزاوية الشخصية فإن ذلك الإنجاز نبهني إلى إنجاز سوداني سبق به كل الدول العربية والافريقية، ألا وهو «التلفزيون الريفي» الذي يخاطب فقط شريحة المزارعين في واحد من أكبر المشاريع الزراعية في العالم، ألا وهو «مشروع الجزيرة»، وأعرف ان اسم السودان ارتبط خلال السنوات الأخيرة بكل ما يسبب النكد والغمّ لمن يحبون له الخير، ولكن نفس السودان الذي لا يعرف عنه جيل كامل سوى الحروب الأهلية والأزمات السياسية والاقتصادية، كان مع العراق أول من قدم الى المواطنين خدمات التلفزيون في مطلع الستينيات، ولكن تجربة التلفزيون الريفي كانت فريدة ورائدة وناجحة جدا لأن القائمين عليها كانوا من ذوي التأهيل الأكاديمي والمهني العالي، ودرسوا فنون الإنتاج البرامجي التلفزيوني في بريطانيا وهولندا واليابان. واستعدادا للسفر الى لندن لدراسة تلك الفنون ألحقونا بتلفزيون «الجزيرة الريفي»، وكما تشير التسمية لم تكن القناة معنية بالحبيب المسافر والخطيب الغادر والعيون التي في طرفها كحل، ولم يكن فيها مجال لفاروق الفيشاوي او مهند التركي، والأهم من كل ذلك أنه لم يظهر مسؤول حكومي رفيع قط على شاشة تلك القناة، فلم يكن فيها مجال للبكش ومسح الجوخ، لأنها كانت معنية فقط بتنوير وتثقيف المزارعين، بمعنى أن برامجها كانت «مدروسة وموجهة»، ولأن معظم المزارعين لم يكونوا يملكون وقتها المال الكافي لشراء التلفزيونات، ولأن الكهرباء لم تكن متوافرة في معظم القرى التي يغطيها الإرسال فقد كانت هناك «أندية مشاهدة» في القرى مزودة بمولدات كهربائية صغيرة ويشرف على كل نادٍ «عريف rotinom» مهمته شرح ما يستعصي من أمور للمزارعين وعرض التغذية الراجعة «فيدباك» على إدارة المحطة كي تستفيد من آراء وتقييم المزارعين لبرامجها.

وهناك تجربة أخرى كثيرا ما ناشدت المعلمين السودانيين المخضرمين الكتابة عنها، وهي ما يعرف بـ«فصول اتحاد المعلمين»، ففي كل أنحاء السودان كان الاتحاد يدير مدارس مسائية مستغلا مباني المدارس الحكومية لتوفير التعليم (وخاصة الثانوي) لمن فاتهم القطار لسبب او لآخر، وقد درس مئات الآلاف من السودانيين من الجنسين في تلك المدارس (كانت الدراسة فيها مختلطة)، وكانت بالتالي مصدر دخل كبير للاتحاد كتنظيم نقابي يضم معلمي كل المراحل ما دون الجامعة، وللمعلم الفرد نظير عمله الإضافي، وكان اتحاد المعلمين يتكفل بصيانة المدارس التي يستغلها ويوفر لها ما ينقصها من مدخلات التعليم.

المهم ان السفر الى لندن تطلب إقامتي في ود مدني عاصمة محافظة «الجزيرة» والإقامة في استراحة داخل مبنى التلفزيون الريفي، وهناك قضيت بعض أخصب شهور عمري، فقد كانت المدينة جميلة والمنطقة كلها على امتداد مئات الكيلومترات مغطاة بالخضرة، وكان للمشروع الزراعي خطّ سكك حديدية خاص وشبكة هواتف خاصة به، وكانت مظاهر الرخاء في كل شبر، وكنا بحساب الدرجات نعتبر من صغار الموظفين، ولكن طعامنا كان دائما «كبدة وكلاوي وسمك .. وأنت طالع».. وهي أشياء يحسب موظفو هذا الزمان أنها لا توجد إلا في الجنة التي وُعد بها المتقون.. وبعد حين من الزمان ألحقونا بالتلفزيون المركزي في أم درمان حيث اختلطنا بأسرة البرامج التعليمية ووجدنا أنفسنا تلاميذ في حضرة أساتذة جهابذة متمكنين من المواد التي تخصصوا فيها، وعارفين بفنون العمل التلفزيوني.. وبهذا نلت «النجومية» وسط أقراني وأنا لم أتقن ألف باء العمل التلفزيوني.. كان يكفي ان يعرف الناس أنني أعمل في التلفزيون ليعتبروني شخصا مميزا.. بدرجة أن «الحكاية طلعت في دماغي» وحسبت أن فكرة زواجي بسعاد حسني قابلة للتطبيق: نجم لاقى نجمة.. وهزبر لاقى هزبرة (أنثى الأسد ولا أريد أن استخدم «تلك الكلمة» بعد ان اكتسبت معنى مش ولا بد في التعبير العامي).





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة