متطلبات لحوار نحو مشروع سياسي
 تاريخ النشر : السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في مقالنا السابق كتبنا عن الخيار الوحيد امام الشعوب في الخروج من مأزق الدولة وعلاقتها بالمجتمع والمواطن والسلطة، وتوصلنا إلى أن النضال السلمي هو الحل. والنضال السلمي يجب أن يصاحبه مشروع سياسي يضع إطارا للتغيير المستحدث في المجتمع ينبغي أن يلبي مختلف المتطلبات لإحداث التغيير نحو حياة حرة كريمة ومستقبل أفضل. ولنكون واقعيين فان هذا التغيير لابد ان يسير على وفق مراحل زمنية تسمح بمعالجة القضايا المعقدة وإرساء قواعد الثقة بين مكونات المجتمع، وتراعي الثقافة المحلية وخصوصا في الدول التي بها تنوع عرقي أو مذهبي.
تختلف قدرة الشعوب على إيجاد المعادلة المناسبة للخروج من مأزق الخلط بين الدولة والسلطة وحقوق المجتمع والمواطن، غير انه من الضروري أن تشمل هذه المعادلة معالجة القضايا الرئيسية التي أخرت الشعوب وأثرت في تطورها، وهي قضايا الفساد وقضايا التحالف بين السلطة والثروة. وبالنسبة الينا في البحرين نضيف إلى هذه المشاكل ما أنتجته الأحداث من تأزيم طائفي وتوتر بين فئات المجتمع.
ما نشر في الصحافة قبل أيام حول تعثر قطاع العقار وما يواجهه المجتمع التجاري من انحسار فرص التنمية وتراجع في مؤشرات التنمية يجب أن يكون حافزا لنا إلى الخروج من الأزمة التي طال أمدها وازدادت تعقيداتها حتى أصبح كل طرف يضع شروطا على الآخر ليس لها ما يبررها. البلاد تحتاج إلى طرح حلول وليس المزيد من الشروط. هناك فسحة من الأمل في تصريحات سمو ولي العهد وما يدور حول إمكانية حوار يتبناه سموه ويتحدث عنه المجتمع الذي سئم هذا الجمود للخروج من الأزمة.
وفي هذه المناسبة، نؤكد ان أي حل يجب أن يكون أولا: قادرا على استعادة حالة الاستقرار والتوازن في المجتمع، ثانيا: لابد أن يكون الحل قادرا على تحرير المجتمع من كل ما يعطل مسيرته التنموية، ثالثا: ان يكون الحل قادرا على إزالة مرارة ما حدث من مصادمات وآلام تعرض لها العديد من المواطنين، رابعا: يجب أن يضع المجتمع في موقعه الصحيح بالنسبة إلى الدولة والسلطة، وكما جاء في الدستور ان الشعب هو مصدر السلطات.
المدخل السياسي للحل هو الأمثل ولكن حتى ان بدأنا بحثنا عن حلول من منطلق تنموي اقتصادي معيشي بحت وابتعدنا عن الأطروحات السياسية مؤقتا سنجد اننا أمام وضع يتمثل في أزمة إسكانية تؤرق المواطن، وطلبة يتخرجون في المدارس والجامعات، وصناعات تحتاج إلى عودة السوق إلى سابق عهدها لكي تنتعش، ومشاريع صغيرة وليد تحتاج إلى حضانة ورعاية. كل ذلك لا يمكن أن يعالج في بيئة مأزومة، ومن العبث التعلل بعدم الثقة في الآخر، فالمجتمع يعاني وعلينا الحراك لإيجاد حل يعترف بأهمية التنازلات ويركز في معالجة قضايا عملية ضمن منظور تنموي بمتطلبات محددة تشمل:
أولا: متطلبات التنمية الاقتصادية المستدامة، تشمل: ١) حسن إدارة الثروة والمحافظة عليها وتنميتها للأجيال المستقبلية. ٢) وضع منظومة متكاملة لمكافحة الفساد وتشمل انشاء مؤسسات مستقلة وبسلطات فاعلة لتقوم بالمساءلة والمحاسبة. ٣) توفير المعلومات بقوة القانون للتخطيط والمتابعة والمحاسبة. هذه الإصلاحات سوف تسهم في إيجاد جو منفتح يسمح بمناقشة قضايا البطالة والمشاريع التنموية في حرية من دون قيود ومجاملة لأي أشخاص أو مؤسسات.
ثانيا: متطلبات اجتماعية، تشمل توزيعا عادلا للثروة وتحقيق مستوى معيشي لائق بالمواطن مع العناية بالفئات الضعيفة، وتوفير الأراضي والموارد للإسكان والتعليم والصحة.
ثالثا: متطلبات شرعية وأخلاقية، تبدأ باحترام الحرية الدينية التي اقرها الإسلام لجميع البشر، وإشاعة العدالة والقسط بين الناس، واعتماد الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص كمبدأ للتعامل مع الجميع.
رابعا: متطلبات أمنية، تشمل: ١) استقرارا سياسيا يرتكز على العدالة واحترام الحقوق وتطبيق القانون من دون أي انتقائية بما يطمئن كل مواطن على نفسه ومستقبل عائلته. ٢) تحقيق امن وطني يحفظ سلامة المجتمع وكيان الدولة وعروبتها. خامسا: متطلبات اللحمة الوطنية، نؤمن بأن اللحمة الوطنية ستعود بتحقق المتطلبات أعلاه، وان هناك جهودا تبذل من قبل منظمات أهلية وعلى رأسها إنشاء مؤسسة للمصالحة والحوار، ونؤكد ان المجتمع البحريني على قدر من الوعي يجعله يتجاوز هذه الأزمة الناتجة في الأساس عن الوضع السياسي.
هذه المتطلبات في مجملها تمثل الوصول إلى الدولة الحديثة التي حددها الميثاق الوطني ورسم معالمها وما علينا إلا أن نرتقي إلى مستوى الميثاق ونضع هذه المتطلبات في مشروع سياسي تتبناه قوة سياسية تدخل به في حوار مشترك مع الطرف الآخر وتقدم ما تتوصل إليه إلى النظام السياسي.
والسؤال ما الذي يمنع إجراء حوار للتوصل إلى حل يحقق هذه المتطلبات؟ هل هو رفض بعض الأطراف الحوار مع الآخر خشية من بعض أتباعه؟ أم هو مستوى العنف في الشارع الذي يجعل الآخر يشعر بأنه يتحاور تحت التهديد؟
أيا كانت الأسباب فإنها غير كافية للتضحية بالمجتمع وبحياة الناس ومستقبلهم. لقد أوضحت السلطة موقفها الذي يبدو انه مع إقامة الحوار من دون شروط، وقد عبرت عن ذلك في كثير من المواقف وعلى لسان العديد من المسئولين، وآخر تصريح كان لسمو ولي العهد.
نؤكد أهمية الاستعداد للتنازل من جميع الأطراف لترجمة هذه المتطلبات إلى مشروع سياسي يحظى بقبول مجتمعي في إطار حوار بين المجتمع، مُمَثلا في الجمعيات السياسية ورؤيتها المشتركة للحل والسلطة.
.